عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج2

عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج2 | مرابط

الكاتب: فهد بن سعد أبا حسين

474 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الخطبة الثانية.. الحمد لله، أما بعد:

فحينما نقرأ آيات الميراث، فإننا نتعامل مع عظمة في التشريع، نتعامل مع تشريع تولاه الله بنفسه، وتولى بيانه بنفسه، ولم يترك ذلك لأحد من البشر. ومن العجائب في باب الميراث أن كل هذه الأحكام الدقيقة التي استنبطها العلماء في المواريث مرجعها إلى أربع آيات وثلاثة أحاديث، وهذا إعجاز عظيم أفرد له العلماء علمًا قائمًا بذاته وهو علم الفرائض (أو علم المواريث)، ومع أنها أربع آيات إلا أنها وضحت تقسيم الإرث بطريقة لافتة.

 

وعادة ما نقرأ في القرآن الأحكام بإجمال في مثل الصلاة والزكاة والصيام، ونجد في السنة التفصيل، أما أحكام الميراث فجاءت مفصلة في القرآن بوضوح في بيان بليغ، وتفصيل دقيق،لايستطيع البشر أن يهتدوا إليه لولا أن هداهم الله. والله جل وعلا حينما يشرِّع الأحكام، فإنما يشرعها لحكمة عظيمة، قد يصل الإنسان إلى هذه الحكمة، وقد يصل إلى شيء منها، وقد يصل إلى ذلك بعد أمدٍ.

 

وختَم الله جل وعلا ثلاث آيات من آيات المواريث بصفة العلم، فقال تعالى: ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11]، وفي الآية الثانية: ﴿ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 12]، وفي الآية الثالثة: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].

 

الأمور التي تراعيها الشريعة

وكثيرًا ما تكون نظرة الإنسان إلى القضايا نظرة بسيطة، لكن كلما تأمَّل في القضية أكثر، وبحث أكثر، ظهر له أن النظرة البسيطة والسطحية بعيدة عن الصواب، وقد تعود للإنسان بمفاسد وعوائقَ وأضرارٍ ولو بعد أمدٍ، وقد تنفع اليوم لكنها تضر غدًا، وقد ذكر بعض الباحثين أن الشريعة في الإرث تراعي عدة أمور:

الاعتبار الأول: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى، وبين المُوَرث المتوفَّى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قلَّ النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين، فابنة المتوفى تأخذ مثلًا أكثر من والد المتوفى أو أمه، والأولاد يقدمون في الإرث على الإخوة، وهكذا، ويقدم الأخ الشقيق (من الأب والأم) على الأخ لأب، وهكذا.

 

الاعتبار الثاني: موقع الوارث من الحياة، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمُّل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للورثة، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه - وكلتاهما أنثى - وترث البنت أكثر من الأب! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب وكلاهما من الذكور.

 

الاعتبار الثالث: التكليف المالي الذي يوجبه الشرع على الوارث حيالَ الآخرين، وهذا هو الاعتبار الوحيد الذي يفرِّق فيه بين الذكر والأنثى، ليس باعتبار الجنس، ولكن باعتبار التكليف والأعباء المالية، فإذا ما تساوى الورثة في القرابة، وفي موقعهم من الحياة، فكانوا جيلًا واحدًا كالأخوة أو الأبناء، هنا ينظر الشرع إلى التكاليف والأعباء المالية المناطة بهم؛ ا.هـ، باختصار.

 

والشريعة تحرص على العلاقة الاجتماعية في الأسرة، بعيدًا عن الخصومة والعداوة بين الأرحام، وحرصت الشريعة على أن يبقى مال الميت لأهله وأقاربه، وألا يوصي بأكثر من الثلث؛ ففي صحيح البخاري برقم2742: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ".

 

ومما يذكر في هذا الباب أن وجود استبداد لبعض الوارثين، وسيطرتهم على حقوق الضعفاء، ليس ذريعة لإقصاء أحكام شرعية واستبدالها بأخرى غربية. فالواجب علينا جميعًا أن نحمَد الله على نعمة الميراث في الإسلام، وأن نقوم به كما أمر الله سبحانه.

 


 

المصدر:

شبكة الألوكة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإرث
اقرأ أيضا
من براهين النبوة | مرابط
تعزيز اليقين

من براهين النبوة


وكان من حكمة الله سبحانه ورحمته أن أيد أنبياءه ورسله بالآيات والبراهين وعزز دعوتهم بالحجج والدلائل التي من شأنها أن تزيح عن الفطر حجب الشبهات وتنفي عن القلوب خبث الشهوات وتستنقذ العقول من الظلمات بإذن الله وذلك أولا بما جعل في مخلوقاته من الدلالة على خالقها وشهادتها بربوبيته وألوهيته وكماله وحكمته وفي ذلك برهان الأنبياء على ما يدعون إليه من التوحيد والإيمان بالبعث ثم بما خص به أنبياءه من الآيات القولية والحسية الدالة على صدق نبوتهم

بقلم: سعود العريفي
484
مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها | مرابط
مناظرات تعزيز اليقين

مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها


في هذا المقال جزء من مناظرة الإمام الشافعي رحمه الله مع أحد المنتسبين إلى طائفة ردت الأخبار كلها وفي هذا المقتطف يدور الحديث حول إثبات أن الحكمة هي السنة وأنها وحي من عند الله وأن الله فرض علينا ان نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم

بقلم: الإمام الشافعي
2007
التغريب: الأهداف والأساليب ج4 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج4


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2375
تفسير سورة العصر 2 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 2


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
1877
فضائل سورتي الفلق والناس | مرابط
تفريغات

فضائل سورتي الفلق والناس


فمعلوم أن التعوذ هو الالتجاء وهو أيضا نوع من أنواع الرقية والدعاء فيكتفي الإنسان بذلك فتكون حينئذ رقية وتكون كذلك أيضا تعوذا من الجان وكذلك أيضا تعوذا من العين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ويتعوذ من العين فلما نزلت اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما

بقلم: عبد العزيز الطريفي
4730
المرأة بين الماضي والحاضر | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

المرأة بين الماضي والحاضر


عاشت المرأة حقبة من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشها ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها أو وقفة تقفها بين يدي ربها أو عطفة تعطفها على ولدها أو جلسة تجلسها إلى جارتها وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام فتحب زوجها كما تحب ولدها لأنه ولدها فإن رأى النساء أن الحب أساس الزواج رأت أن الزواج أساس الحب

بقلم: مصطفى لطفى المنفلوطي
729