عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج2

عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج2 | مرابط

الكاتب: فهد بن سعد أبا حسين

397 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الخطبة الثانية.. الحمد لله، أما بعد:

فحينما نقرأ آيات الميراث، فإننا نتعامل مع عظمة في التشريع، نتعامل مع تشريع تولاه الله بنفسه، وتولى بيانه بنفسه، ولم يترك ذلك لأحد من البشر. ومن العجائب في باب الميراث أن كل هذه الأحكام الدقيقة التي استنبطها العلماء في المواريث مرجعها إلى أربع آيات وثلاثة أحاديث، وهذا إعجاز عظيم أفرد له العلماء علمًا قائمًا بذاته وهو علم الفرائض (أو علم المواريث)، ومع أنها أربع آيات إلا أنها وضحت تقسيم الإرث بطريقة لافتة.

 

وعادة ما نقرأ في القرآن الأحكام بإجمال في مثل الصلاة والزكاة والصيام، ونجد في السنة التفصيل، أما أحكام الميراث فجاءت مفصلة في القرآن بوضوح في بيان بليغ، وتفصيل دقيق،لايستطيع البشر أن يهتدوا إليه لولا أن هداهم الله. والله جل وعلا حينما يشرِّع الأحكام، فإنما يشرعها لحكمة عظيمة، قد يصل الإنسان إلى هذه الحكمة، وقد يصل إلى شيء منها، وقد يصل إلى ذلك بعد أمدٍ.

 

وختَم الله جل وعلا ثلاث آيات من آيات المواريث بصفة العلم، فقال تعالى: ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11]، وفي الآية الثانية: ﴿ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 12]، وفي الآية الثالثة: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].

 

الأمور التي تراعيها الشريعة

وكثيرًا ما تكون نظرة الإنسان إلى القضايا نظرة بسيطة، لكن كلما تأمَّل في القضية أكثر، وبحث أكثر، ظهر له أن النظرة البسيطة والسطحية بعيدة عن الصواب، وقد تعود للإنسان بمفاسد وعوائقَ وأضرارٍ ولو بعد أمدٍ، وقد تنفع اليوم لكنها تضر غدًا، وقد ذكر بعض الباحثين أن الشريعة في الإرث تراعي عدة أمور:

الاعتبار الأول: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى، وبين المُوَرث المتوفَّى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قلَّ النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين، فابنة المتوفى تأخذ مثلًا أكثر من والد المتوفى أو أمه، والأولاد يقدمون في الإرث على الإخوة، وهكذا، ويقدم الأخ الشقيق (من الأب والأم) على الأخ لأب، وهكذا.

 

الاعتبار الثاني: موقع الوارث من الحياة، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمُّل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للورثة، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه - وكلتاهما أنثى - وترث البنت أكثر من الأب! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب وكلاهما من الذكور.

 

الاعتبار الثالث: التكليف المالي الذي يوجبه الشرع على الوارث حيالَ الآخرين، وهذا هو الاعتبار الوحيد الذي يفرِّق فيه بين الذكر والأنثى، ليس باعتبار الجنس، ولكن باعتبار التكليف والأعباء المالية، فإذا ما تساوى الورثة في القرابة، وفي موقعهم من الحياة، فكانوا جيلًا واحدًا كالأخوة أو الأبناء، هنا ينظر الشرع إلى التكاليف والأعباء المالية المناطة بهم؛ ا.هـ، باختصار.

 

والشريعة تحرص على العلاقة الاجتماعية في الأسرة، بعيدًا عن الخصومة والعداوة بين الأرحام، وحرصت الشريعة على أن يبقى مال الميت لأهله وأقاربه، وألا يوصي بأكثر من الثلث؛ ففي صحيح البخاري برقم2742: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ".

 

ومما يذكر في هذا الباب أن وجود استبداد لبعض الوارثين، وسيطرتهم على حقوق الضعفاء، ليس ذريعة لإقصاء أحكام شرعية واستبدالها بأخرى غربية. فالواجب علينا جميعًا أن نحمَد الله على نعمة الميراث في الإسلام، وأن نقوم به كما أمر الله سبحانه.

 


 

المصدر:

شبكة الألوكة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإرث
اقرأ أيضا
شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج1


هذه دراسة نقدية تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها متتبعين في ذلك سقطاتهم ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها والله الموفق والمستعان وعلى نبيه الصلاة السلام

بقلم: شنوف عبدالهادي
2269
نفي قاعدة أن العقل أصل النقل | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

نفي قاعدة أن العقل أصل النقل


ومن أرسله الله تعالي إلي الناس فهو رسوله سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا وما أخبر به فهو حق وإن لم يصدقه الناس وما أمر به عن الله فالله أمر به وإن لم يطعه الناس فثبوت الرسالة في نفسها وثبوت صدق الرسول وثبوت ما اخبر به في نفس الأمر: ليس موقوفا علي وجودنا فضلا عن أن يكون موقوفا علي عقولنا أو علي الأدلة التي نعلمها بعقولنا

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
948
ليلة في بيت النبي الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الرابع


والرسول عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام مسلم عن شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته قالت: بالسواك فأول ما يدخل البيت يستاك وهذا نوع من إزالة الرائحة الكريهة التي يمكن أن تكون في الفم فالإنسان ينبغي عليه أن يحرص على هذا فهذه المرأة تمدح زوجها بأنه طيب العشرة ولم يفتها أن تصفه بطيب الرائحة

بقلم: أبو إسحق الحويني
632
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها


فالذي صلح به أول هذه الأمة حتى أصبح سلفا صالحا هو هذا القرآن الذي وصفه منزله بأنه إمام وأنه موعظة وأنه نور وأنه بينات وأنه برهان وأنه بيان وأنه هدى وأنه فرقان وأنه رحمة وأنه شفاء لما في الصدور وأنه يهدي للتي هي أقوم وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنه قول فصل وما هو بالهز ل ووصفه من أنزل على قلبه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لا يخلق جديده ولا يبلى على الترداد ولا تنقضي عجائبه وبأن فيه نبأ من قبلنا وحكم ما بعدنا ثم هو بعد حجة لنا أو علينا

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
1521
الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر

الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام


إن إشكالية العقل والنقل قديمة جدا وتكلم فيها العلماء وقتلوها بحثا وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ولكن في وقتنا المعاصر بدأ البعض بالتلاعب في هذه المنطقة فيقول لك: إن الإسلام الصحيح لا يخالف العقل والعبارة تشعر للوهلة الأولى أنها صحيحة ولا مشكلة فيها ولكن الحقيقة أنها تحوي سما داخلها ستعرفه في هذا المقال

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2266
الصفات المعينة على الفتوى أو الحكم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الصفات المعينة على الفتوى أو الحكم


مقتطف من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم يعرض لنا فيه نوعين من الفهم لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بهما وهما فهم الواقع ثم فهم الواجب في الواقع وفي المقتطف شرح للنوعين مع التدليل بالأمثلة العملية التي توصل الغاية والمراد من كلامه رحمه الله

بقلم: ابن قيم الجوزية
1175