مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري

مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري | مرابط

الكاتب: د. سلطان العميري

247 مشاهدة

تم النشر منذ 7 أشهر

يعد ابن تيمية من أشهر العلماء الذين قاموا بنقد المذهب الأشعري، ومن أكثرهم توغلا في تتيع تفاصيله بالنقض والاعتراض. وقد سلك في نقده للمذهب الأشعري عددا من المسالك المنهجية، هي أشبه بالمداخل العلمية الكبرى التي يجب أن تحاكم إليها كل المذاهب العقدية.

ومن أصول تلك المسالك:

المسلك الأول: المحاكمة إلى قواطع النصوص الشرعية وظواهرها، فقد تتبع ابن تيمية النصوص الشرعية المتضمنة للعقائد المعارضة لمقررات المذهب الأشعري، وبين تنوعها في دلالتها وتراكيبها ومواردها، فأثيت من خلال ذلك أن النصوص الشرعية يستحيل أن تكون متفقة مع مقررات المذهب الأشعري.

وأثبت بذلك ضخامة الانحراف الذي وقع فيه علماء الأشاعرة، وضخامة التحريف الذي وفعوا فيه، وضخامة عدد النصوص الشرعية التي يتعارض مذهبهم معها، فمشكلة المذهب الأشعري ليست مع نص ولا نصين ولا عشرة ولا مائة نص، وإنما مشكلته مع مئات النصوص الشرعية.

فإنه بناء على مذهبهم يجب عليهم أن يؤولوا أو يفوضوا مئات النصوص في الكتاب والسنة، ويقدموا عنها جوابا. وهذا الكشف أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق شرعي ظاهر، وكشف لهم حجم التكاليف الشرعية التي يجب أن يقوموا بها.

المسلك الثاني: المحاكمة إلى المستفيض عن أثمة السلف، فإن من أعظم ما قام به ابن تيمية في مواجهة المذهب الأشعري أن جمع أقوال أئمة السلف في القرون الثلاثة ومن جاء بعدهم مما فيه مناقضة ظاهرة لمقررات المذهب الأشعري.

فقد جمع قدرا كبيرًا من أقوال أئمة السلف في إثبات الصفات الاختيارية والصفات الذاتية في عدد من كتبه، كدرء تعارض العقل والنقل وشرح الأصفهانية والحموية وغيرها، وبين أن ما عليه أتباع المذهب الأشعري يخالف تلك الأقوال.

فجعل أتباع المذهب الأشعري في مواجهة مباشرة مع أئمة السلف، وهذه المواجهة تعد ورطة منهجية ظاهرة الخطورة على المذهب الأشعري، فإنها تبطل شرعية المذهب وتكشف عن حجم الانحراف الواقع في مقرراته.

المسلك الثالث: تكثيف النقد التفصيلي، فلم يقتصر ابن تيمية على إظهار حجم مخالفة المذهب الأشعري لقواطع النصوص الشرعية والمستفيض من أقوال أئمة السلف، وإنما زاد مع ذلك بأن فام بالنقد التفصيلي لمقررات المذهب الأشعري في عقائده وأدلته، فقد تنبع أقوال الأشاعرة فولا قولا، ودليلا دليلا، وقام بنقدها بالتفصيل.

وهذا النقد جعل الواجبات العلمية على المذهب الأشعري في غاية الاتساع والإرهاق، فإنه يجب عليهم منهجيا أن يقدموا جوابا تفصيليا لكل ما أورده ابن تيمية على مذهبهم من اعتراضات، سواء على جملة العقائد أو على جملة الأدلة.

وهذا جهد علمي في غاية العناء والإرهاق، لأن كثيرا مما أورده ابن تيمية يصعب الجواب عليه أو يستحيل.

المسلك الرابع: توسيع المحاكمة العقلية، فلم يقتصر ابن تيمية على نقد المذهب الأشعري من جهة النقل فقط، وإنما توسع دائرة نقده فشملت الجانب العقلي، فقد تتبع الأدلة العقلية التي يعتمد عليها أتباع المذهب الأشعري وأدر عليها كما كبيرًا من الاعتراضات العقلية.

وأقام ابن تيمية محاكم عقلية لمنظومة المذهب الأشعري، ومحص أصول ما يعتمدون عليه من الأدلة وكشف قدرًا كبيرًا من الإشكالات المنهجية الواقعة فيها.

المسلك الخامس: استثمار النقد الداخلي، فلم يكتف ابن تيمية بالنقد الذي يقدمه من تلقاء نفسه للمذهب الأشعري، وإنما استثمر التقد الذي قام به عدد من علماء الأشاعرة أنفسهم لعدد من عقائدهم وأدلتهم، وحشد ذلك كله في كتبه.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعتراف عدد من علماء الأشاعرة بقدر من الإشكالات العميقة في عدد من الأصول العقدية، كما هو ظاهر عند الآمدي.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعترافات عدد من علماء الأشاعرة بالتراجع عن علم الكلام وأنه غير مفيد لمقاصد الشريعة.

المسلك السادس: استثمار التناقض الداخلي، فقد اعتمد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري على ما في مقرراته من تناقض وتعارض، وذكر جملة منها، وقد تتبع عددًا من الباحثين التناقضات التي ذكرها ابن تيمية وجمعوها في كتب مفردة.

ويعد ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تتبعوا تناقضات المذهب الأشعري في عدد من الأبواب العقدية، وجمع قدرا كييرا منها بما لا يكاد يوجد عند غيره من العلماء.

وهذا الجهد أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق علمي كبير، فإنه فتح عليهم أبواب التكاليف العلمية المرهقة التي لا يكاد يوجد منفذ للخلاص منها.

المسلك السابع: استثمار النقد الكلامي والفلسفي، كما استثمر ابن تيمية النقد الأشعري، فإنه استثمر في الوقت نفسه النقد الكلامي والفلسفي للمذهب الأشعري، فأورد عددًا من الاعتراضات التي قام بها المعتزلة أو الفلاسفة وغيرهم.

وهذا المسلك يجعل القذائف النقدية الموجهة إلى هيكل المذهب الأشعري متسعة غاية الاتساع. وفي هذا المسلك كان ابن تيمية في غاية الحذر، فإنه لم يستثمر إلا ما يراه صحيحًا أو مستقيمًا في مناهج الإلزام والجدل، بل حذر بوضوح من الاعتماد على الأوجة الباطلة في الرد على المذاهب المنحرفة.

المسلك الثامن: الاهتمام بإنشاء البديل، فكما اجتهد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري بعدد من المسالك والطرق، فإنه اجتهد أيضًا في إنشاء البديل وتشييد أركانه وإبراز معالمه، فقد توسع في ذكر تفاصيل العقائد التي دلت النصوص الشرعية عليها، وتفاصيل الأدلة الشرعية التي يجب الاعتماد عليها في الدين، سواءًا كانت أدلة نقلية أو عقلية.

فالقارئ للتراث التيمي في نقد المذهب الأشعري يجد فيه مادة بنائية كبيرة تغنيه بقدر كبير جدًا عن مقررات المذاهب الكلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #المذهب-الأشعري
اقرأ أيضا
رسالة المصلح | مرابط
اقتباسات وقطوف

رسالة المصلح


إن المصلح الصادق لا تغره أرقام المتابعين ولا أعداد المشاهدين ولا كثرة المنتسبين لبرامجه إذ إن نجاحه الحقيقي هو في تحقيق عبوديته لله تعالى بالقيام بدينه وتبليغ العلم النافع والإصلاح ما استطاع ثم إن بارك الله له فيما قدم فانتفع به الناس فهو يدرك أن هذا الفتح والبركة إنما هي من الله سبحانه وتعالى فيحمده ويشكره ويفرح بنعمة الله عليه وعاجل بشراه له.

بقلم: أحمد يوسف السيد
141
لا يقبله العقل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

لا يقبله العقل


تعد معارضة نصوص الوحي بالعقل واحدة من أعظم أبواب الانحراف وأحد مسببات الضلال الكبرى فإذا ما أورد نص شرعي على بعض الناس ولم يستوعبه عقله بادر قائلا: هذا الكلام لا يقبله العقل قاصدا رد دلالة ذلك النص والطعن فيه وفي المقال رد على هذه الشبهة وتفصيل لأصلها بأسلوب علمي دقيق

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
1635
وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار | مرابط
تاريخ تفريغات المرأة

وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار


حظر اللباس الموريسكي الموريسكيون هم المسلمين الذين دخلوا في المسيحية حظر اللباس الموريسكي على الرجال والنساء وإلزام النساء بالإضافة إلى ذلك بكشف الوجه -لأنهن كن قد غطين الوجوه- في الزفاف وفي كل أنواع الاحتفالات تمنع رقصة السمرة وإقامة الليالي أي: تقوم الليالي بمصاحبة الآلات الغنائية ويجب أن تضل أبواب البيوت مفتوحة وتمنع النساء من التخضيب بالحناء ويحظر استعمال الأسماء والألقاب الإسلامية

بقلم: عبد العزيز الطريفي
133
مقام الصبر ومقام الشكر | مرابط
مقالات

مقام الصبر ومقام الشكر


مما يخدعك به نفسك والشيطان أنهما يشعرانك أنك في مقام ابتلاء.. واختبار الصبر لمجرد ما تمر به من بعض الضيق أو المرض أو الخوف أو غير ذلك وينسيانك ما أنت فيه من نعمة الله. فبينما أنت تظن أنك في مقام الصبر والضراء وحدهما.. لكن في الواقع أنت كذلك في مقام الشكر والحمد والرضا والفرح وكذلك في حياتك ما يتطلب الصبر

بقلم: حسين عبد الرازق
94
موت الأمم وحياتها | مرابط
فكر مقالات

موت الأمم وحياتها


طالما قال القائلون عن أمتنا: إنها ماتت وطالما فرح الشامتون بموتها وطالما نعاها نعاة الاستعمار على مسمع منا وأعلنوا البشائر بموتها في عيدهم المئوي فعدوه تشييعا لجنازة الإسلام الذي هو مساك حياة هذه الأمة في هذا الوطن فقالوا: ماتت لا رحمها الله وصدقهم ضعفاء الإيمان منا فقالوا: ماتت رحمها الله وقلنا نحن: إنها مريضة مشفية ولكن يرجى لها الشفاء إن حضر الطبيب وأحسن استعمال الدواء فحقق الله قولنا وخيب أقوال المبطلين وكذب فألهم فحضر الطبيب في حين الحاجة إليه وأذن بالإصلاح في آذان المريض فانتفض انتفاض...

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
1271
المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ج2


يقولون: إن المرأة تتحجب لتخفي عيوبها عن زوجها الذي يريدها فهؤلاء أقوام رأوا في أوروبا الحضارة والمدنية والرقي فظنوا أن المرأة كانت مستعبدة لا تملك من أمرها شيئا فجاءت الحضارة والمدنية الحديثة وأعطت للمرأة شيئا من حقها ولكنهم لم يقفوا عند مرحلة الاعتدال فظنوا أن من الحرية أن تختلط المرأة بالرجل والرجل بالمرأة ومن العدالة أن تتمرد المرأة على تعاليم السماء ومن المساواة أن تعمل المرأة عمل الرجل والرجل عمل المرأة فكانوا بين إفراط وتفريط

بقلم: عمر الأشقر
434