ومن أشراط الساعة المتعلقة والتي قد يكون لها صلة في هذا الباب: نزع الأمانة من قلوب الناس.. ونزع الأمانة من قلوب الناس فيه إشارة إلى الشح المطاع، والهوى المتبع، والطمع والجشع. ومن ثمار ذلك ما سلف من قطيعة الأرحام، وتسليم الخاصة، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى تقلب الإنسان في يومه وليلته من أمين إلى خائن، ومن مؤمن إلى كافر في يوم وليلة.
وتقدم معنا مسألة التقلب بين الإيمان والكفر، فإن الرجل يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، أو يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا، وقد جاء عند البخاري من حديث زيد بن وهب عن حذيفة بن اليمان قال: ( حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرين: أما الأمر الأول: فهو الأمانة أنزلها الله في جذر قلوب رجال، وأما الآخر فحدثنا أن الرجل ينام فتزول الأمانة من قلبه )، وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان تزول الأمانة من قلبه لا بسبب يدركه، وإنما بسبب لو تفحصه وتأمله وجد أنه له علاقة بحرمات الله كمعاصي السر وغير ذلك، فإن الله عز وجل يجعلها من أسباب تقلب الإنسان وردته وانتكاسه.
وتقدم الإشارة معنا أن الإنسان إذا كان صاحب إيمان وصاحب علم عصمه الله جل وعلا من الردة والانتكاسة، وأما إذا كان من أصحاب العلم وليس من أصحاب الديانة والإيمان والعبادة فإنه يتقلب من حال إلى حال، من أمين إلى خائن بحسب مطامع الدنيا.
وأشار في الحديث إلى الأمانة، ولها لوازم متعددة؛ لأنها أصل العدل في الناس، فالسلطان إن لم يكن أمينًا جار وبغى وظلم، والعالم إذا لم يكن أمينًا شاع في فتاوى الجهالة والزور ونشر الجهالات في الناس، وأواسط الناس وعامتهم ودهمائهم إذا نزعت الأمانة من قلوبهم كتموا الشهادة، وأظهروا شهادة الزور، وكذبوا وخانوا، وعقوا وقطعوا الأرحام، وسعوا في الأرض فسادًا.
وفي الإشارة إلى نزع الأمانة لازم لكثير من أشراط الساعة؛ لأن الأمانة إذا نزعت من قلوب الناس انتشر ما عداها من أنواع الخيانة، وأظهر ذلك ما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات النفاق وهو الكذب، والغدر، والمبالغة في الفجور عند الخصومة، فإن هذا يشتهر عند من نزع الله جل وعلا منه الأمانة.
المصدر:
محاضرة أشراط الساعة رواية ودراية، الجزء الثالث، للشيخ عبد العزيز الطريفي