مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري

مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري | مرابط

الكاتب: د. سلطان العميري

562 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعد ابن تيمية من أشهر العلماء الذين قاموا بنقد المذهب الأشعري، ومن أكثرهم توغلا في تتيع تفاصيله بالنقض والاعتراض. وقد سلك في نقده للمذهب الأشعري عددا من المسالك المنهجية، هي أشبه بالمداخل العلمية الكبرى التي يجب أن تحاكم إليها كل المذاهب العقدية.

ومن أصول تلك المسالك:

المسلك الأول: المحاكمة إلى قواطع النصوص الشرعية وظواهرها، فقد تتبع ابن تيمية النصوص الشرعية المتضمنة للعقائد المعارضة لمقررات المذهب الأشعري، وبين تنوعها في دلالتها وتراكيبها ومواردها، فأثيت من خلال ذلك أن النصوص الشرعية يستحيل أن تكون متفقة مع مقررات المذهب الأشعري.

وأثبت بذلك ضخامة الانحراف الذي وقع فيه علماء الأشاعرة، وضخامة التحريف الذي وفعوا فيه، وضخامة عدد النصوص الشرعية التي يتعارض مذهبهم معها، فمشكلة المذهب الأشعري ليست مع نص ولا نصين ولا عشرة ولا مائة نص، وإنما مشكلته مع مئات النصوص الشرعية.

فإنه بناء على مذهبهم يجب عليهم أن يؤولوا أو يفوضوا مئات النصوص في الكتاب والسنة، ويقدموا عنها جوابا. وهذا الكشف أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق شرعي ظاهر، وكشف لهم حجم التكاليف الشرعية التي يجب أن يقوموا بها.

المسلك الثاني: المحاكمة إلى المستفيض عن أثمة السلف، فإن من أعظم ما قام به ابن تيمية في مواجهة المذهب الأشعري أن جمع أقوال أئمة السلف في القرون الثلاثة ومن جاء بعدهم مما فيه مناقضة ظاهرة لمقررات المذهب الأشعري.

فقد جمع قدرا كبيرًا من أقوال أئمة السلف في إثبات الصفات الاختيارية والصفات الذاتية في عدد من كتبه، كدرء تعارض العقل والنقل وشرح الأصفهانية والحموية وغيرها، وبين أن ما عليه أتباع المذهب الأشعري يخالف تلك الأقوال.

فجعل أتباع المذهب الأشعري في مواجهة مباشرة مع أئمة السلف، وهذه المواجهة تعد ورطة منهجية ظاهرة الخطورة على المذهب الأشعري، فإنها تبطل شرعية المذهب وتكشف عن حجم الانحراف الواقع في مقرراته.

المسلك الثالث: تكثيف النقد التفصيلي، فلم يقتصر ابن تيمية على إظهار حجم مخالفة المذهب الأشعري لقواطع النصوص الشرعية والمستفيض من أقوال أئمة السلف، وإنما زاد مع ذلك بأن فام بالنقد التفصيلي لمقررات المذهب الأشعري في عقائده وأدلته، فقد تنبع أقوال الأشاعرة فولا قولا، ودليلا دليلا، وقام بنقدها بالتفصيل.

وهذا النقد جعل الواجبات العلمية على المذهب الأشعري في غاية الاتساع والإرهاق، فإنه يجب عليهم منهجيا أن يقدموا جوابا تفصيليا لكل ما أورده ابن تيمية على مذهبهم من اعتراضات، سواء على جملة العقائد أو على جملة الأدلة.

وهذا جهد علمي في غاية العناء والإرهاق، لأن كثيرا مما أورده ابن تيمية يصعب الجواب عليه أو يستحيل.

المسلك الرابع: توسيع المحاكمة العقلية، فلم يقتصر ابن تيمية على نقد المذهب الأشعري من جهة النقل فقط، وإنما توسع دائرة نقده فشملت الجانب العقلي، فقد تتبع الأدلة العقلية التي يعتمد عليها أتباع المذهب الأشعري وأدر عليها كما كبيرًا من الاعتراضات العقلية.

وأقام ابن تيمية محاكم عقلية لمنظومة المذهب الأشعري، ومحص أصول ما يعتمدون عليه من الأدلة وكشف قدرًا كبيرًا من الإشكالات المنهجية الواقعة فيها.

المسلك الخامس: استثمار النقد الداخلي، فلم يكتف ابن تيمية بالنقد الذي يقدمه من تلقاء نفسه للمذهب الأشعري، وإنما استثمر التقد الذي قام به عدد من علماء الأشاعرة أنفسهم لعدد من عقائدهم وأدلتهم، وحشد ذلك كله في كتبه.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعتراف عدد من علماء الأشاعرة بقدر من الإشكالات العميقة في عدد من الأصول العقدية، كما هو ظاهر عند الآمدي.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعترافات عدد من علماء الأشاعرة بالتراجع عن علم الكلام وأنه غير مفيد لمقاصد الشريعة.

المسلك السادس: استثمار التناقض الداخلي، فقد اعتمد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري على ما في مقرراته من تناقض وتعارض، وذكر جملة منها، وقد تتبع عددًا من الباحثين التناقضات التي ذكرها ابن تيمية وجمعوها في كتب مفردة.

ويعد ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تتبعوا تناقضات المذهب الأشعري في عدد من الأبواب العقدية، وجمع قدرا كييرا منها بما لا يكاد يوجد عند غيره من العلماء.

وهذا الجهد أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق علمي كبير، فإنه فتح عليهم أبواب التكاليف العلمية المرهقة التي لا يكاد يوجد منفذ للخلاص منها.

المسلك السابع: استثمار النقد الكلامي والفلسفي، كما استثمر ابن تيمية النقد الأشعري، فإنه استثمر في الوقت نفسه النقد الكلامي والفلسفي للمذهب الأشعري، فأورد عددًا من الاعتراضات التي قام بها المعتزلة أو الفلاسفة وغيرهم.

وهذا المسلك يجعل القذائف النقدية الموجهة إلى هيكل المذهب الأشعري متسعة غاية الاتساع. وفي هذا المسلك كان ابن تيمية في غاية الحذر، فإنه لم يستثمر إلا ما يراه صحيحًا أو مستقيمًا في مناهج الإلزام والجدل، بل حذر بوضوح من الاعتماد على الأوجة الباطلة في الرد على المذاهب المنحرفة.

المسلك الثامن: الاهتمام بإنشاء البديل، فكما اجتهد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري بعدد من المسالك والطرق، فإنه اجتهد أيضًا في إنشاء البديل وتشييد أركانه وإبراز معالمه، فقد توسع في ذكر تفاصيل العقائد التي دلت النصوص الشرعية عليها، وتفاصيل الأدلة الشرعية التي يجب الاعتماد عليها في الدين، سواءًا كانت أدلة نقلية أو عقلية.

فالقارئ للتراث التيمي في نقد المذهب الأشعري يجد فيه مادة بنائية كبيرة تغنيه بقدر كبير جدًا عن مقررات المذاهب الكلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #المذهب-الأشعري
اقرأ أيضا
هل أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور | مرابط
اقتباسات وقطوف

هل أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور


والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة: تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى قال الله تعالى : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا النساء: 69

بقلم: ابن القيم
656
الفصل بين الناس في النزاع | مرابط
اقتباسات وقطوف

الفصل بين الناس في النزاع


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يعرض فيه أهمية الوقوف على الكتاب والسنة وإلزام المخالف به ويضرب مثلا على ذلك في مناظرة الجهمية والمسلك الذي سلكه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في محنة خلق القرآن والخلاصة أن نقول كما قال شيخ الإسلام ائتونا بكتاب أو سنة حتى نجيبكم إلي ذلك وإلا فلسنا نجيبكم إلي ما لم يدل عليه الكتاب والسنة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1658
يوسف زيدان.. سارق لا يفقه ما يسرق! | مرابط
مناقشات

يوسف زيدان.. سارق لا يفقه ما يسرق!


نشر يوسف زيدان منذ سنة على إحدى القنوات الفضائية حلقة من أحد برامجه أثارت ضجة إذ زعم أن قصة أصحاب الفيل لا علاقة لها بمكة.. محاولا إيهام المشاهدين أن دعواه كشف من كشوفه الفريدة وما أكثرها!.. وقد تلبس هنا بالسرقة والكذب.. وقد رددت على دعواه في كتاب شبهات تاريخية حول القرآن الكريم الصادر حديثا.. وإليكم نصه

بقلم: د. سامي عامري
341
قاعدة الخمس ثواني ج1 | مرابط
ثقافة

قاعدة الخمس ثواني ج1


كتاب اليوم اسمه قاعدة الخمس ثوان the 5 second rule مؤلفة الكتاب هي ميل روبينز والكتاب تحدث عن تكنيك أو خدعة نفسية بسيطة تسميها المؤلفة قاعدة الخمس ثوان والمؤلفة ابتكرت هذه القاعدة أو التكنيك خلال مرحلة سيئة في حياتها حيث سقطت من قمة النجاح إلى قاع الفشل وباستخدام هذا التكنيك عادت الأمور إلى مسارها من جديد وحققت نجاحا أكبر من السابق

بقلم: علي محمد علي
419
بين مقام الشك ومقام اليقين | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين مقام الشك ومقام اليقين


ما أكثر ما نجد في الكتب الفكرية من يفخم شأن الشك وعدم الحسم ويقزم اليقين واليقينيات بل ويطالبون أن يتخلص الخطاب الديني من اليقين ولذلك تجدهم يكثرون من ترداد مقولة إلى المزيد من طرح الأسئلة فيفرحون بالأسئلة ولا يكترثون كثيرا بحسم الإجابات

بقلم: إبراهيم السكران
481
القرآن متضمن لأدوية القلب | مرابط
اقتباسات وقطوف

القرآن متضمن لأدوية القلب


جماع أمراض القلب هى أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هى عليه وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية

بقلم: ابن القيم
733