شبهة حول الجنة والخمر

شبهة حول الجنة والخمر | مرابط

الكاتب: منقذ السقار

891 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أصل الشبهة

قالوا: إذا كان الله لا يجعل المحرم جزاء للمؤمنين، فما باله جعل الخمر جزاء لهم؟!

والجواب: حرم الله الخمر لما فيها من تعطيل لموهبة العقل التي منحها الله للإنسان، والتي ميزه بها عن الحيوان، فقد بعث الله الأنبياء وأنزل الشرائع لحراسة هذا المقصد النبيل، فحرَّم قليل الخمر وكثيرها «ما أسكر كثيره فقليله حرام» (1)، ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر كل مساهم في شيوع فسادها، يقول أنس - رضي الله عنه -: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها وآكل ثمنها، والمشتري لها والمشتراة له» (2).

فإذا عرفت علة التحريم لخمر الدنيا؛ عرف علة كونها حلالاً بل جزاء للمؤمنين في الآخرة، فخمر الجنة ليس فيها واحدة من المزريات الموجودة في خمر الدنيا، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء) (3).

ولقد وصف الله خمر الجنة بأحسن الوصف، ونزهها عما يعتري خمر الدنيا من الفساد، فلئن كانت خمر الدنيا مما يستقبح طعمه؛ فإن خمر الجنة لذة للشاربين: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} (محمد: 15).

 

خمر الجنة وخمر الدنيا

ولئن كانت خمر الدنيا المحرمة تذهب العقل؛ فإن خمر الجنة ليست كذلك:

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} (الصافات: 45 - 46)، فاختلاف الأحكام لاختلاف الخواص والصفات.
ولئن كانت خمر الدنيا تصدع رؤوس أصحابها وتمرضهم؛ فإن خمر الجنة منزهة عن ذلك، فالولدان المخلدون يطوفون عليهم {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ} (الواقعة: 18 - 19).

قال الطبري: " لا في هذه الخمر غول، وهو أن تغتال عقولهم، يقول: لا تذهب هذه الخمر بعقول شاربيها كما تذهب بها خمور أهل الدنيا إذا شربوها فأكثروا منها، كما قال الشاعر:

وما زالت الكأس تغتالنا ... وتذهب بالأول الأول" (4)

وأكد الله هذه الخاصية لخمر الجنة بقوله: {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} (الصافات: 47)، قال الطبري: "من الإنزاف بمعنى: ذهاب العقل من السكر، ومنه قول الأبيرد:

لعمري لئن أنزفتموا أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا " (5)

وهكذا يستبين للمنصف خطأ وتجني أصحاب الفهوم المعوجة أو المنكوسة على القرآن الكريم الذي أرسى فضائل الأخلاق ومعالي الآداب، وأقام حضارة ذخرت بالقيم التي لم تعرفها من قبل ولا من بعد أمة من أمم العالمين.

 


 

المصدر:

د. منقذ بن محمود السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص206

 

الإشارات المرجعية:

(1) أخرجه الترمذي ح (1865)، والنسائي ح (5607)، وأبو داود ح (3681)، وابن ماجه ح (3393).
(2) أخرجه الترمذي ح (1295)، وابن ماجه ح (3381)، وأحمد ح (4772).
(3) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 66).
(4) جامع البيان، الطبري (21/ 37).
(5) المصدر السابق (21/ 40).

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تنزيه-القرآن-الكريم
اقرأ أيضا
اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات المرأة

اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني


ومعنى غض البصر صرفه عن النظر الذي هو وسيلة الفتنة والوقوع في فساد ومن ذا الذي يجمع الفتيان والفتيات في غرفة وينتظر من هؤلاء وهؤلاء أن يصرفوا أبصارهم عن النظر ولا يتبعوا النظرة بأخواتها وهل يستطيع أحد صادق اللهجة أن يقول: إن أولئك المؤمنين والمؤمنات يحتفظون بأدب غض أبصارهم من حين الالتقاء بين جدران الجامعة إلى أن ينفضوا من حولها والشريعة التي تأمر بغض النظر عن النظر إلى السافرات تنهى أولي الأمر عن تصرف شأنه أن يدفع الفتيان والفتيات إلى عواقب وخيمة

بقلم: محمد الخضر حسين
1810
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج3 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج3


ومن عيوب الديمقراطية تعارض المصالح الفردية والمصالح الجماعية فإن الديمقراطية من حيث هي منهج ونظرية تصور لكل إنسان أنه سيحقق رغبته كما يراها بينما الواقع العملي لها هو أن الذي يحقق رغبته هم مجموعة محددة كما بينا أما الديمقراطية المستوردة التي استوردها كثير أو بعض بلدان المسلمين فقد أصبحت مطية وحذاء ونعالا ينتعلها هؤلاء متى شاءوا ويتركونها متى شاءوا فينتعلونها في مصالحهم ويقذفون بها في غير مصالحهم وأصبحت لعبة يتلاعب بها كثير من الناس

بقلم: عبد الرحيم السلمي
748
أسباب تخلف أثر الدعاء | مرابط
اقتباسات وقطوف

أسباب تخلف أثر الدعاء


والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا

بقلم: ابن القيم
644
من صور الاعتداء على حقوق الآخرين | مرابط
فكر

من صور الاعتداء على حقوق الآخرين


من صور الاعتداء على حقوق الآخرين: التدخين في مكان عام يشارك فيه المدخن أناس يتأذون من رائحته الكريهة وفيهم المريض وصغير السن فكم هو مقدار الأنانية في مكنون هذه الشخصية العجيبة يا أخي إن كنت مصرا ولا تقبل النصيحة فتقلع عن التدخين فاقتل نفسك بعيدا عنا ولا نحب لك ذلك.

بقلم: د. جمال الباشا
404
مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني


بعدما وصلت الموجة العلمية كل العالم تقريبا والتحديثات قد طالت كل شيء في الحياة ظهرت بعض الأدعياء يقولون أن هذا العالم الجديد لا مكان للدين فيه بل ظهرت نظرية جديدة في الطرف المقابل مضمونها أن الأديان وإن كانت عريقة في القدم لكن تقدمها الزماني لا يكسبها صفة الثبات والخلود بل هو بالعكس يطبعها بطابع الشيخوخة والهرم وينذر بأن مصيرها إلى الاضمحلال والفناء وفي هذا المقال بجزئيه رد على هذه النظرية وتلك الأباطيل

بقلم: محمد عبد الله دراز
1851
دعوات غربية متفرقة للعودة إلى الفطرة | مرابط
فكر تفريغات المرأة

دعوات غربية متفرقة للعودة إلى الفطرة


إن دعاة الحضارة والمدنية اليوم متأخرون جدا فأوروبا التي يزعمون أنها أم الحضارة والرقي تصرخ اليوم فالمرأة هناك التي يسمونها متحضرة تبكي صارخة مولولة لأنها فقدت سعادتها وأمومتها وبيتها وهذا الكلام نقل في الصحف والمجلات من مصادر علمية موثقة

بقلم: عمر الأشقر
503