نحن مثلكم ننتقد الدين

نحن مثلكم ننتقد الدين | مرابط

الكاتب: الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس

746 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

في عالمنا الإسلامي -العربي منه وغير العربي- مخلوقات غريبة تريد أن تجمع بين المتناقضات، ولا تريد مع ذلك أن يعترض على تناقضها معترض، يريدون أن يقولوا لإخوانهم الذين كفروا من أهل الغرب: إنما نحن مثلكم ننتقد الدين كما تنتقدون، ولا نلتزم به كما أنكم لا تلتزمون، ولا نترك فرصة للسخرية منه ومن المستمسكين به إلا اهتبلناها كما تهتبلون، ونرى كما ترون أنه من حق الأديب والفنان أن ينتقد قيم المجتمع، ومعتقداته، ويدعو إلى نبذها؛ لأنه لا يكون أديبا، أو فنانا مبدعا إلا إذا فعل كل هذا بحرية كاملة كما تفعلون.

لكن الفرق بين مخلوقاتنا الغريبة الممسوخة المقلدة هذه، وبين من هم أسوة لهم من إخوانهم الذين كفروا في الغرب، أن أولئك إذا قيل للواحد منهم: إنك كافر بالمسيحية، أو اليهودية اعترف بهذا، وعده من تحصيل الحاصل، لكن مخلوقنا الممسوخ يرتجف، ويولول، ويطلب النجدة إذا قيل عن كلام كتبه هو، أو أحد من شاكلته: إنه كفر وخرج عن دين الإسلام، إنه يريد أن يكون كافرا حقا، لكنه يرتعد حين يوصف بالكفر المعبر عن تلك الحقيقة، يريد أن يكون كافرا، لكنه يريد أن يعيش في أمن، وأن يكون ذا سمعة حسنة في المجتمع الذي يتنكر لأحسن ما فيه من معتقدات وقيم، ويريد -شأن كل منافق- أن يتخذ من انتمائه للإسلام حصنا لهدمه، وهيهات.

 

وهو حين يواجه هذا الخطر على نفسه، وعلى سمعته يتحول إلى واعظ يذكر من رموه بتهمة الكفر بقول الله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل : 125]، وهي الآية التي لا يكاد الواحد منهم يحفظ من كتاب الله تعالى غيرها، يحفظها ليحتمي بها بعد أن يحرف معناها، ويؤولها على غير تأويلها، نعم نحن مأمورون بأن ندعو بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن الذي نحن مأمورون بالدعوة إليه هو سبيل ربنا، وهو أمر واضح المعالـم، بين الحدود، فنحن لا نفهم من الدعوة بالحكمة، وبالتي هي أحسن أن نميع حقائق هذا الدين، أو أن نطمس معالمه، أو نزيل الحدود التي تميزه عن غيره، فيكون شيئا هلاميا، لا يعرف أوله من آخره، ولا يعثر فيه على ما يميزه عن غيره، فلا يمكن لذلك أن يحكم على إنسان بأنه داخل فيه، أو خارج عنه.

وما هكذا يكون الدين المنزل من عند الله، بل ما هكذا يكون أي مذهب، حقا كان أم باطلا، لا بد لكل مذهب من معالم تحدد هويته، وتميزه عن غيره، حتى يقال عن إنسان: إنه منتم إليه، أو ليس بمنتم، وأنه مؤمن به، أو كافر به، إن المذهب الذي ليس فيه ما يميزه عن غيره ليس بمذهب، والإسلام دين منزل من عند الله، مرتكز على مجموعة من الحقائق، من آمن بها كان مسلما، ومن أنكرها، أو سخر منها، أو استهزأ بها كان كافرا، فإمكانية الحكم على إنسان بالكفر أمر لازم لهوية الدين، فالدين الذي لا إكفار فيه ليس بدين؛ لأنه لا هوية له، إذا لم تكن للدين هوية، ولم تكن له معالم، فإلى أي شيء تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؟ والآية الكريمة التي يستدل بها هؤلاء الممسوخون تبطل دعواهم، وتدل على تحريفهم، وذلك أنها تبدأ كما قلنا بقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} [النحل: 125].

وسبيل الله هو مجموعة الحقائق والقيم المبينة في كتابه، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنها دعوة إلى توحيد الله تعالى، وعدم الإشراك به، دعوة إلى حبه وتقديره حق قدره، دعوة إلى الإيمان برسوله، وتعزيره وتوقيره، دعوة إلى الإيمان بأن ما قرره الإسلام حق لا ريب فيه، وما أمر به فعدل لا ظلم فيه: {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا} [الأنعام: 115]، فكل قول أو فعل يتناقض مع هذا فهو كفر، وكل قائل به، وعامل به على بصيرة فهو كافر خارج عن ملة الإسلام، روائيا كان أو ممثلا، أو فنانا، ناطقا بالشهادتين أو غير ناطق.

 

لكن المخلوقات الممسوخة تريد أن تتستر بكفرها وراء الأدب والفن، فتزعم تارة أننا لم نفهم ما قيل على أنه عمل أدبي فني، هكذا قال المدافعون عن سلمان رشدي في آياته الشيطانية في البلاد الغربية، وهكذا يقول المدافعون عن حيدر حيدر في وليمته لأعشاب البحر، وإن المرء ليعجب إذا كان جماهير الناس، بل خاصتهم لا يفهمون القصص والروايات، فيا ليت شعري ماذا يفهمون؟ ثم هل يعقل أن يكتب كاتب قصة لا تفهمها الجماهير؟ إذن من الذي سيشتريها، ومن ذا الذي يقرؤها؟

وتزعم أخرى أن الفنان لا يحاكم بالمعايير نفسها التي يحاكم بها سائر عباد الله، أي: إنه من حقه -وليس من حق السياسي مثلا- أن يظهر الكفر، ويدعو إلى التهتك ما دام يعرض علينا كفره وتهتكه في صورة أدبية أو فنية، وما دام الكلام ليس صادرا منه هو مباشرة، وإنما يقال على لسان شخصيات روايته، أو قصته، فهنيئا إذن لكل فاحش بذيء؛ إذ ما عليه -لكي ينجو من كل محاسبة- إلا أن يضع شتمه وبذاءته على لسان شخصية يخترعها في قصة، أو رواية، أو قصيدة يكتبها.

 

ماذا يعني هذا؟ أيعني أن الأعمال الفنية إنما هي أشكال لا محتوى لها؟ وأنها إنما يحكم عليها لذلك بشكلها لا بمضمونها؟ هل هذا صحيح؟ هل هذا هو الذي يفعله النقاد في تقويمهم للأعمال الفنية؟ وهل الشكل وحده هو الذي يبتغيه متعاطو هذه الأعمال؟ وهل معنى هذا أنه إذا كان كاتب ذو مواهب فنية رائعة أنه يجوز له أن يكتب قصة فحواها الاستسلام لإسرائيل، وأنه لا يحق للفلسطينيين ولا غيرهم أن يعترضوا على ما فيها؛ لأنها عمل فني؟ أم أن المحتوى الوحيد الذي لا يجوز الاعتراض عليه هو الاستهزاء بدين الله، وتنقص أنبياء الله؟

وإذا كان بعض الناس يضعون الجمال الفني فوق الحق، وفوق القيم، فما هكذا يرى المسلم المهتدي بكتاب ربه، الذي يعلي من قدر الصدق والعدل، ويذم الكذب والجور في أي شكل جاء هذا أو ذاك، ولهذا حكم على الشعر بمحتواه، لا بمجرد شكله.

قال تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا} [الشعراء: 224 - 227].

 


 

المصدر:

موقع الدرر السنية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#انتقاد-الدين
اقرأ أيضا
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج3 | مرابط
تفريغات

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج3


من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله فقاموا بتفنيد هذه الشبه وفضح أهل البدع بكل ما أوتوه من قوة وبيان

بقلم: أبو إسحاق الحويني
964
الانتفاع بالقرآن الكريم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الانتفاع بالقرآن الكريم


كثيرا ما يحدث أن يقرأ المسلم القرآن الكريم ويشعر أنه لا ينتفع به وهذا لوجود عدد من الحوائل التي تمنع ذلك وبين يديكم نصيحة غالية من الإمام ابن القيم منتقاة من كتاب الفوائد يضع أمامنا طريقا لاحبا للانتفاع بالقرآن الكريم فإذا أردت أن تنتفع بالقرآن اقرأ هذه النصيحة النفيسة وتمسك بها

بقلم: ابن القيم
919
موقف الفكر الإسلامي من العلمانية ج2 | مرابط
تفريغات

موقف الفكر الإسلامي من العلمانية ج2


ولو نظرنا إلى العلمانية من هذه النظرة لوجدنا أن القضية قضية توحيد دعا إليه الرسل جميعا ونزلت به الكتب جميعا يقابله شرك وجهل وجاهلية وخرافات وردود فعل بشرية جاءت في فترات معينة في قوم معينين لا يصلح بأي حال أن يكون مبدأ أو منهجا يسير عليه البشر جميعا في كل مكان ولا سيما من كان الوحي النقي بين أيديهم وفي متناولهم ويقرءونه ويتلونه ليلا ونهارا فمن هذه القضية يبدأ الموضوع

بقلم: سفر الحوالي
825
عوامل الصعود اللوطي الجزء الأول | مرابط
مقالات الجندرية

عوامل الصعود اللوطي الجزء الأول


تستند الموجة اللوطية الجديدة على عدد من العوامل في صعودها السريع وانتشارها الملحوظ في بعض المجتمعات ومن أبرز هذه العوامل: التقدم الطبي الذي أتاح للشواذ واللوطيين إجراء تعديلات جسدية وتجميلية وظاهرية موافقة للميول الجندرية الجديدة وكذلك الإتخام الجنسي وإتاحته بكل الصور في كل مكان عبر الشبكة مثلا أحدث نوعا من الملل والتخمة لدى مشاهدي ومدمني البورنو وهو كا دفعهم إلى أشكال جديدة من الجنس مثل اللوطية وفي هذا المقال يناقش الكاتب عمرو عبد العزيز هذه العوامل وغيرها بشكل موجز

بقلم: عمرو عبد العزيز
2509
لا تستعجل النتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تستعجل النتائج


إن القرآن يوجه القلوب والعقول ألا تستعجل النتائج فهي لا بد آتية حسب السنة الماضية التي لا تتبدل وأعمار الأفراد ليست هي المقياس والجولة العارضة ليست هي الجولة الأخيرة قد ينتصر الباطل فترة من الوقت ويزدهر ويتمكن ويعلو في الأرض ولكن هذا ليس نهاية القول ولا نهاية المطاف إنه جزء من سنة الله المتشعبة الجوانب

بقلم: محمد قطب
827
المراحل التي مر بها الإرجاء | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

المراحل التي مر بها الإرجاء


والحقيقة أن الإرجاء مر بمراتب مر بمراحل يعني هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة حتى وصلوا إلى مرحلة الغلو التي تحدث عنها العلماء وفي هذا المقتطف من محاضرة الشيخ محمد صالح المنجد يتحدث عن هذه المراحل أو التطورات بشكل مختصر

بقلم: محمد صالح المنجد
1262