![عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء | مرابط](/images/articles/thumbnail/murabet.com_ta9yzqr.png)
"إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"
تدبر هذه الآية وفكر فيها جيّدًا. يصر أتباع الداروينية المتأسلمة أن خلق آدم عندما جاء من تراب قد كان عبر ملايين السنين وعبر التطور من تراب، فخلية بكتيرية فكائنات متعددة مثل الفأر ثم القردة ثم أشباه الإنسان ثم آدم عليه السلام الذي جاء من أب وأم. وحجتهم الدائمة في ذلك أن آدم هو أول البشر وبالتالي فهذا هو المقصود بأن خلقه قد تم من تراب فهو أصل الكائنات الحية. ما هو دليلهم على نجاح هذه النظرية؟ هو اعتبارهم (ثم) تفيد التراخي. فيعتبرون الآيات التالية "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ" هي أكبر دليل على التطور ﻷن (ثم) هنا تفيد التراهي، إذن بين آدم والطين ملايين السنوات، هي ما تعنيه كلمة ثم هنا.. ولم يخلق آدم مباشرة.
وهذه النظرية بكافة أبعادها تهتز أمام الآية التي ذكرت أولًا، فقد قال الله سبحانه وتعالى أن عيسى عليه السلام قد خُلق بنفس الكيفية، ليس عن طريق تزاوج جنسي بين أب وأم، وثم هنا لم تكن تفيد التراخي طبعًا. وإلا لزم أن نؤمن أن عيسى عليه السلام كان نتاج عملية جنسية بين أب وأم وهذا لم يحدث يقينًا ومن يؤمن بهذا يخالف القرآن صراحة. إذن (ثم) في خلق سيدنا عيسى عليه السلام لم تفد التراخي الذي يُستنتج منه وجود ملايين النوات قبل خلقه. ألا يهدم هذا ذلك التأويل المتكلف الذي ادعوا صحته؟ لقد كان جل اعتمادهم على (ثم) هذه ولم تكن بذات المعنى في آيات داخل سياق مماثل! لم تكن تعني ملايين السنوات بل كانت تعني أن الحدث وقع تلو الحدث مباشرة.
ثم ألا يزيد ذلك التأويل ابتعادا حقيقة أن الله قد اختار عيسى الذي نتج من حالة خلق خاص لا يخالف فيها أحد (غاب المني المذكر على الأقل في خلق عيسى عليه السلام وهو ما يعني أن العملية الجنسية غائبة تماما) ليُثبت أن حالته من هذه الجهة هي نفس حالة آدم عليه السلام؟ خلقه من تراث ثم قال له كن فيكون. معنى هذا إخبار الله لنا أن خلق عيسى لم يتم بالعملية الجنسية وإنما بالأمر المباشر -تماما كما حدث في خلق آدم- هذا الله سبحانه وتعالى يخبرنا بتماثل الحالتين في جانب الخلق المباشر فكيف لأحدهم أن ينفي هذا التماثل؟
إن كل مسلم يؤمن بأن خلق عيسى عليه السلام قد جاء بكلمة، جاء عبر خلق إعجازي خاص مباشر يخالف الطبيعة. وهذه مسألة لا خلاف عليها بين الجميع، فكيف يؤمن أن هذا لم يتم مع آدم عليه السلام ويرفض تماثل الحالتين بينما الله سبحانه وتعالى جاءنا بآية واضحة تماما لا لبس فيها أنهما متماثلان من جهة الخلق بالأمر المباشر؟
الآية واضحة أيضًا في أن كلاهما جاءا بأمر خاص للتحول مع اختلاف المسار بعد ذلك: آدم عليه السلام ظهر مباشرة كناضج وعيسى عليه السلام ظهر كجنين فطفل فشاب ناضج، الفرق في المسار النهائي بعد ذلك لكن مسار النشأة واحد: عدم، ثم تراب، ثم أمر مباشر بالخلق، فنفخ للروح. وظاهر مقصود الله من الآية إثبات تماثل مسار النشأة الأولى مع اختلاف المسار النهائي. ومن ناحية السنة فهي تحسم القضية تماما لصالح خلق آدم بصورة خاصة من غير أب ولا أم.
المصدر:
عمرو عبد العزيز، الداروينية المتأسلمة، ص155