ما أنت في عالم الإلحاد

ما أنت في عالم الإلحاد | مرابط

الكاتب: سامي عامري

532 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إنك شيء لا يُفكّر، ولا يحسّ، ولا يحبّ.. حتى ارتعاشة القلب استجابة لخاطر الحب، شيء لا قيمة له؛ ﻷنها مجرد استجابة آلية من كيان مادي لا يحمل عاطفة حقيقية في جوفه.. ولذلك على الملحد العاقل ألا يقول لزوجته: أنا أحبك! إذ هو لا يملك فؤادًا، وإنام عليه أن يقول لها بصدق: زوجتي.. إن الدوبامين قد أغرق النواة المذنّبة في دماغي. فما الحب غير عملية غير إرادية لها علاقة بالدماغ والهرمونات والأعصاب.. إننا -إلحاديا- لا نحب ولا نعشق، إنما نُظهر في أنفسنا مظاهر خادعة للحب في استجابة للكيمياء الفائرة فينا.. إننا هنا كائنات بلا عاطفة صادقة، وإنما هي كتلة من العضل تسمى قلبًا تدفع الدم في اتجاه العروق.

 

إن إنكار الإرادة الحرّة ليس قضية نظرية يتداول أطرافها المترفون ذهنيًا من الثرثارين، وإنما هي دعوى لها ضريبة عمليّة مُشاهدة؛ وهي اعتقاد الإنسان أنه لا حريجة من إيذاء الغير؛ ﻷن الفاعل مسلوب الإرادة، فما يجترحه من آثام لا يُحسب ضمن منكراته؛ ﻷنه لم يختره؛ فهو مجرّد آلية تستثمر البنية الفسيولوجية لصناعة مجموعة أعمال مادية تظهر على الجوارح دون اختيار واع.

 

وقد كشف باحثان من جامعتين أمريكيتين في دراسة لهما نُشرت في مجلة psychology science أن الإيمان بالجبرية يُعزّز ظاهرة الكذب والخيانة، من خلال تجربة تمّت على مجموعة من المشاركين تعرّضوا بكثافة لمفهوم الجبرية. وقد انتهى الباحثان إلى أن السّجال حول حرية الإرادة قضية لها تداعيات مجتمعية خطرة.

 

وذاك ما أكدته تجارب أخرى أجراها متخصصون، منها تجربة شارك فيها طلبة جامعات، قُدّمت فيها لهم تقريرات لعلماء يدافعون فيها عن إنكار واقعية حرية الإرادة، ثم طُلب من هؤلاء الطلبة أن يقدّموا وجبة طعام لمجموعة من الناس لا يحبّون الأكل المخلوط بالبهارات؛ فقدّموا لهم أكلا بهاراته كثيرة، رغم أنه قد قيل لهم إن الجالسين عليهم أن يأكلوا ما يُقدّم لهم دون خيار.

 

وقد لخص جري كوين حقيقة الأمر بصيغة إيجابية، عندما زعم في محاضرة له عنوانها: أنت لا تملك إرادة حرة.. في مؤتمر بعنوان: تصوّروا لو أنه ليس هناك دين! أن لإنكار وجود الإرادة الحرة فضيلة عظيمة، وهي أن تتخلّص من شعور الذنب كليّة، وتعيش بلا ضمير يؤنبك وأن تنتقل لتسويغ أنانيتك من لوم الأسرة أو الزوج أو المجتمع إلى ألا تلوم أحدًا؛ فآثامك بضعة من بنائك الفسيولوجي.

 

ذاك هو الملحد، يؤمن أنه آلة، وأنه آلة واعية تدرك أنها بلا إرادة، رغم أن الوعي يحتاج إرادة مدركة حتى تتمكن النفس من التقدم للوصول إلى فهم الواقع.. والملحد يؤمن أن عليه أن يتعايش مع خرافة الإرادة الحرة لأنه يعجز أن يختار أو يتحرك أو يرد الفعل إذا واجه حقيقة أنه بلا إرادة.. ثم هو يدعو إلى مجتمع أخلاقي، مع علمه أنه مجتمع مسلوب الإرادة وأن علمه أنه لا توجد إرادة حرة سيأكل من ضميره الذي يؤنبه إذا اجترح سيئة.

 

أن تكون ملحدًا هو أن تصنع خرافة، ثم تتعايش معها، وتجلد بسيف العلم من لم يتابعك في إيمانك بالخرافة.. وكل ذلك صارف عن فهم الحكمة في خلف الكون، والحكمة من رسالات الوحي.. نفي الإرادة الحرة من لوازم الإلحاد المادي، ومبطل لكل فضيلة أخلاقية أو معرفية يدّعيها الملحد.

 


 

المصدر:

سامي عامري، الإلحاد في مواجهة نفسه، ص85

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز | مرابط
ثقافة

كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز


نحن أقررنا بأن الإنترنت لمعظمنا لا يمكن الاستغناء عنه وبالتالي الفكرة التي سنقدمها ستكون أن نقلل من الضرر بقدر الإمكان وذلك باستخدام خمس نصائح: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى تخلص من فوبيا فوات الأشياء اتبع نظام جلسات العمل لا تضح بنصيبك من العزلة كن واعيا بحجم المشكلة

بقلم: علي محمد علي
444
شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية ج1


كثيرا ما طرق آذان المسلمات قول صارخ منتفش ودعوى فجة مغرورة أن مطالبة المرأة العربية بارتداء الحجاب في القرن الواحد والعشرين حيث تطور العالم وبلغ في ابتكاراته العلمية الذروة وتطور المجتمع وأصبح أكثر انفتاحا ونضجا لهو دعوة صريحة إلى الانتكاس والعودة إلى القرون الوسطى عصور الظلام

بقلم: سامي عامري
1011
بالمساواة يتحقق العدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بالمساواة يتحقق العدل


المساواة هي الشعار البراق اللامع الذي يرفعه الكثير من الناس ويقدمونها كأنها قيمة مثالية عليا متى تحققت صلح الواقع وبالتالي فلا يحق لأحد معارضتها أو إنكارها ولكن الحقيقة أن هذا الشعار البراق هو محض وهم فالمساواة ليست دائما حسنة ومن هنا يقف بنا المقال عند قيمة العدل وقيمة المساواة للتفريق بينهما وفهم ميدان عمل كل واحد منهما

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2162
رسالة المصلح | مرابط
اقتباسات وقطوف

رسالة المصلح


إن المصلح الصادق لا تغره أرقام المتابعين ولا أعداد المشاهدين ولا كثرة المنتسبين لبرامجه إذ إن نجاحه الحقيقي هو في تحقيق عبوديته لله تعالى بالقيام بدينه وتبليغ العلم النافع والإصلاح ما استطاع ثم إن بارك الله له فيما قدم فانتفع به الناس فهو يدرك أن هذا الفتح والبركة إنما هي من الله سبحانه وتعالى فيحمده ويشكره ويفرح بنعمة الله عليه وعاجل بشراه له.

بقلم: أحمد يوسف السيد
262
القانون والإنسان | مرابط
اقتباسات وقطوف

القانون والإنسان


والشرع غاية ولكنه ليس الغاية الأخيرة إنه ليس سوى حد وسط بين الإنسان كما هو ناشئا يتطلع إلى الحياة الأخلاقيةومصارعا من أجل كمالهوبين الإنسان كما ينبغي أن يكون في قبضة الفضيلة الكاملة والشرع أشبه بقنطرة بين شاطئين نحن نقطة بدايته ونقطة نهايته أوهوأشبه بسلم درجاته مستقرة على الأرض ولكن يعد من يريدون تسلقه أن يرفعهم إلى السماء

بقلم: محمد عبد الله دراز
562
قل ولا تقل: قاعدة الاستبدال | مرابط
لسانيات

قل ولا تقل: قاعدة الاستبدال


على الرغم من شيوع هذه القاعدة ومعرفة معظم المشتغلين والناطقين بالعربية بها فإن الخطأ فيها شائع جدا على مستوى الممارسة. والقاعدة هنا تقول إن باء الجر تدخل على المتروك لا على المأخوذ عند استخدام فعل التبديل بدل أو أي فعل من نفس مادته استبدل تبدل أبدل.. أو أي من مشتقات هذه الأفعال.

بقلم: محمود عبد الرازق جمعة
544