دفعهم حماسهم للإسلام إلى أن يثبتوا فيه، بغير دراسة معمقة، كل ما يرونه قد راج في أسواق العالم المتحضر؛ متوهمين أن في ذلك خدمة جليلة للإسلام، فكأن الإسلام في أعينهم طفل يتيم ذليل لا يعيش إلا إذا جُعل تحت رعاية رجل ذي جاه ونفوذ، أو هم يخافون أن لا تكون لهم عزة من حيث كونهم مسلمين؛ إلا إذا أخرجوا للناس مبادئًا من دينهم مثل مبادئ النظم الاجتماعية السائدة في عصرهم. فإذا راجت الديمقراطية كان الإسلام ديمقراطيًا، وإذا راجت الاشتراكية كان الإسلام اشتراكيا، وإذا راجت نظرية سيادة الأمة كانت هذه النظرية من نظريات الإسلام(1)
على الجانب الآخر.. لم يعرف الصحابة مثل هذا الانكسار والاتباع الذليل للثقافة الأخرى.. لماذا؟
مركب النقص:
لماذا استطاع ذلك أولئك الأعراب الفقراء في عهد محمد، صلى الله عليه وسلم؟
لماذا قام أولئك الأعراب الفقراء الأميون بإنقاذ الإنسانية وشعروا أنهم جاؤوا من أجل إنقاذها؟
فقد كانوا يعلنون هذا في أقوالهم ومخاطباتهم للآخرين سواء من أهل الفرس أو من أهل روما. كانوا يقولون لهم: لقد أتينا لننقذكم.إنهم لم يشعروا بمركب النقص.. لماذا لم يشعروا بمركب النقص؟
لأن الإمكانيات الحضارية المتكدسة أمامهم في فارس أو في بيزنطة أو في روما لم تفرض عليهم النقص، وبعبارة أخرى لم تبهرهم(2)
المصدر:
- فتحي عبد الكريم، الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة، مكتبة وهبة، القاهرة، 1977، ص18
- مالك بن نبي، دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين، دار الفكر، ص49