قالوا: القرآن يتهم النبي يونس بأنه شك في قدرة الله، وهذا كفر، فحين أرسله الله إلى أهل نينوى لم يذهب إليهم، وذهب إلى البحر {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء: 87).
والجواب: أن القارئ لن يجد كتابًا عند أمة من الأمم يعظم الأنبياء كما عظمهم القرآن الكريم، فهو الكتاب الوحيد الذي ينزه الأنبياء عن الكبائر والنقائص، فضلًا عن الكفر والشرك بالله تعالى.
وقد فضل الله يونس مع إخوانه الأنبياء على العالمين: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 86).وإنما أُتي القائل لهذه الشبهة من سوء فهمه للآية، فليس مقصودها أن يونس ظن أنه معجز الله بهربه، بل المعنى أنه ظن أن الله لن يقدر عليه، أي لن يضيق عليه ويلومه في ترك قومه حين لم يستجيبوا لدعوته، فهي كقول الله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله} (الطلاق: 7) أي ضُيِّق عليه.
ومثله قوله تعالى: {الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ} (الرعد: 26)، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس - رضي الله عنه - وعن غيره من التابعين (1).وحفاظًا على منزلة يونس بن متى في قلوب المؤمنين نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تفضيل المرء نفسه على هذا النبي الكريم: «لا ينبغي لعبد أن يقول إنه خير من يونس بن متى» (2)، وفي رواية: «من قال: أنا خير من يونس بن متى؛ فقد كذب» (3)، فثبت بذلك براءة القرآن من فرية الإساءة إلى يونس عليه السلام.
المصدر:
منقذ السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص148