هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2 | مرابط

الكاتب: د منقذ السقار

664 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ب. قصص الأنبياء والأمم السابقة بين القرآن والكتاب المقدس

الموضوع الثاني الذي يشترك القرآن والكتاب المقدس في الحديث عنه، هو قصص الأنبياء والسابقين، والمفروض أننا نتحدث عن حقائق تاريخية لن تختلف بين القرآن والكتاب المقدس بل والمؤرخين.

لكن قراءة سريعة في هذا الموضوع في الكتابين تثبت فروقًا هائلة بين معطيات الأحداث التاريخية هنا وهناك، علاوة على كيفية العرض وغايته، فقصص الكتاب المقدس وردت في سياق تاريخي بحت، بينما وردت قصص القرآن في سياق الاعتبار والتدبر، مع الإعراض عن كافة التفاصيل التاريخية التي لم يحفل بها القرآن الكريم لعدم فائدتها، فالكتب الإلهية ينزلها الله للعظة، وليس للتأريخ للأمم والأشخاص.

وننبه في هذا الصدد إلى أن في القرآن قصصًا عن أنبياء وأمم لا وجود لذكرهم في كتب اليهود والنصارى، مثل: قصة هود وصالح وشعيب وذي القرنين وأصحاب الكهف وقصة موسى مع الخضر، وغيرها كثير.

وأما القدر الذي اشتركا فيه، فبينهما من التخالف فيه ما لا يحصيه إلا الله، ففي حين يعظم القرآن الأنبياء ويعتبرهم أعظم البشر وأفضلهم {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الأنعام: ٨٤ - ٨٧)، نجد في مقابله في الكتاب المقدس حديثًا عن الأنبياء على خلاف ذلك، فما من رذيلة ولا بلية إلا ونسبها الكتاب إلى أنبياء الله تبارك وتعالى.

فهارون عليه السلام النبي العظيم منزه عن الشرك وعن بناء العجل الذي بناه السامري وعبده بنو إسرائيل من دون الله (انظر طه: ٨٥ - ٨٧)، لكن التوراة تجعله بانيًا للعجل الذهبي المعبود من دون الله (انظر الخروج ٣٢/ ٢ - ٤).

وإذا كان داود في القرآن نبيًا عظيمًا {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: ١٧)، فإنه في الكتاب المقدس كان زانيًا (انظر صموئيل (٢) ١١/ ١ - ٢٦)، وقاتلًا، فقد قتل مائتين من الفلسطينيين، وقطع غلفهم، ليقدمها مهرًا لزوجته ميكال (صموئيل (١) ١٨/ ٢٧).

وأما سليمان فيصفه القرآن بالنبي الأواب: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: ٣٠)، في حين تزعم التوراة بأنه ترك وصايا الله، وبنى معابد للأصنام إرضاء لزوجاته الوثنيات (الملوك (١) ١١/ ٣ - ١١)، فهذه المفارقات العظيمة في الصورة الإجمالية، وأكثر منها في تفاصيل الأخبار، وهي جميعًا تثبت التمايز بين الكتابين بما يحيل أن يكون القرآن منحولًا من الكتاب المقدس.

 

ج. الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس

يشترك أيضًا القرآن مع الكتاب المقدس في الحديث في موضوع الأحكام التشريعية التي يشرعها الله لعباده، والمسلمون يؤمنون بوحدة أصول الشرائع الإلهية التي أنزلها الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإخوانه الأنبياء {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: ١٣)، والقرآن نزل مصدقًا لما جاء به الأنبياء {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يونس: ٣٧).

لقد كان من البدهي أن تتشابه الشرائع المنزلة على الأنبياء لوحدة المشرّع جل وعلا، ومرة أخرى نذكر أن بين الكتابين من التشابه على قدر ما في كتب القوم من الحق، فقد ذكر القرآن شريعة القصاص، وأنها شِرعة شرعها الله لليهود من قبل {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (المائدة: ٤٥)، فهذه الشريعة عدل من الله، ولذا قررها على أنبيائه وفي شرائعه، ومنها شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي قررها القرآن: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} (البقرة: ١٧٩)، ولا يعني هذا التشابه - الذي يتناسب وعدل الله - أن النبي كان ينقلها من كتبهم.

لكن التطابق ممتنع بين الشرائع القرآنية والكتابية في كثير من الصور، ففي هذه الكتب الكثير من الشرائع التي لم يذكرها القرآن، لا بل تتعارض مع قواعد التشريع القرآني الذي يرى فيها ظلمًا محرمًا، كشريعة كسر عنق الحمار "وأما بكر الحمار فتفديه بشاة، وإن لم تفده تكسر عنقه، كل بكر من بنيك تفديه" (الخروج ٣٤/ ١٩ - ٢٠).

وكذلك قتل صاحب الثور قصاصًا من الثور الذي نطح رجلا فقتله. (انظر الخروج ٢١/ ١٨ - ٣٢)، وشريعة الإكراه على الزواج بزوجة الأخ المتوفى من غير أن يكون له ولد (انظر التثنية ٢٥/ ٥ - ١٠)، وأيضًا شرائع الكهنوت وإناطة إقامة العبادات والشعائر بهم (انظر سفر اللاويين في مواضع كثيرة منه) والتي لا نجد لها أثرًا في القرآن الذي لا يوجد فيه أي مسألة أو حكم يقر النظام الكهنوتي فضلًا عن الدخول في تفاصيله.

ومن أمثلة التباين بين الكتابين أن القرآن يحرم الكثير والقليل من الخمر {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (المائدة: ٩٠)؛ فإن الكتاب المقدس يرى شربها وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، بنسيان أتعابهم وآلامهم: "أعطوا مسكرًا لهالك، وخمرًا لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد" (الأمثال ٣١/ ٧).

وفي العهد الجديد دعا بولس لشرب الخمر من غير إسراف في تعاطيه: "لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (تيموثاوس (١) ٢٣/ ٥)، والفروق كثيرة يطول المقام بتتبعها.

ونختم بذكر شهادتين لمستشرقين منصفين، أولهما المستشرق الإنجليزي لايتنر الذي يقول في كتابه "دين الإسلام": "بقدر ما أعرف من دِينَيِ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباسًا , بل قد أوحى إليه ربه, ولا ريب في ذلك".

وأما الشهادة الثانية فهي لهنري دو كاستري، وفيها يقول: "ثبت أن محمدًا لم يقرأ كتابًا مقدسًا, ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه" (١).

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، ص (١٠٨، ١٣٣).

 

المصدر:

د. منقذ السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص65
 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تنزيه-القرآن-الكريم
اقرأ أيضا
اجتياحات أزمة الرجولة | مرابط
فكر الجندرية

اجتياحات أزمة الرجولة


وتتداخل مسألة الجماليات المعممة في التطورات الحديثة لمفاهيم الرجولة من خلال إعادة إنتاج أساليب الجسد الرجولي عبر تأثير الموضة الحديثة فبحسب جوان انتويسل لعب كل من المصورين وخبراء التجميل ومصممي الأزياء من الشواذ دورا في تغيير التمثيلات الخاصة بالرجولة من خلال جماليات الموضة التي أنتجت جماليات شاذة للجسد الرجولي.

بقلم: أ. سامي الحربي
450
صناعة الحياة | مرابط
فكر

صناعة الحياة


استثمار النفس وبناء المستقبل وصناعة الحياة كلمات نسمعها كثيرا ولا مشاحة في الاصطلاح ولكن ثمة ملحظ على أغلب من يردد هذه المصطلحات.. وهذا الملحظ هو أنهم يريدون بهذا الإطلاق المعنى المادي الدنيوي الخالص ويغفلون عما هو أهم وهو المستقبل الحقيقي بعد الموت ذلك المستقبل الأبدي الذي لا يفنى.

بقلم: د. طلال بن فواز الحسان
364
المؤامرة على المرأة المسلمة ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج2


وعندما قامت الثورة الفرنسية مطالبة بما أسموه حقوق الإنسان وحرية الإنسان حصلت المرأة على شيء مما يمكن أن نعتبره اعتراف بأنها إنسان وبأن لها روح وبأنها بشر وأخذ المفكرون والأدباء يدعون إلى ذلك وإن كانت دعوتهم تتلبس بالرذيلة والكلام عن البغايا والرأفة بهن والشفقة عليهن وتتحدث عن الراهبات وأنهن منافقات ويزنين في السر وما أشبه ذلك لكن بدأ هناك شعور في أوروبا أن للمرأة روحا وأنها إنسان وليست بشيطان

بقلم: سفر الحوالي
632
السفر للخارج للتعليم | مرابط
مقالات

السفر للخارج للتعليم


في الحقيقة لا يوجد مانع بين التعليم وبين الآخرة ولكن إذا كان هناك تعارض بين التعليم الدنيوي والصلاح والاستقامة فطبيعي سنقدم الاستقامة والصلاح. وإذا كان ظني بأولادي حسن وهم على دين وخلق فالعاقل لا يرمي بهم في موطن يبيح الزنا والخمر والربا ولحم الخنزير واللواط وغيره ثم أقول بفضل الله أولادي متربيين تربية كويسة!!

بقلم: محمد سعد الأزهري
361
فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات

فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج2


ادعى الدكتور عدنان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ضرب عمار بن ياسر رضي الله عنه بقدمه في محاشه أي عورته حتى كان عمار لا يحتبس بوله واستدل على ذلك بما رواه ابن شيبة في تاريخ المدينة الجزء الثالث وطبعا نعلم جميعا ما لدى الدكتور عدنان من خلط وحقد يمرره بشكل ناعم في حلقاته وفي هذا المقال يناقش أبو عمر الباحث هذه الشبهة ويرد عليها

بقلم: أبو عمر الباحث
1630
شبهات حول المرأة: المساواة الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

شبهات حول المرأة: المساواة الجزء الثاني


يشتمل المقال على مجموعة من الشبهات المثارة حول المرأة في باب المساواة حيث يحاول العلمانيون والمشككون وأعداء الدين أن يجدوا أي باب ليدخلوا منه ويهدموا الأسرة المسلمة وفي هذه الشبهات ستجدهم يستخدمون بعض الأحاديث النبوية التي يستدلون بها على إمكان المساواة المطلقة بين الجنسين وتجدهم يستندون تارة أخرى إلى العقل والهدف في النهاية واضح والمقال يشتمل على ردود كثيرة على هذه الشبهات

بقلم: موقع المنبر
1465