وإن الغضب لله والغيرة على حرماته من أهم نتائج الإيمان وعلاماته وكما أن محبة الله مقترنة بمعرفته ملازمة لها فإن الغيرة لا تنفك عن المحبة.
وإن المحب يغار وغيرته تلك علامة حبه، وبذلك نفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن مشاعر المؤمن تجاه حرمات الله: إن المؤمن يغار، والله أشد غيرة.
وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه؛ فهو يحب عبده ويغار أن يلقي عبده بنفسه في حبائل عدوه. والمؤمن المحب لله يغار ويغضب إذا ما انتهكت حرمات مولاه أو تطاول أحد على مقامه.
بل إن الجمادات التي يسميها الناس بغير العاقلة تغضب لله وتغار على مقامه أن يساء إليه. لقد كادت السماوات أن تتفطر والأرض أن تتشقق والجبال أن تتهدم لقول فيه تطاول على مقام من لم يلد ولم يولد ولم يتخذ صاحبة ولا ولدًا.
"وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا"
"لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا"
"تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا"
"أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا"
"وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا"تأمل رد فعل تلك المخلوقات حين سمعت ذاك القول وقارن بينه وبين رد فعل أقوام لا تتمعر وجوههم ولا تختلج قلوبهم عند سماع سب دينهم والتطاول على مقام ربهم والانتهاك المتواصل لحرماته.
هل هي قلوب لم تعرفه فلم تحبه فلم تغر على حرماته؟ أم هي قلوب أقسى من تلك الحجارة؟ حجارة الجبال التي تكاد تخر غضبًا لله.
المصدر:
محمد علي يوسف، طرقات على باب التدبر، الجزء الأول، ص257