يقول الجبرتي في حوادث شهر ذي الحجة الحرام 1215 هـ (1800 م): ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء؛ وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم، كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة، ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقًا عنيفًا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة، فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش، فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن.
وكان ذلك التداخل أولًا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه، فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها، وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم، فزينوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية، وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر. ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات في جور الفرنسيس ومن والاهم، وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهن لهن وموافقة مرادهم وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بتاسومتها، فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن؛ لميل النفوس إلى الشهوات وخصوصًا عقول القاصرات.
وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم، فيظهر حالة العقد الإسلام وينطق بالشهادتين؛ لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها، وصار مع حكام الأخطاط منهم النساء المسلمات متزييات بزيهم ومشوا معهم في الأخطاط للنظر في أمور الرعية والأحكام العادية والأمر والنهي والمناداة، وتمشي المرأة بنفسها أو معها بعض أترابها وأضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل ما يمر الحاكم ويأمرن وينهين في الأحكام.
ومنها أنه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء إلى الخليج وجرت فيه السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب، وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون، ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المجاديف بسخيف موضوعاتهم وكنائف مطبوعاتهم، وخصوصًا إذا دبت الحشيشة في رؤوسهم، وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم، وتقليد كلامهم شيء كثير.
وأما الجواري السود فإنهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفواجًا، فرادى وأزواجًا، فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك
المصدر:
الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج3، ص269