في واحدة من أعجب القصص التي مرت بي أن التابعي الجليل ميمون بن مهران الذي روى عن أبي هريرة وعائشة وغيرهم، رزقه الله بابن عالم، وهو الحافظ عمرو بن ميمون بن مهران (ت145هـ)، وهو من رجال الصحيحين، وكان هذا الابن بارًا بأبيه، وقد جاء في ترجمته: (قال الحلبي: حدثني عمرو بن ميمون بن مهران، قال: خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول، فلم يستطع الشيخ يتخطاه، فاضطجعت له، فمر على ظهري) [تاريخ دمشق لابن عساكر:61/352].
فانظر إلى هذه الصورة الرفيعة من خفض جناح الذل .. فحين جاء الأب الذي أرعدت السنون مشيته فما عاد يقوى أن يعبر جدول ماء .. تحول الابن إلى جسر يغمر نفسه في الطمي كي يخطو والده فوقه بقدميه..
يا الله .. عليك رحمات ربي يا عمرو بن ميمون .. أكنت محظوظًا أن لم تر شابًا يستكثر أن يدفع عربة والده المُقعد تحت سياط الظهيرة أمام مبنى الجوازات؟!
يا شيخنا عمرو بن ميمون .. أكانت فطرتك ندية فلم يعكرها خبر شاب يستثقل مرافقة والده في مستشفى .. ينظر لوالده المغطى نصفه والمكشوف نصفه الآخر لأنابيب الحياة.. ويسارق النظر لرسائل أصحابه في الجوال تستحثه للنزهة وتراوده بصور ربيعية .. فيتكلف الأعذار ليركب الريح مع أصحابه في مسامرات الضياع؟!إيهٍ .. يا عمرو بن ميمون .. اضطجعت في جدول الماء فوق الطين ووالدك يدوسك بقدميه ليعبر الجدول .. أكنت يا عمرو بن ميمون أحد أنواع البلاغة البشرية التي يتحدث عنها قول الله (واخفض لهما جناح الذل)؟
المصدر:
إبراهيم السكران، مسلكيات، ص150