مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري

مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري | مرابط

الكاتب: د. سلطان العميري

668 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعد ابن تيمية من أشهر العلماء الذين قاموا بنقد المذهب الأشعري، ومن أكثرهم توغلا في تتيع تفاصيله بالنقض والاعتراض. وقد سلك في نقده للمذهب الأشعري عددا من المسالك المنهجية، هي أشبه بالمداخل العلمية الكبرى التي يجب أن تحاكم إليها كل المذاهب العقدية.

ومن أصول تلك المسالك:

المسلك الأول: المحاكمة إلى قواطع النصوص الشرعية وظواهرها، فقد تتبع ابن تيمية النصوص الشرعية المتضمنة للعقائد المعارضة لمقررات المذهب الأشعري، وبين تنوعها في دلالتها وتراكيبها ومواردها، فأثيت من خلال ذلك أن النصوص الشرعية يستحيل أن تكون متفقة مع مقررات المذهب الأشعري.

وأثبت بذلك ضخامة الانحراف الذي وقع فيه علماء الأشاعرة، وضخامة التحريف الذي وفعوا فيه، وضخامة عدد النصوص الشرعية التي يتعارض مذهبهم معها، فمشكلة المذهب الأشعري ليست مع نص ولا نصين ولا عشرة ولا مائة نص، وإنما مشكلته مع مئات النصوص الشرعية.

فإنه بناء على مذهبهم يجب عليهم أن يؤولوا أو يفوضوا مئات النصوص في الكتاب والسنة، ويقدموا عنها جوابا. وهذا الكشف أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق شرعي ظاهر، وكشف لهم حجم التكاليف الشرعية التي يجب أن يقوموا بها.

المسلك الثاني: المحاكمة إلى المستفيض عن أثمة السلف، فإن من أعظم ما قام به ابن تيمية في مواجهة المذهب الأشعري أن جمع أقوال أئمة السلف في القرون الثلاثة ومن جاء بعدهم مما فيه مناقضة ظاهرة لمقررات المذهب الأشعري.

فقد جمع قدرا كبيرًا من أقوال أئمة السلف في إثبات الصفات الاختيارية والصفات الذاتية في عدد من كتبه، كدرء تعارض العقل والنقل وشرح الأصفهانية والحموية وغيرها، وبين أن ما عليه أتباع المذهب الأشعري يخالف تلك الأقوال.

فجعل أتباع المذهب الأشعري في مواجهة مباشرة مع أئمة السلف، وهذه المواجهة تعد ورطة منهجية ظاهرة الخطورة على المذهب الأشعري، فإنها تبطل شرعية المذهب وتكشف عن حجم الانحراف الواقع في مقرراته.

المسلك الثالث: تكثيف النقد التفصيلي، فلم يقتصر ابن تيمية على إظهار حجم مخالفة المذهب الأشعري لقواطع النصوص الشرعية والمستفيض من أقوال أئمة السلف، وإنما زاد مع ذلك بأن فام بالنقد التفصيلي لمقررات المذهب الأشعري في عقائده وأدلته، فقد تنبع أقوال الأشاعرة فولا قولا، ودليلا دليلا، وقام بنقدها بالتفصيل.

وهذا النقد جعل الواجبات العلمية على المذهب الأشعري في غاية الاتساع والإرهاق، فإنه يجب عليهم منهجيا أن يقدموا جوابا تفصيليا لكل ما أورده ابن تيمية على مذهبهم من اعتراضات، سواء على جملة العقائد أو على جملة الأدلة.

وهذا جهد علمي في غاية العناء والإرهاق، لأن كثيرا مما أورده ابن تيمية يصعب الجواب عليه أو يستحيل.

المسلك الرابع: توسيع المحاكمة العقلية، فلم يقتصر ابن تيمية على نقد المذهب الأشعري من جهة النقل فقط، وإنما توسع دائرة نقده فشملت الجانب العقلي، فقد تتبع الأدلة العقلية التي يعتمد عليها أتباع المذهب الأشعري وأدر عليها كما كبيرًا من الاعتراضات العقلية.

وأقام ابن تيمية محاكم عقلية لمنظومة المذهب الأشعري، ومحص أصول ما يعتمدون عليه من الأدلة وكشف قدرًا كبيرًا من الإشكالات المنهجية الواقعة فيها.

المسلك الخامس: استثمار النقد الداخلي، فلم يكتف ابن تيمية بالنقد الذي يقدمه من تلقاء نفسه للمذهب الأشعري، وإنما استثمر التقد الذي قام به عدد من علماء الأشاعرة أنفسهم لعدد من عقائدهم وأدلتهم، وحشد ذلك كله في كتبه.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعتراف عدد من علماء الأشاعرة بقدر من الإشكالات العميقة في عدد من الأصول العقدية، كما هو ظاهر عند الآمدي.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعترافات عدد من علماء الأشاعرة بالتراجع عن علم الكلام وأنه غير مفيد لمقاصد الشريعة.

المسلك السادس: استثمار التناقض الداخلي، فقد اعتمد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري على ما في مقرراته من تناقض وتعارض، وذكر جملة منها، وقد تتبع عددًا من الباحثين التناقضات التي ذكرها ابن تيمية وجمعوها في كتب مفردة.

ويعد ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تتبعوا تناقضات المذهب الأشعري في عدد من الأبواب العقدية، وجمع قدرا كييرا منها بما لا يكاد يوجد عند غيره من العلماء.

وهذا الجهد أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق علمي كبير، فإنه فتح عليهم أبواب التكاليف العلمية المرهقة التي لا يكاد يوجد منفذ للخلاص منها.

المسلك السابع: استثمار النقد الكلامي والفلسفي، كما استثمر ابن تيمية النقد الأشعري، فإنه استثمر في الوقت نفسه النقد الكلامي والفلسفي للمذهب الأشعري، فأورد عددًا من الاعتراضات التي قام بها المعتزلة أو الفلاسفة وغيرهم.

وهذا المسلك يجعل القذائف النقدية الموجهة إلى هيكل المذهب الأشعري متسعة غاية الاتساع. وفي هذا المسلك كان ابن تيمية في غاية الحذر، فإنه لم يستثمر إلا ما يراه صحيحًا أو مستقيمًا في مناهج الإلزام والجدل، بل حذر بوضوح من الاعتماد على الأوجة الباطلة في الرد على المذاهب المنحرفة.

المسلك الثامن: الاهتمام بإنشاء البديل، فكما اجتهد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري بعدد من المسالك والطرق، فإنه اجتهد أيضًا في إنشاء البديل وتشييد أركانه وإبراز معالمه، فقد توسع في ذكر تفاصيل العقائد التي دلت النصوص الشرعية عليها، وتفاصيل الأدلة الشرعية التي يجب الاعتماد عليها في الدين، سواءًا كانت أدلة نقلية أو عقلية.

فالقارئ للتراث التيمي في نقد المذهب الأشعري يجد فيه مادة بنائية كبيرة تغنيه بقدر كبير جدًا عن مقررات المذاهب الكلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #المذهب-الأشعري
اقرأ أيضا
قضية اللغة العربية الجزء الثالث | مرابط
فكر مقالات لسانيات

قضية اللغة العربية الجزء الثالث


قبل كل شيء ينبغي أن نعلم أن حياة هذا العالم العربي الإسلامي كانت تسير على نمط مألوف معروف لا يكاد يستنكره أحد: في العقيدة العامة التي تسود الناس وفي الدراسة في جميع معاهد العلم العريقة وفي التأليف والكتابة وفي حياة الناس التي تعيش بها عامتهم وخاصتهم من تجارة وصناعة كل ذلك كان نمطا مألوفا متوارثا فجاء هؤلاء الخمسة ليحدثوا يومئذ ما لم يكن مألوفا وشقوا طريقا غير طريق الإلف وبيان ذلك يحتاج إلى تفصيل ولكني سأشير إليه في خلال ذكرهم إشارة تعين على تصور موضع الخلاف

بقلم: محمود شاكر
2262
رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية | مرابط
النسوية

رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية


هذه الرائدة النسوية المتمردة والتي كانت تدعو نساء العالم للتمرد على الرجل كانت تكتب لحبيبها الأمريكي نيلسون ألغرين -في لحظة شفقة وتية وعشق هائم بعد أن هجرها عشيقها الأول جان بول سارتر لبعض الوقت وذهب لمن هي أصغر سنا- وتقول له: سأكون مطيعة لك مثل زوجة عربية.

بقلم: د. عائض الدوسري
352
العمارة في الحضارة الإسلامية ج1 | مرابط
تاريخ

العمارة في الحضارة الإسلامية ج1


أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها وحث عليه لحماية الإنسان من حر الشمس وبرد الشتاء وأمطاره وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته ولذلك وضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى الكثير من الآداب وشهدت بلادنا الإسلامية ازدهار العمران والبناء الذي تميز بطابع إسلامي خالص وفي هذه المقالات سيقف بنا الكاتب على ملامح العمران في كل العصور الإسلامية

بقلم: موقع قصة الإسلام
1715
سأستعمر مصر | مرابط
اقتباسات وقطوف

سأستعمر مصر


سأستعمر مصر كانت هذه هي العبارة التي نزلت كالصاعقة على الجميع عندما تحدث بها نابليون بونابرت وكأنها تكشف نواياه الحقيقية وأطماعه الداخلية في مصر ولكنه يحاول أن يزينها ويحيطها ببعض الحرص على التطوير والتنمية وهذا مقتطف رائع للشيخ محمد جلال كشك من كتاب ودخلت الخيل الأزهر

بقلم: محمد جلال كشك
2394
موقف الإسلام من الانفعالات: نموذج الغضب | مرابط
تفريغات

موقف الإسلام من الانفعالات: نموذج الغضب


نأتي إلى مثال واضح جدا يبين لنا موقف الإسلام من بعض الانفعالات وهو أحد الانفعالات التي تكون في النفس البشرية ألا وهو انفعال الغضب لنبين من خلال هذا الشعور والانفعال الذي يحدث في النفس ما موقف الإسلام من هذه الانفعالات وكيف يندفع المسلم لضبط انفعاله بضابط الشرع.

بقلم: محمد صالح المنجد
567
شبهات حول الحجاب: الحجاب تزمت بغيض | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب تزمت بغيض


يقول بعض المعترضين: الحجاب تزمت وتعصب وتكلف في اللباس وتضييق على النفس وإمعان في السير في مضايق الحرج والإعنات هكذا لسان من يعادون الحجاب وينصبون له لواء البغض فهل لكلامهم رصيد من صواب وهل يستحق شيئا من الاعتداد بين يديكم الإجابة على هذه الفرية

بقلم: سامي عامري
1071