والحقيقة أن الإرجاء مر بمراتب، مر بمراحل، يعني هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة، هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة.
فأول أمر حدث في المرجئة فيما يتعلق في قضية الإرجاء على ما قال بعض العلماء هي الفتنة التي أحدثها عبد الله بن سبأ وغيره، في التعاون مع المجوس الذين ذهبت دولتهم وملكهم، فقتلوا أمير المؤمنين عمر، ثم شرعوا بالفتن بين المسلمين في عهد عثمان، إلى أن وصلت إلى حالة اقتتال بين المسلمين في عهد علي.
وراء هذه القضية كلها طبعًا مؤامرات ضخمة حاكها اليهود مع المجوس تحديدًا، وهؤلاء يعني المرجئة الذين تأثروا بقضية قتل عثمان، وما حدث بعد ذلك من الفتنة بين المسلمين في عهد علي.
أول ما خرجت في مسألة إرجاء أمر عثمان وعلي إلى الله، وعدم موالاتهما، وعدم معاداتهما، خرجوا ببدعة جديدة، فأول يعني إرجاء حصل في الأمة، أول بدعة إرجائية هي من المرجئة إرجاء أمر عثمان وعلي إلى الله، خلاص.
مع أن هذا في فضله وهذا في فضله، كيف عدم موالاتهما، كيف عدم موالاتهما؟ لكن هذا ما حصل من هؤلاء، هذا ما حصل من هؤلاء.
طبعًا لما يقول بعض العلماء في بحث المرجئة: إرجاء الفقهاء والعباد، ثم إرجاء المتكلمين، وبعد ذلك إرجاء غلاة المرجئة، فيقصدون بالقضية إرجاء العمل عن الإيمان.
وكان لثورة ابن الأشعث وظهور الحجاج، وملاحقة العلماء والبطش بهم، أسوأ الأثر في بروز قرن الإرجاء هذا، بين صفوف ناس من البائسين المستسلمين للواقع.
وقام أهل السنة بجهد مشكور في مقاومة فكرة هذا الإرجاء، ولاحظ أهل العلم كالأوزاعي، وإبراهيم النخعي، وغيرهم، لاحظوا أنه يعني هناك نابتة جديدة، تقول: إن الأعمال غير الإيمان، فكأن هؤلاء عندهم اضطرار لقضية فصل العمل عن الإيمان، ويقولون يعني في أعمال شنيعة، لكن أصحابها مسلمون، إذن أحسن شيء نفصل الإيمان عن العمل.
فانتبه العلماء لهؤلاء، وقال الأوزاعي رحمه الله: "كان يحيى بن أبي كثير وقتادة: ليس من أهل الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء" [السنة لعبد الله بن أحمد: 641].
إبراهيم النخعي الذي عاصر طبعًا فتنة الحجاج، قال: "الإرجاء بدعة إياكم وهذا الرأي المحدث". [الطبقات الكبرى لابن سعد: 6/273].
إبراهيم النخعي يقول عن المرجئة: "تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابري". [السنة لعبد الله بن أحمد: 618]، يعني: أنه صار الدين أمره رقيق يعني، أرق من الثوب الساذري في غاية الرقة، فالدين متين، والدين عظيم، لكن المرجئة هؤلاء جعلوا الدين مثل الثوب الرقيق.
ورغم أن بعض الذين بدأوا يعني بالإرجاء كان عندهم شيء من الزهد والعبادة، لكن طبعًا لم يكن عندهم علم راسخ.
تصدى لبدعة الإرجاء أول ما خرجت: الإمام وكيع، وابن المبارك، وابن معين، والإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، لأن غلاة المرجئة بدأوا يظهروا في عهدهم، وهذا ما كان يعني يسمى بإرجاء الفقهاء، الذي فيه تأخير العمل عن الإيمان، وإخراج العمل من مسمى الإيمان، وهذه الشبهة أنه قضية أن الإيمان لا يتبعض ولا يتجزأ وليس مراتب.. إلى آخره، أوقعتهم في هذا الانحراف، فإذن أساس الشبهة: هي ضلالهم في فهم الإيمان.
المصدر:
https://almunajjid.com/courses/lessons/252