الطعن في كثرة أحاديث أبي هريرة

الطعن في كثرة أحاديث أبي هريرة | مرابط

الكاتب: محمد أبو شهبة

2388 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ملخص: من أكثر الصحابة الذين تعرضوا لسهام النقد والطعن، سيدنا أبو هريرة، رضي الله عنه، ولا تجد منكرًا للسنة إلا وهو يطعن في أبي هريرة، رضي الله عنه، نظرًا لكثرة الأحاديث التي رواها وتفرغه لرواية السنة النبوية، وهذا مما يغيظهم، ويبدو أن المستشرقين تلقفوا هذه السهام وزادوها حدة، وتبعهم من تبعهم من أهل الأهواء، أمثال محمود أبو رية، وفي هذا المقال يرد الكاتب محمد أبو شهبة على الأباطيل التي أثارها فيما يخص كثرة روايات أبي هريرة.

 

في [ص 162] و[163] أخذ المؤلف -يقصد أبا رية- على الصحابي الجليل أبي هريرة أنه كان أكثر الصحابة حَدِيثًا عن رسول الله، على حين أنه لم يصاحب النَّبِيَّ إِلاَّ نحو ثلاث سنين، وقد ذكر أبو محمد بن حزم أن " مسند بقي بن مخلد " قد احتوى من حديث أبي هريرة على (5374) ... إلخ ما قال.

 

خَصَائِصُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَسْبَابُ إِكْثَارِهِ:

 

وأحب أنْ أقول للمؤلف وأمثاله:

 

التفرغ وقلة الشواغل

[أ] ما وجه الغرابة في كثرة رواية سيدنا أبي هريرة، مع حداثة صحبته بالنسبة لغيره، مع أن الثلاث السنين ليست بالزمن القصير في عمر الصحبة؟ وليس ذلك ببدع في العقل ولا العادة، فكم من شخص قد يجمع في الزمن القليل ما لا يجمعه غيره في أضعافه، والذكاء والإقبال على العلم والتفرغ من الشواغل الدنيوية، كل ذلك يساعد على الإكثار من الجمع والتحصيل، وإنا لنجد في عصورنا المتأخرة بعض التلاميذ والمريدين الذين لازموا أساتذتهم وشيوخهم مدة وجيزة، يقيدون عنهم الكتب والمجلدات ويحفظون عن ظهر قلب من كلامهم ما يربوعلى ما حفظه أبوهريرة عن رسول الله، وذلك على فرق ما بين عصرنا وعصرهم، وما بينهم وبين أبي هريرة من جهة التفرغ والاستعداد وتكاليف الحياة.
 
وأحب أن لا يعزب عن بالنا أن هذه الخمسة الآلاف والثلثمائة والأربعة والسبعون حديثًا الكثير منها لا يبلغ السطرين أوالثلاثة، ولو جُمعت كلها لما زادت عن جزء، فأي غرابة في هذا؟

 

[ب] إن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان رجلا لا أرب له في الدنيا وكان رَاضِيًا بالشيء اليسير، ولم يكن من الأهل والولد - آنذاك - ولا من التجارة والزراعة ما يشغله - فكان هَمُّهُ ملازمة رسول الله على ما يقيم صلبه وسأدع أبا هريرة يُفْصِحُ لنا عن السِرِّ في كثرة ما حفظ وروى.روى " البخاري " و" مسلم " وغيرهما - واللفظ للبخاري - عن أبي هريرة: «إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُوهُرَيْرَةَ وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (1) إِلَى قَوْلِهِ: {الرَّحِيمُ} (2). إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ».

 

ولقد كان من دواعي إكثاره اَيْضًا تفرغه للعلم والرواية والفتيا بعد الرسول، حتى لقد رغب عن الإمارة لما طلبه إليها عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بعد أن عزله كما قدمنا هذا إلى ما امتاز به من ذاكرة وَقَّادَةٍ وحافظة قوية بِسَبَبِ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، ذَلِكَ أَنَّهُ شَكَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسْيَانَهُ فَقَالَ لَهُ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ» قَالَ: فَبَسَطْتُهُ، فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدُ (3).

 

القدرة على الحفظ

وقد عد العلماء هذا من معجزاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد كان أبوهريرة أحفظ الصحابة للحديث في عهده، روى النَّسَائِيُّ بسند جيد في العلم من كتاب " السنن "، والحاكم في " المستدرك ": أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: «كُنْتُ أَنَا وَأَبُوهُرَيْرَةَ وَآخَرٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ادْعُوا فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، وَأَمَّنَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى، فَأَمَّنَ النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: وَنَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: سَبَقَكُمَا بِهَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ» وخرج البخاري في " التاريخ " من حديث محمد بن عمارة بن حزم: «أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مَشْيَخَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَجَعَلَ أَبُوهُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحَدِيثِ فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ فَيُرَاجِعُونَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفُوهُ ... فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ».

 

وَمِمَّا يدل على حفظه اَيْضًا ما ذكره الحافظ ابن حجر في " الإصابة "، قَالَ أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ: «أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، وَكَانَ أَجْلَسَنِي خَلْفَ السَّرِيرِ أَكْتُبُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي رَأْسِ الحَوْلِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ، فَمَا غَيَّرَ حَرْفًا عَنْ حَرْفٍ»، وقد عرف هذه الخصيصة لأبي هريرة الصحابة ومن جاء بعدهم من الأئمة، فهذا ابن عمر يقول: «إِنْ كُنْتَ لأَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ وَأَعْرَفَنَا بِحَدِيثِهِ» وهذا هو إمام الأئمة الشافعي يقول: «أَبُوهُرَيْرَة أَحْفَظ مَنْ رَوَى الْحَدِيث فِي عَصْره» فكيف بعد هذا يجوز أن نتخذ من كثرة روايته وحفظه للحديث - حتى نشر منه ما لم ينشر غيره - بَابًا للطعن عليه في صدقه وأمانته؟

 

فالإكثار من الرواية مرجعه إلى طول الملازمة وعدم الشواغل الدنيوية، وقلة تكاليف الحياة والتفرغ للعلم والتعليم والفتيا، وعدم الاشتغال بشؤون الحُكْمِ والسياسة وتأخر الوفاة، وليس مرجعه إلى الفضل والمنزلة في الدين كما حاول المؤلف في صدر كلامه عن أبي هريرة أن يربط بينهما، ألا ترى إلى الخلفاء الثلاثة - على منزلتهم في الدين، ومكانتهم في الفضل ولصوقهم برسول الله - لم يكن لهم من التفرغ للعلم، والتخلي عن شؤون الدولة المترامية الأطراف، مَا يُهَيِّئُ لهم الإكثار من الرواية، فمن ثَمَّ قَلَّتْ روايتهم، أما الخليفة الرابع فإنه لما تأخرت وفاته وتهيأ له من التفرغ للعلم والفتيا ما لم يتهيأ لهم فقد كثرت مروياته (4)، فمحاولة الربط بين المنزلة في الدين وكثرة الرواية ليس من التحقيق العلمي في شيء، وقد أدرك السابقون ذلك، روى الأعمش عن أبي صالح قال: «كَانَ أَبُوهُرَيْرَةَ مِنْ أَحْفَظِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ بِأَفْضَلِهِمْ».

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. [سورة البقرة، الآية: 159].
  2. [سورة البقرة، الآية: 160].
  3. قد شَكَّكَ المؤلف في هذه القصة وحاول إنكارها، وقدوته في ذلك هوالمستشرق اليهودي جولدتسيهر.
  4. " الاتقان ": 2/ 187.

 

المصدر:

  1. محمد بن محمد أبوشهبة، دفاع عن السنة، ص103
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أبو-هريرة #السنة-النبوية
اقرأ أيضا
أراكان مأساة شعب يباد | مرابط
تاريخ توثيقات

أراكان مأساة شعب يباد


وكانت بورما منذ سيطرتها على أراكان المسلمة عام 1784م تحاول القضاء على المسلمين ولكنها فقدت سلطاتها بيد الاستعمار البريطاني عام 1824م وبعد مرور أكثر من مائة سنة تحت سيطرة الاستعمار نالت بورما الحكم الذاتي عام 1938م وأول أمر قامت به بورما بعد الحكم الذاتي هو قتل وتشريد المسلمين في جميع مناطق بورما حتى في العاصمة رانجون واضطر أكثر من 500000 خمسمائة ألف مسلم إلى مغادرة بورما

بقلم: ياسر الفخراني
704
من أخلاق الكبار: أخلاق النبي مع أهله | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: أخلاق النبي مع أهله


وأنت أيتها المرأة إذا صدرت من الزوج كلمة هل تحسبينها له في ملف وسجل ثم لا تنسين هذه الإساءة والخطأ؟ وإذا كان لك خادمة أو أنت أيها الرجل كان لك سائق خادم فأخطأ في حقك وقصر فلو كسرت الخادمة إناء كيف تصنعين بها؟ هذا النبي ﷺ كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما جاءه رجل فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت ثم أعاد عليه فصمت فلما كان الثالثة قال: اعف عنه في كل يوم سبعين مرة الحديث أخرجه أبو داود

بقلم: خالد السبت
438
شبهة: هل نستجيب للنص أم لأقوال الفقهاء؟ | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

شبهة: هل نستجيب للنص أم لأقوال الفقهاء؟


الفقهاء ليسوا معصومين ولا يلزم أن يصيب كل واحد منهم الحق بل لا يلزم أن يصيبه أكثرهم وإن كان لا يخرج عن مجموعهم لكن المسلم غير المتفقه في الدين إذا اتبعهم فقد استجاب لأمر الله له وأبرأ ذمته وإن أخطأوا أما من اتبع هواه واستحسن رأيه من غير تفقه في الدين أو سؤال من انشغل بذلك فقد خالف أمر الله وإن أصاب الحق في نفس الأمر وعرض نفسه بذلك للإثم والعقوبة

بقلم: كريم حلمي
348
ليلة في بيت النبي الجزء الخامس | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الخامس


والذي يركب الخيل ويدمن ركوبها تنتقل صفات الخيل إليه ومن تلك الصفات: الكبر وقد ورد هذا في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: الكبر والبطر في أهل الخيل والسكينة والوقار في أهل الغنم فالغنم تنزل رأسها وتمشي في طريقها فكل واحد يأخذ من صفات ما يعايشه من الحيوان فهذا المنظر التعيس البريء الحزين -منظر الغنم- إذا ظل طوال عمره فيه فلابد أنه سيأخذ بعض هذه الصفات في الانكسار والثاني الراكب على خيل والخيل يقفز ويتراقص به وما إلى ذلك فينتقل إليه هذا الشعور

بقلم: أبو إسحق الحويني
693
جهاد النفس ومنعها من شهواتها | مرابط
مقالات

جهاد النفس ومنعها من شهواتها


حدثني محمد بن عبيد الله ثنا عثمان بن مطر عن ثابت عن مطرف بن عبد الله أنه كان يقول: يا إخوتاه اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما ترجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات الجنة وإن يكن الأمر شديدا كما تخاف وتحذر لم نقل: ربنا أرجعنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك

بقلم: ابن أبي الدنيا
586
التحدي الأعظم ج1 | مرابط
تعزيز اليقين

التحدي الأعظم ج1


جوانب الإعجاز في القرآن الكريم لا تكاد تنقضي وكلما تأملته وتدبرته ظهرت لك تفاصيل إعجازية لم تعلم عنها من قبل سواء في لغته أو بنائه أو محتواه العلمي أو تنبؤاته إلخ وهذا الأمر ليس محصورا على العرب والمسلمين وإنما متاح لكل من يتدبر بل إن من أشهر الآيات المعبرة عن هذا الجانب قوله تعالى في سورة فصلت: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ۗ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد 53 ومن السياق يتضح أن الآية تتحدث عن الكفار والحاصل فعلا هو أن الإعجاز العلمي في العصور المتأخرة يقوم غا...

بقلم: موقع هداية الملحدين
1323