ما أنت في عالم الإلحاد

ما أنت في عالم الإلحاد | مرابط

الكاتب: سامي عامري

772 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إنك شيء لا يُفكّر، ولا يحسّ، ولا يحبّ.. حتى ارتعاشة القلب استجابة لخاطر الحب، شيء لا قيمة له؛ ﻷنها مجرد استجابة آلية من كيان مادي لا يحمل عاطفة حقيقية في جوفه.. ولذلك على الملحد العاقل ألا يقول لزوجته: أنا أحبك! إذ هو لا يملك فؤادًا، وإنام عليه أن يقول لها بصدق: زوجتي.. إن الدوبامين قد أغرق النواة المذنّبة في دماغي. فما الحب غير عملية غير إرادية لها علاقة بالدماغ والهرمونات والأعصاب.. إننا -إلحاديا- لا نحب ولا نعشق، إنما نُظهر في أنفسنا مظاهر خادعة للحب في استجابة للكيمياء الفائرة فينا.. إننا هنا كائنات بلا عاطفة صادقة، وإنما هي كتلة من العضل تسمى قلبًا تدفع الدم في اتجاه العروق.

 

إن إنكار الإرادة الحرّة ليس قضية نظرية يتداول أطرافها المترفون ذهنيًا من الثرثارين، وإنما هي دعوى لها ضريبة عمليّة مُشاهدة؛ وهي اعتقاد الإنسان أنه لا حريجة من إيذاء الغير؛ ﻷن الفاعل مسلوب الإرادة، فما يجترحه من آثام لا يُحسب ضمن منكراته؛ ﻷنه لم يختره؛ فهو مجرّد آلية تستثمر البنية الفسيولوجية لصناعة مجموعة أعمال مادية تظهر على الجوارح دون اختيار واع.

 

وقد كشف باحثان من جامعتين أمريكيتين في دراسة لهما نُشرت في مجلة psychology science أن الإيمان بالجبرية يُعزّز ظاهرة الكذب والخيانة، من خلال تجربة تمّت على مجموعة من المشاركين تعرّضوا بكثافة لمفهوم الجبرية. وقد انتهى الباحثان إلى أن السّجال حول حرية الإرادة قضية لها تداعيات مجتمعية خطرة.

 

وذاك ما أكدته تجارب أخرى أجراها متخصصون، منها تجربة شارك فيها طلبة جامعات، قُدّمت فيها لهم تقريرات لعلماء يدافعون فيها عن إنكار واقعية حرية الإرادة، ثم طُلب من هؤلاء الطلبة أن يقدّموا وجبة طعام لمجموعة من الناس لا يحبّون الأكل المخلوط بالبهارات؛ فقدّموا لهم أكلا بهاراته كثيرة، رغم أنه قد قيل لهم إن الجالسين عليهم أن يأكلوا ما يُقدّم لهم دون خيار.

 

وقد لخص جري كوين حقيقة الأمر بصيغة إيجابية، عندما زعم في محاضرة له عنوانها: أنت لا تملك إرادة حرة.. في مؤتمر بعنوان: تصوّروا لو أنه ليس هناك دين! أن لإنكار وجود الإرادة الحرة فضيلة عظيمة، وهي أن تتخلّص من شعور الذنب كليّة، وتعيش بلا ضمير يؤنبك وأن تنتقل لتسويغ أنانيتك من لوم الأسرة أو الزوج أو المجتمع إلى ألا تلوم أحدًا؛ فآثامك بضعة من بنائك الفسيولوجي.

 

ذاك هو الملحد، يؤمن أنه آلة، وأنه آلة واعية تدرك أنها بلا إرادة، رغم أن الوعي يحتاج إرادة مدركة حتى تتمكن النفس من التقدم للوصول إلى فهم الواقع.. والملحد يؤمن أن عليه أن يتعايش مع خرافة الإرادة الحرة لأنه يعجز أن يختار أو يتحرك أو يرد الفعل إذا واجه حقيقة أنه بلا إرادة.. ثم هو يدعو إلى مجتمع أخلاقي، مع علمه أنه مجتمع مسلوب الإرادة وأن علمه أنه لا توجد إرادة حرة سيأكل من ضميره الذي يؤنبه إذا اجترح سيئة.

 

أن تكون ملحدًا هو أن تصنع خرافة، ثم تتعايش معها، وتجلد بسيف العلم من لم يتابعك في إيمانك بالخرافة.. وكل ذلك صارف عن فهم الحكمة في خلف الكون، والحكمة من رسالات الوحي.. نفي الإرادة الحرة من لوازم الإلحاد المادي، ومبطل لكل فضيلة أخلاقية أو معرفية يدّعيها الملحد.

 


 

المصدر:

سامي عامري، الإلحاد في مواجهة نفسه، ص85

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام | مرابط
تاريخ

أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام


ولعل منشأ هذا الحب العميق للإسلام عند الصديق رضي الله عنه هو الإخلاص الشديد في قلبه فالعمل المخلص لا يرتبط بوجود أشخاص أو هيئات أو ظروف إنما هو مرتبط بالله جل وعلا وبالتالي فالإخلاص يدفع صاحبه إلى العمل الدءوب في كل الأوقات وبالحماسة نفسها وهذا ما دفع الصديق رضي الله عنه إلى أن يبقى على هذه الروح في حمل الرسالة حتى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وإلى موته هو شخصيا رضي الله عنه فقد ظل يحمل هم الدعوة ويتحمل مسئولية الإسلام وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره

بقلم: د راغب السرجاني
1670
إسلام الوجه لله والإحسان هما أصلا الشريعة | مرابط
مقالات

إسلام الوجه لله والإحسان هما أصلا الشريعة


وهذان الوصفان - وهما إسلام الوجه لله والإحسان - هما الأصلان المتقدمان وهما: كون العمل خالصا لله صوابا موافقا للسنة والشريعة وذلك أن إسلام الوجه لله هو متضمن للقصد والنية لله كما قال بعضهم: أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1089
ارتباط أعمال القلوب وأعمال الجوارح | مرابط
اقتباسات وقطوف

ارتباط أعمال القلوب وأعمال الجوارح


ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان فمركب الإيمان القلب ومركب الإسلام الجوارح فهذه كلمات مختصرة في...

بقلم: ابن القيم
1098
بما فضل الله | مرابط
مقالات المرأة

بما فضل الله


فمهما حاولت المرأة التخلص من العاطفة في حكمها على الأمور لن تستطيع لأنه مركوزة في فطرتها وتكوينها.. فنقص العاطفة عند الرجال كنقص العقل عند النساء تفضيل أودعه الله في الخلق لحكمة يفعل ما يشاء وهو العليم الخبير.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
442
ثقافة عالمية | مرابط
اقتباسات وقطوف

ثقافة عالمية


فكرة الثقافة العالمية التي يتوحد تحت مظلتها الناس جميعا هي فكرة موهومة لا يمكن تطبيقها في الواقع ولا ترمي إلا لهدف واحد فقط وهو إخضاع الأمم جميعا لثقافة واحدة وهي ثقافة الغرب الذي هيمن على كل شيء تقريبا

بقلم: محمود شاكر
2217
تشوش دور المرأة | مرابط
المرأة

تشوش دور المرأة


قبل فترة وجدت نفسي في مجموعة على الفيس بوك للنساء فكلما دخلت واحدة لتعرف عن نفسها تسرد إنجازاتها في دراستها وعملها إلى أن دخلت واحدة على استحياء لتقول أنها خجلة لكونها لا تملك ما تحدثنا عنه سوى أنها أم وربة منزل! لقد تحول دور المرأة تحولا شوه دورها وشوه تلك المخرجات التي بتنا نراها أولادا بلا تربية وبيوتا بلا ترتيب وطناجر فخمة دون استعمال وصارت إحداهن تطبخ للكاميرة لا لأولادها.

بقلم: د. مؤمنة العظم
502