ظاهرة فجوة الإبداع creativity Gap ظاهرة ممكن تسبب إحباطا للمبتدئين ومع ذلك فغياب هذه الظاهرة قد يحرم المحترفين من مزيد التطور
أي شخص قرر يتعلم مهارة أو يمارس هواية معينة طبيعي يكون اتجه لهذه المهارة بعد فترة اهتمام ورغبة ومتابعة للمحترفين في هذه المهارة أو الهواية، خصوصًا إن حاليا أصبح من السهل متابعة المحترفين وأعمالهم في كل مجال بمنتهى السهولة، من خلال يوتيوب أو فيسبوك أو مواقع متخصصة بالمهارات.. متابعتنا للمحترفين وأعمالهم بترفع لدينا مستوى التذوق والحس النقدي في المهارة أو مجال العمل الذي نهتم به، يعني قدرتنا على التمييز بين الأعمال الجيدة والرديئة تصبح عالية، لكن المشكلة إن مستوى قدراتنا في المهارة دي ليس عاليا ﻷننا مازلنا في البداية ولم نكتسب الحرفية التي تمكننا من إنتاج عالي الجودة يتوافق مع ذوقنا وحسنا النقدي = وهذا يجعلنا ننظر لإنتاجنا بإحباط.
وبالتالي، فجوة الإبداع هي الفرق بين مستوى قدراتنا ومستوى تذوقنا أو حسنا النقدي.. عيب فجوة الإبداع أنها عندما تكون أكبر من اللازم تتسبب في يأس وإحباط المبتدئ ومن ثم انسحابه وتوقفه عن تعلم المهارة. طبعا السبب الذي يُكبّر الفجوة هو كثرة المتابعة مع قلة الممارسة الفعلية يعني تتفرج يوميا بالساعات على فيديوهات المحترفين ولكنك لا تمارس المهارة بنفسك بالقدر الكافي، وكثير مننا يقع في هذا الفخ لأن المشاهدة سهلة وممتعة بينما الممارسة عادة فيها صعوبة وتحديات.
مع ذلك فجوة الإبداع لها ميزة جيدة وهي إنها ضرورية للتطور وتحسين المهارة، يعني تخيل شخص حسّه النقدي ضعيف، في نفس مستوى قدراته، كونه مبتدئ طبيعي ينتج أعمال جودتها ضعيفة، لكن ﻷن حسه النقدي ضعيف فهو بينظر لأعماله على أنها جميلة ورائعة وبالتالي لن يحاول أن يطور من نفسه، فهو يرى عمله رائعًا، والغريب أن هذا قد يحدث مع المحترفين بعد فترة طويلة من الزمن، بعد ما يكون مستوى إنتاجه عالي الجودة فتكون فجوة الإبداع عنده صغيرة جدًا، وهذا ما يدخله في نطاق الراحة أو ما يسمى بالcomfort zone وبالتالي لا يوجد دافع قوي لمزيد من التطور.
يتضح من كلامنا إن وجود فجوة الإبداع في حد ذاته ليس بالمشكلة، بل هو ضروري، لكن المشكلة في حجم هذه الفجوة؛ لو الفجوة أكبر من اللازم = هذا يسبب الإحباط واليأس، بينما لو كانت صغيرة جدًا أو غير موجودة = فهذا يحرمك من التحسن والتطور.
أيه الحل؟
بالنسبة للمبتدئ = لا بد أن تمارس المهارة بمعدل أكبر من متابعتك للمحترفين وأعمالهم، يعني من الخطأ أن تشاهد يوميا لمدة ساعتين أعمال المحترفين لكنك لا تمارس المهارة إلا ساعة أو أقل، لا بد أن يكون وقت الممارسة أكبر.
بالنسبة للمحترفين = ممكن يكون صعب بعد الوصول لدرجة عالية من الاحتراف أن تستمر في رفع حسك النقدي بمعدل ملحوظ، ولكن من الممكن أن تسعى للتميز بالتنوع وتجربة أساليب جديدة، فتكون صاحب أسلوب وطابع مميز عن بقية المحترفين، وتحاول أن تجرب أشياء جديدة لم تجربها من قبل، فلا تكون فقط محترفًا وإنما تكون مبتكرًا أيضًا.
أفراد، بل وشركات كثيرة جدا لما استسلمت لنطاق الراحة الذي وصلت له بعد سنوات طويلة من العمل والاجتهاد ولم تحاول أن تجدد وتبتكر = انقرضوا، وظهر أفراد وشركات جديدة بمنتجات جديدة خطفت النجاح من القدامى الذين رفضوا تجريب أي شيء مختلف. (نموذج شركة نوكيا ثم الشركات الموجودة حاليا والأكثر انتشارا، آبل سامسونج ..إلخ)
نقطة أخيرة مهمة بخصوص فجوة الإبداع للذين يعانون من المثالية أو طلب الكمال perfectionism، لا بد أن تعرف أن الصورة الكاملة أو الرائعة في ذهنك مبنية على ذوقك وحسك النقدي الذي هو أعلى من قدراتك، ومن الطبيعي ألا يخلو العمل الذي تنتجه من العيوب من وجهة نظرك، لكن لا ينبغي أن يمنعك هذا من العمل، لا بد أن تعرف أن الطريق الوحيد لتحسين مستواك وجودة إنتاجك هو الاستمرار في الممارسة والعمل رغم العيوب الظاهرة لك، كذلك فالعمل لا يشترط فيه أن يخلو من العيوب أو يكون مثاليا حتى يحقق الهدف المطلوب.
في النهاية فجوة الإبداع ظاهرة طبيعية ومطلوب وجودها لكن بالحجم المناسب الذي لا يسبب الإحباط ويدفعنا للتطور باستمرار.