نظرية التطور والاحتجاج بخلق آدم

نظرية التطور والاحتجاج بخلق آدم | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

744 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

"إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"

 

تدبر هذه الآية وفكر فيها جيّدًا. يصر أتباع الداروينية المتأسلمة أن خلق آدم عندما جاء من تراب قد كان عبر ملايين السنين وعبر التطور من تراب، فخلية بكتيرية فكائنات متعددة مثل الفأر ثم القردة ثم أشباه الإنسان ثم آدم عليه السلام الذي جاء من أب وأم. وحجتهم الدائمة في ذلك أن آدم هو أول البشر وبالتالي فهذا هو المقصود بأن خلقه قد تم من تراب فهو أصل الكائنات الحية. ما هو دليلهم على نجاح هذه النظرية؟ هو اعتبارهم (ثم) تفيد التراخي. فيعتبرون الآيات التالية "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ" هي أكبر دليل على التطور ﻷن (ثم) هنا تفيد التراهي، إذن بين آدم والطين ملايين السنوات، هي ما تعنيه كلمة ثم هنا.. ولم يخلق آدم مباشرة.

 

وهذه النظرية بكافة أبعادها تهتز أمام الآية التي ذكرت أولًا، فقد قال الله سبحانه وتعالى أن عيسى عليه السلام قد خُلق بنفس الكيفية، ليس عن طريق تزاوج جنسي بين أب وأم، وثم هنا لم تكن تفيد التراخي طبعًا. وإلا لزم أن نؤمن أن عيسى عليه السلام كان نتاج عملية جنسية بين أب وأم وهذا لم يحدث يقينًا ومن يؤمن بهذا يخالف القرآن صراحة. إذن (ثم) في خلق سيدنا عيسى عليه السلام لم تفد التراخي الذي يُستنتج منه وجود ملايين النوات قبل خلقه. ألا يهدم هذا ذلك التأويل المتكلف الذي ادعوا صحته؟ لقد كان جل اعتمادهم على (ثم) هذه ولم تكن بذات المعنى في آيات داخل سياق مماثل! لم تكن تعني ملايين السنوات بل كانت تعني أن الحدث وقع تلو الحدث مباشرة.

 

ثم ألا يزيد ذلك التأويل ابتعادا حقيقة أن الله قد اختار عيسى الذي نتج من حالة خلق خاص لا يخالف فيها أحد (غاب المني المذكر على الأقل في خلق عيسى عليه السلام وهو ما يعني أن العملية الجنسية غائبة تماما) ليُثبت أن حالته من هذه الجهة هي نفس حالة آدم عليه السلام؟ خلقه من تراث ثم قال له كن فيكون. معنى هذا إخبار الله لنا أن خلق عيسى لم يتم بالعملية الجنسية وإنما بالأمر المباشر -تماما كما حدث في خلق آدم- هذا الله سبحانه وتعالى يخبرنا بتماثل الحالتين في جانب الخلق المباشر فكيف لأحدهم أن ينفي هذا التماثل؟

 

إن كل مسلم يؤمن بأن خلق عيسى عليه السلام قد جاء بكلمة، جاء عبر خلق إعجازي خاص مباشر يخالف الطبيعة. وهذه مسألة لا خلاف عليها بين الجميع، فكيف يؤمن أن هذا لم يتم مع آدم عليه السلام ويرفض تماثل الحالتين بينما الله سبحانه وتعالى جاءنا بآية واضحة تماما لا لبس فيها أنهما متماثلان من جهة الخلق بالأمر المباشر؟

 

الآية واضحة أيضًا في أن كلاهما جاءا بأمر خاص للتحول مع اختلاف المسار بعد ذلك: آدم عليه السلام ظهر مباشرة كناضج وعيسى عليه السلام ظهر كجنين فطفل فشاب ناضج، الفرق في المسار النهائي بعد ذلك لكن مسار النشأة واحد: عدم، ثم تراب، ثم أمر مباشر بالخلق، فنفخ للروح. وظاهر مقصود الله من الآية إثبات تماثل مسار النشأة الأولى مع اختلاف المسار النهائي. ومن ناحية السنة فهي تحسم القضية تماما لصالح خلق آدم بصورة خاصة من غير أب ولا أم.

 


 

المصدر:

عمرو عبد العزيز، الداروينية المتأسلمة، ص155

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الداروينية-المتأسلمة
اقرأ أيضا
عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء | مرابط
اقتباسات وقطوف

عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يلخص فيه عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء والموالاة والمعاداة وكيف ينقسم الناس بالنسبة لهذه العقيدة فمن كان مؤمنا وجبت موالاته ومن كان كافرا وجبت معاداته ومن جمع بين الإيمان والفجور حاز من الموالاة والبغض بقدر ما عنده من الحسنات والسيئات

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1394
يوم العمر | مرابط
مقالات

يوم العمر


إن العبد قد يكتب له عز الدهر وسعادة الأبد بموقف يهيئ الله له فرصته ويقدر له أسبابه حينما يطلع على قلب عبده فيرى فيه قيمة إيمانية أو أخلاقية يحبها فتشرق بها نفسه وتنعكس على سلوكه بموقف يمثل نقطة مضيئة في مسيرته في الحياة وفي صحيفة أعماله إذا عرضت عليه يوم العرض.

بقلم: د. جمال الباشا
261
حين يكون الرد على النسوية سببا في انتشارها | مرابط
النسوية

حين يكون الرد على النسوية سببا في انتشارها


مع انتشار موجة النسوية وما تحمله من أفكار مخالفة للشريعة فإن من الواجب على المصلحين أن يعتنوا بمقاومة هذه الموجة ويبنوا أسوار الوقاية من أضرارها وينقضوا أصولها ويكشفوا زيف شعاراتها بالحجة والبرهان. غير أن بعض من يقاوم هذه الموجة يتعامل بطريقة تزيد من انتشارها بدلا من تقليصها وهذا ما يوضحه الكاتب في مقال موجز.

بقلم: أحمد يوسف السيد
824
الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب | مرابط
النسوية

الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب


عند النظر إلى تلك الحركات والمنظمات النسوية نجد أنها نابعة من أرضية لا دينية ووليدة حكومات ومجتمعات غربية لا تملك أدنى مقومات إنصاف المرأة فالمرأة هناك تستغل أبشع استغلال لتعيش وتعيل نفسها وعائلتها أما فكرة تحرير المرأة في العالم العربي فلم تبرز إلا من خلال الاستعمار الغربي لدول المنطقة العربية فالمتأمل لواقع الشخصيات النسائية اللاتي تبنين تلك التوجهات يجدهن شخصيات تأثرت بالمدنية الغربية فضلا عن أنهن عشن ظروفا اجتماعية قاسية انعكست سلبا على فكرهن وتوجههن لاحقا

بقلم: نورة بنت عبد الرحمن الكثير
1005
جوهر المبدأ العالماني | مرابط
مقالات العالمانية

جوهر المبدأ العالماني


عرف شلدون -في موسوعته السياسية- العالمانية بأنها: فلسفة أو نظرة عالمية تشدد على المنظورين الأرضي والإنساني في مقابل الروحي أو الديني لتفسير المجتمع والسياسات وكثيرا ما يشار إليها على أنها الأنسنة والتي هي مقاربة عالمانية تلغي الإله والإلهي وفوق الطبيعي والرؤى الدينية الأخرى أو تتجاهلها عند مناقشة السياسة أو مباشرتها

بقلم: د سامي عامري
2150
وقفات مع حديث تعس عبد الدينار | مرابط
تفريغات

وقفات مع حديث تعس عبد الدينار


قال: عبد الدينار أضاف العبودية إلى الدينار لأن هذا الرجل تعلق قلبه بالدينار كما يتعلق قلب العبد بربه فكان الدينار أكبر همه فقدمه على طاعة ربه وكذلك كان حاله مع الدرهم فهذا يبين حال من يعبد الدنيا ويتذلل لها ويخضع لها فتكون مناه وغايته فيغضب من أجلها ويرضى من أجلها ولذلك سماه عليه الصلاة والسلام عبدا

بقلم: محمد صالح المنجد
2149