هذه شبهة خفيفة الوزن، تدل على أمرين راسخين فيهم:
الأول: جهلهم الفاضح بقواعد اللغة العربية.
الثانى: تهافتهم الأعمى على تصيُّد الشبهات، والبحث عن العيوب والنقائص.
منشأ هذه الشبهة:
هو قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إمامًا، قال: ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين) (1).
اطلعوا على هذه الآية فى المصحف الشريف، ووقع بصرهم على كلمة " الظالمين " وصورت أوهامهم أن فيها خطأً نحويًا؛ لأنها عندهم فاعل، والفاعل حكمه الرفع لا النصب، فكان حقه أن يكون هكذا.
لا ينال عهدى الظالمون، لأنه جمع مذكر سالم، وعلامة رفعه " الواو " وبهذا تخيلوا، بل توهموا أن القرآن لا سمح الله قد أخطأ فنصب الفاعل " الظالمين " ولم يرفعه " الظالمون "؟! هذا هو منشأ هذه الشبهة.
الرد على الشبهة:
الفعل "نال" فعل متعدٍ إلى مفعول واحد، قال الله تعالى:
(ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا) (2).
الفاعل "واو الجماعة" والمفعول "خيرًا".
أما فى هذه الآية التى اتخذوها منشأ لهذه الشبهة "لا ينال عهدى الظالمين" فالفاعل هو "عهدى"، مرفوع بضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل (3) بحركة المناسبة ل "ياء" المتكلم، والمفعول به هو "الظالمين" وعلامة نصبه هى "الياء" لأنه جمع مذكر سالم، ينصب ويجر ب "الياء" والمعنى: لا ينفع عهدى الظالمين. ومجئ "الظالمين" منصوبًا هو قراءة الجمهور من القراء.
وليس فى مجئ "الظالمين" منصوبًا على المفعول به خلاف بين العلماء. بل إنهم نصوا على أن خواص الفعل " نال " أن فاعله يجوز أن يكون مفعولًا، ومفعوله يجوز أن يكون فاعلًا، على التبادل بينهما، قالوا: لأن ما نالك فقد نلته أنت.
وقد جاء قوله تعالى: (لن ينال الله لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (4).
على خلاف نسق آية البقرة، التى نحن بصدد الحديث عنها. حيث كان الوالى للفعل فيها هو الفاعل " لا ينال عهدى والواقع بعد الفاعل هو المفعول " الظالمين ".
أما فى آية الحج فإن الذى ولى الفعل " لن ينال الله " هو المفعول، وما بعده هو الفاعل " لحومُها ".
والمعنى: لن يصل الله لحومُها ولا دماؤها، وكذلك قوله " ولكن يناله التقوى منكم " فالضمير فى " يناله " هو المفعول به، أما " التقوى " فهى الفاعل.
الإشارات المرجعية:
(1) البقرة: 124.
(2) الأحزاب: 25.
(3) المحل هنا هو " الدال " من " عهدى ".
(4) الحج: 37.
المصدر:
مجموعة مؤلفين، شبهات المشككين، ص11