ومما ورد في فضائل السور ما جاء في فضل المعوذتين: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" [الفلق:1]، و"قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ" [الناس:1]، سورتان صنوان جاء فضلهما على السواء، لا فضل لسورة على أخرى، فمزيتهما واحدة، وجاء الدليل على أنهما رقية، في الصحيح من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه كانت ترقيه وتنفث في يديه؛ وتمسح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وجاء في فضلها أيضًا: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من العين ومن الجان, فلما نزلت المعوذات "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" [الفلق:1]، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ" [الناس:1] اكتفى بهما).
فمعلوم أن التعوذ هو الالتجاء، وهو أيضًا نوع من أنواع الرقية والدعاء، فيكتفي الإنسان بذلك، فتكون حينئذ رقية وتكون كذلك أيضًا تعوذًا من الجان، وكذلك أيضًا تعوذًا من العين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ويتعوذ من العين, فلما نزلت اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما، كذلك فإنها رقية من سائر الأوجاع، ومن السحر، فإن النبي عليه الصلاة والسلام إنما أنزلت عليه هاتان السورتان بعد سحره عليه الصلاة والسلام، ففك الله جل وعلا بهاتين السورتين سحره عليه الصلاة والسلام، فهي رقية على سبيل العموم من العين, وكذلك من الجان، وكذلك من السحر.
أيضًا هي تعويذ من سائر ما يطرأ على الإنسان من مخاوف، سواءً من الظلمة أو من اشتداد الرياح؛ والدليل على ذلك ما جاء في المسند والسنن من حديث عقبة بن عامر أنه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بين الجحفة والأبواء، فجاءت ريح ومطر وظلمة شديدة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ، يقول: أعوذ برب الفلق، أعوذ برب الناس، تعوذ بهما يا عقبة فإنه لم يتعوذ بمثلهما)، وفيه إشارة إلى التعوذ بهما في حال الخوف والفزع عند اشتداد الرياح، وعند كوارث الطبيعة من الزلازل والأمور المخوفة واشتداد الظلمة والأشباح وغير ذلك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
وفي حديث عقبة بن عامر هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعوذ برب الفلق، أعوذ برب الناس)، فهل الإنسان يتعوذ بالسورة بقراءتها تامةً، أم يقول: (أعوذ) ويتم السورة إلى آخرها؟
فيما يظهر: إن التعوذ هنا لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: إذا كان الإنسان يريد أن يتعوذ بهذه الصيغة (أعوذ برب الفلق)، (أعوذ برب الناس) ولا يريد أن يتم السورة فإنه لا يقول: (قل) وإذا أراد أن يتعوذ بالسورة تامة فإنه يبتدئ بها من أولها فيقول: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ" [الفلق:1-2] إلى آخر السورة، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ" [الناس:1] إلى آخر السورة.
فيكون تعوذ الإنسان بصدرها حين يقول: أعوذ برب الفلق، أعوذ برب الناس، شبيهًا بقول الإنسان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله السميع العليم، وهكذا.
ثمة مسائل متعلقة بهاتين السورتين, من هذه المسائل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من التعوذ بهما في بعض المواضع، تقدم الكلام معنا أن التعوذ بهاتين السورتين: ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)) و((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)) يكون في الرقية، ويكون أيضًا في المرض، ويكون عند الشيء المخوف، وأيضًا التعوذ من الجان والعين.
كذلك جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام قراءتها في أدبار الصلوات من غير تكرار، ويذكر بعض المصنفين في أذكار اليوم والليلة أن المعوذتين تقرأ بعد صلاة المغرب وصلاة العشاء ثلاثًا, وهذا ليس له إسناد يعول عليه، وإنما يذكره بعض العلماء ممن يعتمد عليه من جهة العلم، لكن لا يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: قراءتها تثليثًا بعد المغرب وبعد الفجر.
أما في الصباح والمساء فهل يقال: إن الإنسان يقرأ المعوذات في أذكار الصباح والمساء؟ الجواب: نعم، جاء في حديث عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في قراءتها في الصباح والمساء, لكن من قرأها بعد الفجر مرة وبعد المغرب مرة ونوى ذلك كفاه بإذن الله تعالى.