نحن مثلكم ننتقد الدين

نحن مثلكم ننتقد الدين | مرابط

الكاتب: الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس

654 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

في عالمنا الإسلامي -العربي منه وغير العربي- مخلوقات غريبة تريد أن تجمع بين المتناقضات، ولا تريد مع ذلك أن يعترض على تناقضها معترض، يريدون أن يقولوا لإخوانهم الذين كفروا من أهل الغرب: إنما نحن مثلكم ننتقد الدين كما تنتقدون، ولا نلتزم به كما أنكم لا تلتزمون، ولا نترك فرصة للسخرية منه ومن المستمسكين به إلا اهتبلناها كما تهتبلون، ونرى كما ترون أنه من حق الأديب والفنان أن ينتقد قيم المجتمع، ومعتقداته، ويدعو إلى نبذها؛ لأنه لا يكون أديبا، أو فنانا مبدعا إلا إذا فعل كل هذا بحرية كاملة كما تفعلون.

لكن الفرق بين مخلوقاتنا الغريبة الممسوخة المقلدة هذه، وبين من هم أسوة لهم من إخوانهم الذين كفروا في الغرب، أن أولئك إذا قيل للواحد منهم: إنك كافر بالمسيحية، أو اليهودية اعترف بهذا، وعده من تحصيل الحاصل، لكن مخلوقنا الممسوخ يرتجف، ويولول، ويطلب النجدة إذا قيل عن كلام كتبه هو، أو أحد من شاكلته: إنه كفر وخرج عن دين الإسلام، إنه يريد أن يكون كافرا حقا، لكنه يرتعد حين يوصف بالكفر المعبر عن تلك الحقيقة، يريد أن يكون كافرا، لكنه يريد أن يعيش في أمن، وأن يكون ذا سمعة حسنة في المجتمع الذي يتنكر لأحسن ما فيه من معتقدات وقيم، ويريد -شأن كل منافق- أن يتخذ من انتمائه للإسلام حصنا لهدمه، وهيهات.

 

وهو حين يواجه هذا الخطر على نفسه، وعلى سمعته يتحول إلى واعظ يذكر من رموه بتهمة الكفر بقول الله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل : 125]، وهي الآية التي لا يكاد الواحد منهم يحفظ من كتاب الله تعالى غيرها، يحفظها ليحتمي بها بعد أن يحرف معناها، ويؤولها على غير تأويلها، نعم نحن مأمورون بأن ندعو بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن الذي نحن مأمورون بالدعوة إليه هو سبيل ربنا، وهو أمر واضح المعالـم، بين الحدود، فنحن لا نفهم من الدعوة بالحكمة، وبالتي هي أحسن أن نميع حقائق هذا الدين، أو أن نطمس معالمه، أو نزيل الحدود التي تميزه عن غيره، فيكون شيئا هلاميا، لا يعرف أوله من آخره، ولا يعثر فيه على ما يميزه عن غيره، فلا يمكن لذلك أن يحكم على إنسان بأنه داخل فيه، أو خارج عنه.

وما هكذا يكون الدين المنزل من عند الله، بل ما هكذا يكون أي مذهب، حقا كان أم باطلا، لا بد لكل مذهب من معالم تحدد هويته، وتميزه عن غيره، حتى يقال عن إنسان: إنه منتم إليه، أو ليس بمنتم، وأنه مؤمن به، أو كافر به، إن المذهب الذي ليس فيه ما يميزه عن غيره ليس بمذهب، والإسلام دين منزل من عند الله، مرتكز على مجموعة من الحقائق، من آمن بها كان مسلما، ومن أنكرها، أو سخر منها، أو استهزأ بها كان كافرا، فإمكانية الحكم على إنسان بالكفر أمر لازم لهوية الدين، فالدين الذي لا إكفار فيه ليس بدين؛ لأنه لا هوية له، إذا لم تكن للدين هوية، ولم تكن له معالم، فإلى أي شيء تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؟ والآية الكريمة التي يستدل بها هؤلاء الممسوخون تبطل دعواهم، وتدل على تحريفهم، وذلك أنها تبدأ كما قلنا بقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} [النحل: 125].

وسبيل الله هو مجموعة الحقائق والقيم المبينة في كتابه، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنها دعوة إلى توحيد الله تعالى، وعدم الإشراك به، دعوة إلى حبه وتقديره حق قدره، دعوة إلى الإيمان برسوله، وتعزيره وتوقيره، دعوة إلى الإيمان بأن ما قرره الإسلام حق لا ريب فيه، وما أمر به فعدل لا ظلم فيه: {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا} [الأنعام: 115]، فكل قول أو فعل يتناقض مع هذا فهو كفر، وكل قائل به، وعامل به على بصيرة فهو كافر خارج عن ملة الإسلام، روائيا كان أو ممثلا، أو فنانا، ناطقا بالشهادتين أو غير ناطق.

 

لكن المخلوقات الممسوخة تريد أن تتستر بكفرها وراء الأدب والفن، فتزعم تارة أننا لم نفهم ما قيل على أنه عمل أدبي فني، هكذا قال المدافعون عن سلمان رشدي في آياته الشيطانية في البلاد الغربية، وهكذا يقول المدافعون عن حيدر حيدر في وليمته لأعشاب البحر، وإن المرء ليعجب إذا كان جماهير الناس، بل خاصتهم لا يفهمون القصص والروايات، فيا ليت شعري ماذا يفهمون؟ ثم هل يعقل أن يكتب كاتب قصة لا تفهمها الجماهير؟ إذن من الذي سيشتريها، ومن ذا الذي يقرؤها؟

وتزعم أخرى أن الفنان لا يحاكم بالمعايير نفسها التي يحاكم بها سائر عباد الله، أي: إنه من حقه -وليس من حق السياسي مثلا- أن يظهر الكفر، ويدعو إلى التهتك ما دام يعرض علينا كفره وتهتكه في صورة أدبية أو فنية، وما دام الكلام ليس صادرا منه هو مباشرة، وإنما يقال على لسان شخصيات روايته، أو قصته، فهنيئا إذن لكل فاحش بذيء؛ إذ ما عليه -لكي ينجو من كل محاسبة- إلا أن يضع شتمه وبذاءته على لسان شخصية يخترعها في قصة، أو رواية، أو قصيدة يكتبها.

 

ماذا يعني هذا؟ أيعني أن الأعمال الفنية إنما هي أشكال لا محتوى لها؟ وأنها إنما يحكم عليها لذلك بشكلها لا بمضمونها؟ هل هذا صحيح؟ هل هذا هو الذي يفعله النقاد في تقويمهم للأعمال الفنية؟ وهل الشكل وحده هو الذي يبتغيه متعاطو هذه الأعمال؟ وهل معنى هذا أنه إذا كان كاتب ذو مواهب فنية رائعة أنه يجوز له أن يكتب قصة فحواها الاستسلام لإسرائيل، وأنه لا يحق للفلسطينيين ولا غيرهم أن يعترضوا على ما فيها؛ لأنها عمل فني؟ أم أن المحتوى الوحيد الذي لا يجوز الاعتراض عليه هو الاستهزاء بدين الله، وتنقص أنبياء الله؟

وإذا كان بعض الناس يضعون الجمال الفني فوق الحق، وفوق القيم، فما هكذا يرى المسلم المهتدي بكتاب ربه، الذي يعلي من قدر الصدق والعدل، ويذم الكذب والجور في أي شكل جاء هذا أو ذاك، ولهذا حكم على الشعر بمحتواه، لا بمجرد شكله.

قال تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا} [الشعراء: 224 - 227].

 


 

المصدر:

موقع الدرر السنية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#انتقاد-الدين
اقرأ أيضا
مأزق المترقب | مرابط
فكر مقالات

مأزق المترقب


واضعا يده على ذقنه يتفرج باهتمام بالغ على مشروعات العلم والدعوة والثقافة والحقوق تتسابق فعالياتها بين ناظريه هو يعرف أسماءها جيدا وفي أيام مضت تواصل مع بعض رجالات الإنتاج في هذه المشروعات بل له الآن علاقات طيبة مع بعضهم وبحوزته أيضا رقم الهاتف الخاص لبعضهم كما أن أحدهم دعاه يوما لمجلس ضم بعض هؤلاء المنتجين بل هو لا يزال يتذكر أنه أرسل لبعضهم رسالة جوال أو بريد إلكتروني ورد عليه لكنه إلى الآن ليس جزءا من أي مشروع ولم يبدأ الخطوة الثانية في أي حلم سبق أن فتح له ملفا في جهازه المحمول

بقلم: إبراهيم السكران
991
التوبة والندم | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوبة والندم


مقتطف من كتاب التوبة لابن أبي الدنيا يعرض لنا بعض الأحاديث والآثار أو الأخبار فيما يخص التوبة وهل الندم يدخل في معنى التوبة أم لا وهل التوبة تخلص العبد من عقوبة الله عز وجل أم لا وهل التوبة تكفي للتخلص من آثار الذنوب

بقلم: ابن أبي الدنيا
636
لا تستعجل النتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تستعجل النتائج


إن القرآن يوجه القلوب والعقول ألا تستعجل النتائج فهي لا بد آتية حسب السنة الماضية التي لا تتبدل وأعمار الأفراد ليست هي المقياس والجولة العارضة ليست هي الجولة الأخيرة قد ينتصر الباطل فترة من الوقت ويزدهر ويتمكن ويعلو في الأرض ولكن هذا ليس نهاية القول ولا نهاية المطاف إنه جزء من سنة الله المتشعبة الجوانب

بقلم: محمد قطب
746
أيام الصبر | مرابط
تفريغات

أيام الصبر


أهل العلم قالوا: ليس من الممكن أن يستوي من وقف أيام الشدة وأيام الفاقة وأيام الذلة ولما قل الناصر: وقف في ظهر النبي ليقول: أنا هنا مالي موجود وأنا موجود! أنا لن أتخلى عنك! وشخص آخر جاء وقت الرخاء.. نحن الآن في نفس هذه الأيام اليوم الدين ليس له أحد دين الله ليس له أحد الناس تعيش لحياتها أنت تصلي لنفسك وليس لدين الله أنت تصوم لنفسك وليس للدين الدين كل يوم ينقص.

بقلم: محمد سعد الشرقاوي
548
صناديق الاستثمار في عشر ذي الحجة | مرابط
تعزيز اليقين

صناديق الاستثمار في عشر ذي الحجة


سجل في الصندوق قبل أن يغلق الاكتتاب .. كانت أعمار بني آدم في الأزمنة السابقة طويلة وأما أعمار أمة خاتم الأنبياء غما بين الستين إلى السبعين إلا أن الله تعالى بفضله وبمنه وكرمه عوض نقص أعمار هذه الأمة بأن جعل لهم مواسم الخيرات محطات يتزودون بها ومن تلك المواسم عشر ذي الحجة حيث فضلت على سائر أيام

بقلم: د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
360
لماذا نصوم الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

لماذا نصوم الجزء الرابع


أما التائهون يسهرون إلى نصف الليل على الباطل ثم يتسحرون وينامون فلا يستيقظون لصلاة الصبح أبدا فتفوتهم صلاة الصبح لكن أمثالكم ينامون بعد صلاة التراويح أربع ساعات أو خمس ساعات ثم يقومون فيتسحرون فإذا أذن الصبح توضئوا وصلوا

بقلم: أبو بكر الجزائري
716