منهج عبادة

منهج عبادة | مرابط

الكاتب: محمد قطب

2091 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

من أبرز سمات المنهج الإِسلامي أنه منهج عبادة، ولكن العبادة في هذا المنهج ليست مقصورة على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة.. وإنما هي معنى أعمق من ذلك جدًا.. إنها الصلة الدائمة بالله.

 

هذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية كله، تتفرع منه جميع التفريعات وتعود في النهاية إليه.

 

والصلاة والصيام والزكاة والحج، وسائر الشعائر التعبدية، إن هي إلا مفاتيح؛ مجرد مفاتيح للعبادة، أو ”محطات” يقف عندها السائرون في الطريق يتزودون بالزاد، ولكن الطريق كله عبادة، وكل ما يقع فيه من نسك أو عمل، أو فكر أو شعور، فهو كذلك عبادة.. ما دامت وجهته إلى الله.

 

والعبادة بهذا المعنى تشمل الحياة.

 

إنها لا تقتصر على اللحظات القصيرة التي تشغلها مناسك التعبد، وما كان هذا هو القصد من الآية الكريمة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وإلا فما قيمة لحظات عابرة في صفحة الكون، لا تكاد تترك لها أثرًا وتضيع في الفضاء؟

 

إنما قيمتها أن تكون منهج حياة يشمل كل الحياة، قيمتها أن تكون خطة سلوك وخطة عمل وخطة فكر وخطة شعور، قائمة كلها على منهج واضح، يتبين فيه – كل لحظة – ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون.

 

ومرد الأمور كلها في ذلك هو الله، هو المرجع الذي يرجع إليه في كل أمر، ودستوره هو الدستور الذي يستشار في كل لحظة، يستشار في داخل القلب وفي وعي العقل وفي واقع السلوك.

 

وهذه هي العبادة في مفهوم الإِسلام.
ليس معناها أن يتزهد الإِنسان ويتنسك ويترهبن.
وليس معناها أن تستولي التقوى على قلبه في السجود والركوع، فإذا ختم صلاته هبت في داخل نفسه نوازع الطمع والجشع والعدوان، أو تخاذل عن القيام بالأمانة، أو ضعف عن نصرة الحق، أو تواكل عن العمل المنتج في عالم الحس.

 

كلا ! فما هو إذن موصول القلب بالله؟ إنه ”متسكع” في ”محطة العبادة” لكنه لا يسير في الطريق.

 

والعبادة هي السير في الطريق، مع التزود بين الحين والحين؛ السير في الطريق والقلب يحمل الشحنة الحية الواصلة، التي تدفع للعمل. تدفع دائمًا إلى الأمام.

 

والإِسلام صريح في اعتبار العمل هو العبادة، ما دام القلب يتجه فيه إلى الله: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

 

هذا هو منهج العبادة الذي يرسمه الإِسلام ويقيم عليه أسسه التربوية، ويشترط فيه الصدق مع الله، والتقوى لله، أي الصلة الدائمة بالله

 


 

المصدر:

  1. محمد قطب، هل نحن مسلمون
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج3 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج3


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1443
أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام | مرابط
فكر مقالات

أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام


جاء الإسلام أول ما جاء بإصلاح الأسرة وبنائها على الحب والبر والطاعة: الحب المتبادل بين أفراد الأسرة والبر من الأبناء للآباء والطاعة في المعروف من الزوجة للزوج وحاط ذلك كله بأحكام واجبة وتربية تكفل تلك الأحكام وتجعل تنفيذها صادرا من نفس الإنسان والرقابة عليها من ضميره فلا تحتاج إلى وازع خارجي وجعل تقوى الله والخوف منه حارسين على النفس والضمير فكلما هم الإنسان بالزيغ تنبهاه إلى لزوم الجادة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
905
تغير الفطرة من موانع فهم الشريعة | مرابط
اقتباسات وقطوف

تغير الفطرة من موانع فهم الشريعة


وإذا تغيرت الفطرة التي طبع عليها الإنسان فلن يفهم الأوامر الشرعية التي أمره الله بها حتى تعدل الفطرة عن انتكاستها لتستوعب كالإناء المقلوب لا بد من تعديله حتى يستوعب ما يوضع فيه لهذا شدد الله في أمر الفطرة وحذر من تغييرها لأنها تؤثر على استيعاب أوامره ونواهيه

بقلم: عبد العزيز الطريفي
606
حكم الأنام إذا عمهم الحرام | مرابط
اقتباسات وقطوف

حكم الأنام إذا عمهم الحرام


مقتطف هام لإمام الحرمين أبو المعالي الجويني من كتاب غياث الأمم في التياث الظلم يتحدث فيه عن حكم الأنام إذا عمهم الحرام هل يؤول الأمر إلى المساواة بينهم وبين حكم المضطر في تعاطي الميتة وما مآلات هذا القول إذا طبق بشكل عملي في الواقع

بقلم: أبو المعالي الجويني
1970
أسباب سقوط الأندلس الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر

أسباب سقوط الأندلس الجزء الثاني


في هذا المقال نعود إلى تاريخ الأندلس لنقف على أهم الأسباب التي أدت إلى سقوطها في النهاية ولنعتبر بكل ما جرى في تلك المرحلة التاريخية الهامة ونستخلص عوامل الانهيار والانحدار التي أوصلت المسلمين إلى فقد هذه الحضارة الزاهية فالمستقبل لا يبنيه إلا من علم أخطاء الماضي وتحاشاها وتجنبها قدر طاقته واستطاعته وإدراك أسباب سقوط الأندلس يعيننا على فهم السنن الكونية وفهم عوامل الصعود وعوامل السقوط

بقلم: علي محمد الصلابي
2385
الدليل العقلي عند السلف ج2 | مرابط
أبحاث

الدليل العقلي عند السلف ج2


والحق أنهم -أي السلف- أيقنوا بغناء الدلائل الشرعية بالبراهين العقلية الفطرية وكفايتها عن الابتداع في دين الله وهذا جوهر الخلاف بينهم وبين مخالفيهم فإن المخالفين لما اعتقدوا أن الدلائل النقلية تعرى عن البراهين العقلية قادهم ذلك إلى ابتداع دلائل على مسائل الدين بل جمعوا بين الابتداع في الدلائل والإحداث في المسائل. ولو أنهم علموا أن دلائل القرآن العقلية لها صفة الثبات والاستمرارية إلى يوم الدين بحيث لا يفتقر في الاستدلال على أصول الدين إلى غيرها لما وقعوا في هذه المشاقة.

بقلم: عيسى بن محسن النعمي
313