الرد على المنكرين للإسراء والمعراج

الرد على المنكرين للإسراء والمعراج | مرابط

الكاتب: علي محمد الصلابي

376 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أجمع المسلمون على أنّ واقعة الإسراء والمعراج حقيقة قطعيّة ثابتة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما القرآن الكريم فإن الله تعالى قال في قصة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء: 1]، وقال في المعراج كما في سورة النجم: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) [النجم: 13-18]؛ والمقصود بالرؤيا في الآية رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام في المعراج.

 

وأما السنة فجاءت الأحاديث المستفيضة عن عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم تروي هذه الحادثة الشريفة، كما هو مثبت في الصحيحين، وهذا ما أجمع عليه المسلمون، وإن كان هناك بعض من العلماء -لا يُعول على رأيهم لمخالفة النصوص الشرعية وجماهير المسلمين- يرون أن المعراج كان بروحه دون جسده، وجماهيرهم على أنَّ الإسراء والمعراج كانا بجسده وروحه معًا.

 

وهذه الرحلة من القضايا الغيبية التي حُف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعناية الله ومعونته، كما هو جليٌّ في أول سورة الإسراء المتقدم ذكرها، ولا مجال في مثل القضايا (الغيبية) أن تخضع للمحاكمات العقلية التي يدَّعي فيها بعض المشككين معارضتها للقدرة البشرية؛ فذلك مدخل خطير يوصل إلى إنكار كل الغيبيات بشبهة معارضتها للتصور العقلي والقدرة البشرية؛ لذلك كانت أول صفات المؤمنين أصحاب الخشية والتقوى ذكرًا في كتاب الله (الإيمان بالغيب)، قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 2-3]

 

ومع ذلك لم يترك العلماء ذكر أمثلة من الحياة الواقعية تنفي غرابة وقوع هذه الحوادث كالإسراء والمعراج وغيرها، كالإنترنت والفضاء الإلكتروني ونقل الصور والأصوات الحيّة من المشرق إلى المغرب في أجزاء من الثانية، وهذا يذكرونه من باب زيادة الإيمان واليقين لا أكثر، أما الأصل في عقيدة المسلمين أن المؤمن يسلم بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله مذعنًا لذلك خاضعًا له؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
بين يدي الإسراء والمعراج

 

كان وجود أبي طالبٍ بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم سياجا واقيا له يمنع عنه أذى قريش؛ لأنَّ قريشًا ما كانت تريد أن تخسر أبا طالبٍ، ولمَّا تُوفي أبو طالب انهار هذا الحاجزُ، ونال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من الضَّرر الجسديِّ الشيءُ الكثير. وكانت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم  البلسم الشَّافي لما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الجراح النَّفسيَّة التي يُلحقها به المشركون، ولمَّا توفيت فَقَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذا البلسمَ.

 

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطَّائف بعدما اشتدَّ عليه أذى قريش، وأمعنوا في التَّضييق عليه، يطلب من زعمائها نصرة الحقِّ الذي يدعو إليه، وحمايته، حتى يبلِّغ دين الله، فما كان جوابهم إلا أن ردُّوه أقبح ردٍّ، ولم يكتفوا بذلك؛ بل أرسلوا إلى قريش رسولًا يخبرهم بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم، فتجهَّمت له قريش، وأضمرت له الشَّرَّ، فلم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول مكَّة إلا في جوار رجلٍ كافر، لقد تجهَّمت له قريش، وأحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فزادتْ حزنَه، وهمَّه؛ حتَّى سُمِّي ذلك العام بالنِّسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم "عام الحزن" (دراسةٌ تحليلية لشخصيَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ص 128)

 

وبعد هذا كلِّه حصلتْ معجزةُ اللهِ لرسوله، ألاَ وهي الإسراء والمعراج. أمَّا هدف هذه المعجزة، فيتمثل في أمورٍ؛ من أهمِّها:

أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أراد أن يتيح لرسوله صلى الله عليه وسلم فرصة الاطّلاع على المظاهر الكبرى لقدرته؛ حتَّى يملأ قلبه ثقةً فيه، واستنادا إليه؛ حتَّى يزداد قوَّةً في مهاجمة سلطان الكفَّار القائم في الأرض، كما حدث لموسى عليه السلام، فقد شاء أن يريه عجائب قدرته. قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى، قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هَيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُوْلَى، وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أخرى) [طه: 17-22] فلمَّا ملأ قلبه بمشاهدة هذه الآيات الكبرى، قال له بعد ذلك: (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتنَا الْكُبْرَى) [طه: 23].

 

في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى، توطئةً للهجرة، ولأعظم مواجهةٍ على مدى التَّاريخ للكفر، والضَّلال، والفسوق. والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ؛ منها: الذَّهاب إلى بيت المقدس، والعروج إلى السَّماء، ورؤية الأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والسَّماوات، والجنَّة، والنار، ونماذج من النعيم والعذاب… إلخ.

 

كان حديث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النَّجم، وذكر حكمة الإسراء في سورة الإسراء بقوله: (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتنَا) [الإسراء: 1] وفي سورة النجم بقوله: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيات رَبِّهِ الْكُبْرَى) [النجم: 18]. وفي الإسراء والمعراج علومٌ، وأسرارٌ، ودقائق، ودروسٌ، وَعِبَرٌ. (الأساس في السُّنَّة، لسعيد حوَّى، 1/291)

 

يقول الأستاذ أبو الحسن النَّدوي: لم يكن الإسراء مجرَّد حادثٍ فرديٍّ بسيطٍ رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى، وتجلَّى له ملكوت السَّموات، والأرض مشاهدةً، عيانا؛ بل -زيادةً إلى ذلك- اشتملت هذه الرِّحلة النَّبوية الغيبية على معانٍ دقيقةٍ كثيرةٍ، وشاراتٍ حكيمةٍ بعيدة المدى فقد ضمَّت قصَّةُ الإسراء، وأعلنت السُّورتان الكريمتان اللَّتان نزلتا في شأنه "الإسراء" و"النَّجم": أنَّ محمّدا صلى الله عليه وسلم هو نبيُّ القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه، وفي إسرائه مكةُ بالقدس، والبيتُ الحرام بالمسجد الأقصى، وصلَّى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذانا بعموم رسالته، وخلود إمامته، وإنسانيَّة تعاليمه، وصلاحيتها لاختلاف المكان والزَّمان، وأفادت سورة الإسراء تعيين شخصية النَّبي صلى الله عليه وسلم، ووصف إمامته، وقيادته، وتحديد مكانة الأمَّة التي بعث فيها، وآمنت به، وبيان رسالتها ودورها الَّذي ستمثِّله في العالم، ومن بين الشُّعوب، والأمم" (الأساس في السُّنَّة، 1/292).

 


 

المراجع

  1. ملاحظة: استفاد المقال أفكاره من كتاب: "السيرة النبوية" للدكتور علي الصلابي، واستقى المقال كثيرا من معلوماته من كتاب: "الأساس في السنة وفقهها" لسعيد حوى.
  2. علي محمد الصلابي، السيرة النبوية، دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الأولى، 1425هـ 2004م.
  3. سعيد حوَّى، الأساس في السنة وفقهها – السيرة النبوية، دار السلام، مصر، الطبعة الأولى، 1409هـ 1989م.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإسراء-والمعراج
اقرأ أيضا
المسلم وشارة دعم اللوطية | مرابط
فكر الجندرية

المسلم وشارة دعم اللوطية


أي شيء في الدنيا.. أي مصلحة تلك التي تجعل مسلما يلبس إشارة دعم لمن يعملون عمل قوم لوط! أو يداهن في مثل ذلك أو يعتذر عن إغضابه لأهل القرية التي تعمل الخبائث. وكيف لمسلم أن يشاهد ويتابع ويعلق على مبارايات تروج لاستحلال الفواحش والمجاهرة بها .. الله الغني عن الكورة واللي جاب الكورة!

بقلم: حسين عبد الرازق
338
دور الحملة الفرنسية | مرابط
تاريخ

دور الحملة الفرنسية


إذا طالعت الكتب الدراسية التي تقدم للتلاميذ والطلاب في بلادنا ووقفت على ذكر الحملة الفرنسية فيها فلا بد أن يمر عليك ما يطلق عليه مآثر الحملة الفرنسية أو ربما مساهمات الحملة الفرنسية في تحقيق التقدم والرخاء للمجتمع المصري أو انتشاله من ظلمات الضياع والجهل وغير ذلك من العبارات التي قد توصف بها المساهمة العظيمة للحملة الفرنسية في مصر وبالطبع ستجد حديثا طويلا حول المطابع العلمية التي جاء بها نابليون إلى بلادنا وكيف أفادتنا وحققت طفرة ونقلة ضخمة على المستوى العلمي لبلادنا وكذلك البعثة العلمية ال

بقلم: الأستاذ محمد قطب
3588
أصول الانحراف الدرس الأول ج2 | مرابط
تفريغات

أصول الانحراف الدرس الأول ج2


إن من مقاصد الوحي وضوح طرق الضلال أن تكون واضحة أمامنا وفي سورة الأنعام بعد شوط طويل من الشرح والتوضيح والتبيين للآيات البينات ذكر ربنا سبحانه وتعالى محاولة خبيثة من أهل الباطل لإضلال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الله سبحانه وتعالى عصمه ومحاولة لدس الحقد والضغينة بين المسلمين

بقلم: أحمد عبد المنعم
511
كن طبيبا لنفسك | مرابط
اقتباسات وقطوف

كن طبيبا لنفسك


اعلموا أنه من لم يحسن أن يكون طبيبا لنفسه لم يصلح أن يكون طبيبا لنفس غيره ومن لم يحسن أن يؤدب نفسه لم يحسن أن يؤدب نفس غيره. واعلموا أن من لم يعرف ما لله عزوجل عليه في نفسه مما أمر به ونهاه عنه ولم يأخذ نفسه بعلم ذلك كيف يصلح أن يؤدب زوجته وولده وقد أخذ الله عزوجل عليه تعليمهم ما جهلوه؟! وما أسوأ حال من توانى عن تأديب نفسه ورياضتها بالعلم وما أحسن حال من عني بتأديب نفسه وعلم ما أمره الله عزوجل به وما نهاه عنه وصبر على مخالفة نفسه واستعان بالله العلي العظيم.

بقلم: الآجري
170
العضلة الأهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العضلة الأهم


كلنا يريد الانطلاق نحو الله في رمضان.. والقوة المحركة لهذا الانطلاق هي القلب.. وكلما كان حمله من المعاصي أقل.. كانت انطلاقته أكبر وأعظم.. ومن أكبر أثقال القلب التي تبطئ حركته:الغل والأحقاد نحو الآخرين في قلبك..

بقلم: د. أيمن خليل البلوي
401
الانغماس في حياة الغرب | مرابط
فكر

الانغماس في حياة الغرب


فبقدر ما تنغمس فيهم بقدر ما تصيبك لعنتهم دون أن تشعر فإما تتنازل عن قيمك وتتخلى عنها فتغوص في الرذائل.. أو تداهن وتوارب في قيمهم فتتورط في كوارث.. أو تنبهر بالتعليم واحترام الخصوصيات و و.. فتصير حاكمية الذوق الغربي أهم من حاكمية الدين ويصير فهم الدين بمعايير الإنسانية أهم من فهمه بمعايير أهل العلم!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
381