تعظيم السلف

تعظيم السلف | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2290 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الإحداث في دين الله

ينبوع الإحداث في دين الله كله ناشئ بسبب "ضعف تعظيم السلف" في عمق علمهم وكمال ديانتهم، وصحة تدين المرء واهتداؤه في دين الله فرع عن تعظيم السلف واعتقاد كونهم أكمل منا دينًا وعلمًا.

 

تأمل في جمهور الطوائف الكلامية التراثية الضالة كالأشاعرة والماتريدية ونحوهم، تجدهم كلهم يرون أن (كلام السلف أسلم وكلام الخلف أعلم وأحكم)
وتأمل في كلام الطوائف الفكرية المعاصرة كلهم تجد أحسنهم قولًا يقول (تجربة السلف غنية وناجحة لكن لاتلزمنا)
أما فجّار هذه الطوائف فيعتقدون أن السلف "دراويش" !

 

كمال الهداية وكمال العلم

فبالله عليكم كيف تشهد عشرات النصوص القرآنية ومئات الأحاديث النبوية بكمال اهتداء الصحابة، وبخيرية القرون المفضلة، ومع ذلك يكون من بعدهم أبصر بدين الله منهم؟! كيف يكونون أكمل اهتداء لكنهم أجهل من غيرهم؟! كيف يكون هذا في العقل؟!

 

أليس كمال الهداية فرع عن كمال العلم؟! وهل يكون كمال الهداية مع الجهل؟!
حسنًا إذا كان أصحاب رسول الله معلمهم وشيخهم وأستاذهم هو الرسول نفسه الموحى إليه صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون معلموكم أصح من تعليم رسول الله؟! هذا طعن في كمال قيام النبي بأمانة تعليم الكتاب والحكمة.

 

والتابعون معلموهم أصحاب رسول الله، فكيف يكون معلموكم أصح من معلمين تخرجوا على يدي رسول الله؟! وهكذا فيمن بعدهم.

 

من كلام شيخ الإسلام

تأمل في ملاحظة ابن تيمية هذه:

(وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة؛ بقدر استنانها وقلة ابتداعها) الفتاوى 4/156

 

وهذه ملاحظة صحيحة بلا ريب من رجل خبر الطوائف بدقة، فكل طائفة تقترب من الاهتداء في دين الله بقدر قربها من السلف، وتبتعد بقدر بعدها عنهم.
 
وتأمل كيف يلاحظ ابن تيمية أن مؤدى اعتقادهم الحقيقي هو اعتقاد أن السلف كانوا كالدراويش، أو الصالحين من العوام، لكن لم يكونوا في غاية الدقة العلمية، كما يقول في الفتوى الحموية الكبرى:

 

(اعتمدوا على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه، فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي)

 

بالله عليك فتش في كلام الطوائف البدعية التراثية، وفي كلام الطوائف الفكرية الضالة اليوم، تجدهم مطبقين على اعتقاد أن السلف كانوا بمنزلة "صالحي العامة" وليسوا أدق من المعاصرين في تفسير النصوص، بل بعضهم يقول تطورت العلوم الانسانية وصرنا أدق من السلف في فهم النصوص! فصار مؤدى كلامهم أن هؤلاء الذين درسو اللسانيات ونحوها أفقه في معنى القرآن والحديث من أبي بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود، فأي زندقة في دين الله أكثر من ذلك؟!
 
ومن أعجب استدلالات ابن تيمية أنه لما ناقش مقولة ابن سينا التي لمز فيها الصحابة بضعف عقولهم وعظم فيها الفلاسفة حين قال ابن سينا:

(فإن المبرزين المنفقين أيامهم لسرعة الوقوف على المعاني الغامضة يحتاجون في تفهم هذه المعاني إلى فضل وشرح وعبارة فكيف غتم العبرانيين وأهل الوبر من العرب ؟)

 

فرد ابن تيمية على هذه العبارة ردًا مطولًا وفيه شدة، ثم عقب بعد ان انتهى من الرد بأن هذه الشدة إنما كانت في مقابلة هذا التطاول من ابن سينا، ومن أجمل ما في رد ابن تيمية على عبارة ابن سينا هذا الاستدلال حيث يقول:

 

(وكل أحد يعلم أن عقول الصحابة والتابعين وتابعيهم أكمل عقول الناس، واعتبر ذلك بأتباعهم، فإن كنت تشك في ذكاء مثل مالك، و الأوزاعي، والليث بن سعد، و أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل، والشافعي، و أحمد بن حنبل، و إسحاق بن إبراهيم، وأبي عبيد، وإبراهيم الحربي، وعبد الملك بن حبيب الأندلسي، و البخاري، و مسلم، وأبي داود، وعثمان بن سعد الدارمي، بل: ومثل أبي العباس بن سريج، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي القاسم الخرقي، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وغيرهم من امثالهم، فإن شككت في ذلك: فأنت مفرط في الجهل أو مكابر؛ فانظر خضوع هؤلاء للصحابة، وتعظيمهم لعقلهم وعلمهم، حتى انه لا يجترئ الواحد منهم أن يخالف الواحد من الصحابة، إلا أن يكون قد خالفه صاحب آخر، وقد قال الشافعي في الرسالة "أنهم فوقنا في كل عقل وعلم وفضل ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا) [درء التعارض:5/72-73]

 


 

المصدر:

http://www.saaid.net/Doat/alsakran/21.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #السلف-الصالح
اقرأ أيضا
التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات النسوية

التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الأول


تستعرض المؤلفة في هذا المقال بعض القواعد والأسس والكليات والأصول الدينية التي فيها رد ضمني على منطلقات التيار النسوي ومرتكزاته وأعمدته الفلسفية والفكرية سنرى هنا كيف تعامل الإسلام مع المرأة وما هي صورة المرأة في الإسلام هل فعلا هناك ظلم واقع عليها أم لا وهل هناك دونية أو نظرة استعلاء من قبل الرجل للمرأة في الإسلام أم لا وغير ذلك من التساؤلات والمرتكزات النسوية

بقلم: د وضحى بنت مسفر القحطاني
2455
الإنسان المترقب وأزمة ترحيل المهام | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإنسان المترقب وأزمة ترحيل المهام


الإنسان المترقب قد يكون يرفل في ربيع العمر ويحرق سنواته الذهبية بلا مبالاة من يشعل سيجارة لصديق وضع يده على جيبه ولم يجد ولاعته وأخذ ينفث الزمن في الهواء الإنسان المترقب حدث تحول مهم في حياته كان يتابع الجدل والردود المتبادلة ونقائض التيارات عبر المنتديات الإلكترونية ثم صار اليوم يتابعها عبر شبكات التواصل هذا كل ما في الأمر

بقلم: إبراهيم السكران
575
من علوم اللغة: النحو | مرابط
تفريغات لسانيات

من علوم اللغة: النحو


الشافعي رحمه الله لم يشتغل بدراسة العلم حتى جلس في قبيلة هذيل وحتى حفظ عشرين ألفا من أشعارهم ونحو هذا كثير جدا في حال سلفنا فمن لم يكن ذا سلاح من علم النحو لا يمكن أن يفهم ولا أن يفتي في كثير من المسائل

بقلم: محمد الحسن الشنقيطي
382
إرادة العبد | مرابط
تعزيز اليقين

إرادة العبد


حسنا هل لإرادة العبد وقدرته تأثير؟ فالجواب أن التأثير لفظ مجمل إن أريد التأثير المستقل عن الله فباطل وإن أريد التأثير السببي فهذا حق والتأثير السببي يكون بقدرة تامة وإرادة جازمة للعبد مع مشيئة الله بتوفيق العبد التي مدارها على الإعانة وحبس المانع المعارض عنه.

بقلم: إبراهيم السكران
506
القواعد العشر في الدعوة إلى الله | مرابط
مقالات

القواعد العشر في الدعوة إلى الله


اجعل الله غايتك على كل حال. واتخذه هدفا لدعوتك: تتعرف عليه وتعرف به تكن أحسن القائلين في الدين. اجعل تنظيمك أو جماعتك خادمة لله ولا تجعل الله خادما لتنظيمك أو جماعتك واحذر! فهذا منزلق قلما يسلم منه أحد من المتحزبين. فتدبر .. ! تلك لطيفة من لطائف قوله تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله فصلت:٣٣ وقد فصلنا الكلام في هذا المعنى بكتابنا البيان الدعوي معززا بأدلته الوافية هناك فارجع إليه إن شئت والله الهادي إلى الحق ولا حق سواه.

بقلم: فريد الأنصاري
319
لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟


واعلم أن الله تعالى قد يوقع بعض المخلصين في شيء من الخطأ ابتلاء لغيره أيتبعون الحق ويدعون قوله أم يغترون بفضله وجلالته؟ وهو معذور بل مأجور لاجتهاده وقصده الخير وعدم تقصيره ولكن من تبعه مغترا بعظمته بدون التفات إلى الحجج الحقيقية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكون معذورا

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
448