منهج عبادة

منهج عبادة | مرابط

الكاتب: محمد قطب

2160 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

من أبرز سمات المنهج الإِسلامي أنه منهج عبادة، ولكن العبادة في هذا المنهج ليست مقصورة على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة.. وإنما هي معنى أعمق من ذلك جدًا.. إنها الصلة الدائمة بالله.

 

هذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية كله، تتفرع منه جميع التفريعات وتعود في النهاية إليه.

 

والصلاة والصيام والزكاة والحج، وسائر الشعائر التعبدية، إن هي إلا مفاتيح؛ مجرد مفاتيح للعبادة، أو ”محطات” يقف عندها السائرون في الطريق يتزودون بالزاد، ولكن الطريق كله عبادة، وكل ما يقع فيه من نسك أو عمل، أو فكر أو شعور، فهو كذلك عبادة.. ما دامت وجهته إلى الله.

 

والعبادة بهذا المعنى تشمل الحياة.

 

إنها لا تقتصر على اللحظات القصيرة التي تشغلها مناسك التعبد، وما كان هذا هو القصد من الآية الكريمة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وإلا فما قيمة لحظات عابرة في صفحة الكون، لا تكاد تترك لها أثرًا وتضيع في الفضاء؟

 

إنما قيمتها أن تكون منهج حياة يشمل كل الحياة، قيمتها أن تكون خطة سلوك وخطة عمل وخطة فكر وخطة شعور، قائمة كلها على منهج واضح، يتبين فيه – كل لحظة – ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون.

 

ومرد الأمور كلها في ذلك هو الله، هو المرجع الذي يرجع إليه في كل أمر، ودستوره هو الدستور الذي يستشار في كل لحظة، يستشار في داخل القلب وفي وعي العقل وفي واقع السلوك.

 

وهذه هي العبادة في مفهوم الإِسلام.
ليس معناها أن يتزهد الإِنسان ويتنسك ويترهبن.
وليس معناها أن تستولي التقوى على قلبه في السجود والركوع، فإذا ختم صلاته هبت في داخل نفسه نوازع الطمع والجشع والعدوان، أو تخاذل عن القيام بالأمانة، أو ضعف عن نصرة الحق، أو تواكل عن العمل المنتج في عالم الحس.

 

كلا ! فما هو إذن موصول القلب بالله؟ إنه ”متسكع” في ”محطة العبادة” لكنه لا يسير في الطريق.

 

والعبادة هي السير في الطريق، مع التزود بين الحين والحين؛ السير في الطريق والقلب يحمل الشحنة الحية الواصلة، التي تدفع للعمل. تدفع دائمًا إلى الأمام.

 

والإِسلام صريح في اعتبار العمل هو العبادة، ما دام القلب يتجه فيه إلى الله: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

 

هذا هو منهج العبادة الذي يرسمه الإِسلام ويقيم عليه أسسه التربوية، ويشترط فيه الصدق مع الله، والتقوى لله، أي الصلة الدائمة بالله

 


 

المصدر:

  1. محمد قطب، هل نحن مسلمون
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
نحن المسلمين | مرابط
فكر مقالات

نحن المسلمين


لا نهن ولا نحزن ومعنا الله ونحن نسمع كل يوم ثلاثين مرة هذا النداء العلوي المقدس هذا النشيد القوي: الله أكبر البطولة سجية فينا وحب التضيحة يجري في عروقنا لا تنال من ذلك صروف الدهر ولا تمحوه من نفوسنا أحداث الزمان لنا الجزيرة التي يشوى على رمالها كل طاغ يطأ ثراها ويعيش أهلها من جحيمها في جنات

بقلم: علي الطنطاوي
1527
معرفة حق الله على العبد | مرابط
اقتباسات وقطوف

معرفة حق الله على العبد


وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك ينظرون فى حقهم على الله ولا ينظرون فى حق الله عليهم. ومن هاهنا انقطعوا عن الله وحجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه. فمحاسبة النفس هو نظر العبد فى حق الله عليه أولا ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيا؟ وأفضل الفكر الفكر فى ذلك فإنه يسير القلب إلى الله ويطرحه بين يديه ذليلا خاضعا منكسرا كسرا فيه جبره ومفتقرا فقرا فيه غناه. وذليلا ذلا فيه عزه ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل فإذا فاته هذا فالذي....

بقلم: ابن القيم
353
عن القوامة والنشوز وضوابط تعامل الزوج معه | مرابط
المرأة

عن القوامة والنشوز وضوابط تعامل الزوج معه


الله جل وعلا قد خلق كل جنس ونوع على وفق مقتضى حكمته البالغة ثم هداه لوظيفته التي تلائم ذلك الخلق ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ومن ذلك أن الله جل وعلا خلق الرجل أقوى جسدا وأجسر قلبا وأشد تحملا للمشاق وأحسن تدبيرا وثباتا في مخاطر الحياة وأعظم تغليبا للعقل على المشاعر والانفعالات وهذا كله يؤهله لوظيفة القوامة والحفظ والحماية والرعاية والكسب.

بقلم: كريم حلمي
448
استشرفها الشيطان | مرابط
المرأة

استشرفها الشيطان


ربط المؤلف -مؤلف كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة- بين عورة المرأة -كما فهمها هو- واستشراف الشيطان وجعل الاستشراف مبنيا على كشف المرأة لعورتها أو التقصير في سترها في حين أن الحديث صريح في أن الاستشراف مربوط بخروج المرأة من غير التعرض لقضية التبرج والتقصير في ستر العورة وهذا ما فهمه العلماء من الحديث.

بقلم: د. عادل بن حسن الحمد
510
من براهين النبوة | مرابط
تعزيز اليقين

من براهين النبوة


وكان من حكمة الله سبحانه ورحمته أن أيد أنبياءه ورسله بالآيات والبراهين وعزز دعوتهم بالحجج والدلائل التي من شأنها أن تزيح عن الفطر حجب الشبهات وتنفي عن القلوب خبث الشهوات وتستنقذ العقول من الظلمات بإذن الله وذلك أولا بما جعل في مخلوقاته من الدلالة على خالقها وشهادتها بربوبيته وألوهيته وكماله وحكمته وفي ذلك برهان الأنبياء على ما يدعون إليه من التوحيد والإيمان بالبعث ثم بما خص به أنبياءه من الآيات القولية والحسية الدالة على صدق نبوتهم

بقلم: سعود العريفي
484
أصل الأخلاق المذمومة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أصل الأخلاق المذمومة


أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والمهانة والدناءة وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة فالفخر والبطر والأشر والعجب والحسد والبغي والخيلاء والظلم والقسوة والتجبر والإعراض وإباء قبول النصيحة والاستئثار وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يحمد بما لم يفعل وأمثال ذلك كلها ناشئة من الكبر

بقلم: ابن القيم
543