ألهاكم التكاثر

ألهاكم التكاثر | مرابط

الكاتب: ابن القيم

1579 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فَائِدَة قَوْله تَعَالَى أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ إِلَى آخرهَا، أخلصت هَذِه السُّورَة للوعد.. الْوَعيد والتهديد وَكفى بهَا موعظة لمن عقلهَا فَقَوله تَعَالَى "أَلْهَاكُمُ" أَي شغلكم على وَجه لَا تعتذرون فِيهِ فَإِن الإلهاء عَن الشَّيْء هُوَ الِاشْتِغَال عَنهُ فَإِن كَانَ بِقصد فَهُوَ مَحل التَّكْلِيف وَإِن كَانَ بِغَيْر قصد كَقَوْلِه فِي الخميصة: إِنَّهَا ألهتني آنِفا عَن صَلَاتي، كَانَ صَاحبه مَعْذُورًا وَهُوَ نوع من النسْيَان وَفِي الحَدِيث فلهَا عَن الصَّبِي، أَي ذهل عَنهُ، وَيُقَال لَهَا بالشَّيْء أَي اشْتغل بِهِ وَلها عَنهُ إِذا انْصَرف عَنهُ، وَاللَّهْو للقلب واللعب للجوارح، وَلِهَذَا يجمع بَينهمَا وَلِهَذَا كَانَ قَوْله "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ" أبلغ فِي الذَّم من شغلكم فَإِن الْعَامِل قد يسْتَعْمل جوارحه بِمَا يعْمل وَقَلبه غير لاه بِهِ فاللهو هُوَ ذُهُول وإعراض، وَالتَّكَاثُر تفَاعل من الْكَثْرَة؛ أَي مكاثرة بَعْضكُم لبَعض، وَأعْرض عَن ذكر المتكاثر بِهِ إِرَادَة لإطلاقه وعمومه وَأَن كل مَا يكاثر بِهِ العَبْد غَيره سوى طَاعَة الله وَرَسُوله وَمَا يعود عَلَيْهِ بنفع معاده فَهُوَ دَاخل فِي هَذَا التكاثر؛ فالتكاثر فِي كل شَيْء من مَال أَو جاه أَو رياسة أَو نسْوَة أَو حَدِيث أَو علم وَلَا سيّما إِذا لم يحْتَج إِلَيْهِ، وَالتَّكَاثُر فِي الْكتب والتصانيف وَكَثْرَة الْمسَائِل وتفريعها وتوليدها وَالتَّكَاثُر أَن يطْلب الرجل أَن يكون أَكثر من غَيره وَهَذَا مَذْمُوم، إِلَّا فِيمَا يقرّب إِلَى الله. فالتكاثر فِيهِ مُنَافَسَة فِي الْخيرَات ومسابقة إِلَيْهَا. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عبد الله بن الشخير أَنه انْتهى إِلَى النَّبِي وَهُوَ يقْرَأ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ قَالَ يَقُول ابْن آدم مَالِي وَهل لَك من مَالك إِلَّا مَا تصدّقت فأمضيت أَو أكلت فأفنيت أَو لبست فأبليت تَنْبِيه من لم ينْتَفع بِعَيْنِه لم ينْتَفع بأذنه.

 


المصدر:

  1. ابن القيم، الفوائد، ص30
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
ليس هذا زمن اليأس! | مرابط
مقالات

ليس هذا زمن اليأس!


وقد وجد يعقوب ريح يوسف -عليهما السلام- مع ما بينهما من الحجب والمسافات.. وإن لضياء الفجر مقدمات لا يبصرها النائمون وإنما يستأثر برؤيتها القائمون. فيا لطول حسرة اليائسين القاعدين إذا رأوا العاملين وقد قطفوا -في الغد- الثمار ويا لشدة حسرة المنتكسين إذا أبصروا الثابتين وقد حمدوا -عند الوصول- السرى وطول الأسفار.

بقلم: أحمد يوسف السيد
356
أهمية الإعراض عن الشبهات والبعد عنها خشية الافتتان بها | مرابط
مقالات

أهمية الإعراض عن الشبهات والبعد عنها خشية الافتتان بها


إن من أعظم المجالس التي قد يبتلى بها المؤمن: مجالسة أصحاب الشبهات الذين لا يجدون شيئا للحديث فيه إلا المتشابه من القرآن وتقليب الشبهات وإن كان ظاهرا بغرض الرد عليها وفقد توالت الأخبار عن السلف الصالح بأنهم يتجنبون الشبهات بكل شكل ممكن خوفا على قلوبهم أن تفتن وفي هذا المقال توثيق لكلام كثير من السلف وأهل العلم

بقلم: عمار محمد أعظم
2142
الأسباب والنتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

الأسباب والنتائج


كثيرا ما يرتبط في أذهاننا أن قوة النتائج مرتبطة بما يظهر من قوة الأسباب في مظاهرها وغطائها المادي ولذلك تهفو النفوس للتعلق بالسبب كثيرا ما يمور في عقولنا تصورات مسبقة أن أقوى الناس هم أولئك الذين يملكون أقوى الأسباب المادية وقد أثار انتباهي تنبيه لطيف لأحد السلف يزلزل هذه القناعات والتصورات المطمورة وقد نقله أبو العباس ابن تيمية واحتفى به في عدة مواضع من كتبه

بقلم: إبراهيم السكران
851
مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج2 | مرابط
مناظرات

مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج2


اشتهر أبو بكر الباقلاني بمفصاحته وقدرته على المناظرة والبيان والذب عن الإسلام وقد ناظر في عهده الكثير من النصارى أشهر هذه المناظرات كانت لما أرسله عضد الدولة إلى ملك الروم الأعظم ليظهر له رفعة الإسلام ويناظره في معتقده وبالفعل جرت المناظرة بينهما واستعان ملك الروم بكثير من علماء النصارى حتى يقدروا عليه وكان المناظرة سبب في إسلام الكثير من النصارى وأظهر الباقلاني فصاحة عالية ورؤية ثاقبة وقدرة مبهرة على الرد والبيان

بقلم: القاضي عياض
2127
الروح الدينية والعصبية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الروح الدينية والعصبية


وفإنك لتجد المسلمين يختلفون في كل شيء حتى في الدين نفسه ولا تجدهم إلا شعورا واحدا بالروح الدينية العربية التي مساكها الكتاب والسنة في عربيتهما الفصيحة وهي لا سبيل إلى التغيير أو التبديل فيها لا على وجه التمصير ولا على وجه آخر وسواء أكان في ذلك إصلاح بين العامية والفصحى أو لم يكن

بقلم: مصطفى صادق الرافعي
651
تعظيم السلف | مرابط
فكر مقالات

تعظيم السلف


ينبوع الإحداث في دين الله كله ناشئ بسبب ضعف تعظيم السلف في عمق علمهم وكمال ديانتهم وصحة تدين المرء واهتداؤه في دين الله فرع عن تعظيم السلف واعتقاد كونهم أكمل منا دينا وعلما والمتأمل في كلام الطوائف الكلامية سابقا أو الطوائف الفكرية المعاصرة وغيرهم يجد أنهم جميعا ينظرون إلى السلف كالدروايش أو أن تجربتهم لا تلزمهم أو أنها ناجحة ولكن تجربة الخلف أذكى وأمهر وأثرى

بقلم: إبراهيم السكران
2288