فرية تسمية الصحابة لمعاوية بالطاغية: الرد على عدنان إبراهيم

فرية تسمية الصحابة لمعاوية بالطاغية: الرد على عدنان إبراهيم | مرابط

الكاتب: أبو عمر الباحث

1248 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

 

أصل الشبهة

ادَّعى عدنان إبراهيم في محاضرة بعنوان طليعة التبيان وهي الأولى من سلسلة (معاوية في الميزان) أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يُلَقِّبُونَ سيدنا معاوية بن أبي سفيان بالطاغية!

واستدل بما رواه الإمامُ الطبري في تاريخه:

قَالَ الإمامُ الطبري:

{وَقَالَ هِشَام بن مُحَمَّدٍ، عن أبي مخنف، ولي يَزِيد فِي هلال رجب سنة ستين، وأمير الْـمَدِينَة الْوَلِيدُ بنُ عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ، وأمير الكوفة النعمانُ ابنُ بشير الأَنْصَارِيُّ، وأميرُ الْبَصْرَة عُبَيْدُ اللَّهِ بن زياد، وأمير مكة عَمْرو بن سَعِيد بن الْعَاصِ، ولم يكن ليزيد هِمَّةٌ حين وَلِيَ إلا بيعة النفر الَّذِينَ أبوا عَلَى مُعَاوِيَة الإجابة إِلَى بيعة يَزِيد حين دعا الناس إِلَى بيعته، وأنه وَلِيَ عَهْدَهُ بَعْدَهُ، والفراغ من أمرهم الْوَلِيد فِي الأمر وَقَالَ: كيف ترى أن نصنع؟ قَالَ: فإني أَرَى أن تبعث الساعة إِلَى هَؤُلاءِ النفر فتدعوهم إِلَى البيعة والدخول فِي الطاعة، فإن فعلوا قبلت مِنْهُمْ، وَكَفَفْتَ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا قَدَّمْتَهُمْ فَضَرَبْتَ أَعْنَاقَهُمْ قبل أن يعلموا بموت مُعَاوِيَة، فإنهم إِنْ عَلِمُوا بموت مُعَاوِيَة وَثَبَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ فِي جانب، وَأَظْهَرَ الخلافَ والمنابذة، ودعا إِلَى نفسه لا أدري، أما ابن عمر فإني لا أراه يرى القتال، وَلا يحب أنه يُوَلَّى عَلَى الناس، إلا أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ هَذَا الأمر عَفْوًا فأرسل عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَـانَ- وَهُوَ إذ ذاك غلام حَدَثٌ- إليهما يدعوهما، فوجدهما فِي المسجد وهما جالسان، فأتاهما فِي ساعة لَمْ يَكُنِ الْوَلِيد يجلس فِيهَا لِلنَّاسِ، وَلا يأتيانه فِي مثلها، فَقَالَ: أجيبا، الأمير يدعوكما، فقال لَهُ: انصرف، الآن نأتيه ثُمَّ أقبل أحدهما عَلَى الآخر، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ للحُسَين: ظن فيما تراه بعث إلينا فِي هَذِهِ الساعة الَّتِي لَمْ يَكُنْ يجلس فِيهَا! فَقَالَ حُسَيْن: قَدْ ظننت، أرى طاغيتهم قَدْ هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو فِي الناس الخبر، فَقَالَ: وأنا مَا أظن غيره قَالَ: فما تريد أن تصنع؟ قَالَ: أجمع فتياني الساعة، ثُمَّ أمشي إِلَيْهِ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عَلَيْهِ، ثُمَّ دخلت عَلَيْهِ. قَالَ: فإني أخافه عَلَيْك إذا دخلت، قَالَ: لا آتيه إلا وأنا عَلَى الامتناع قادر فقام فجمع إِلَيْهِ مواليه وأهل بيته، ثُمَّ أقبل يمشي حَتَّى انتهى إِلَى باب الْوَلِيد وَقَالَ لأَصْحَابه: إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قَدْ علا فاقتحموا عَلَيَّ بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حَتَّى أخرج إليكم، فدخل فسلم عَلَيْهِ بالإمرة ومروان جالس عنده، فَقَالَ حُسَيْن، كأنه لا يظن مَا يظن من موت مُعَاوِيَة: الصلة خير من القطيعة، أصلح اللَّه ذات بينكما! فلم يجيباه فِي هَذَا بشيء، وجاء حَتَّى جَلَسَ، فأقرأه الْوَلِيد الكتاب، ونعى لَهُ مُعَاوِيَة، ودعاه إِلَى البيعة، فَقَالَ حُسَيْن: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! ورحم اللَّه مُعَاوِيَة، وَعَظَّمَ لَكَ الأجر! أما مَا سألتني من البَيْعَةَ فَإِنَّ مِثْلِي لا يُعْطِي بَيعَتَهُ سِرًّا..}.(1)

 

الرد على الشبهة

وللرد على هذا الافتراء أقول:

 

أولًا: الرواية غير صحيحة:

فسندُها منقطع ومسلسل بالكذابين والرافضة، والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثًا صحيحًا فقط ، ويجب أن تنطبق عليه شروط خمس وهي:

    اتصال السند.
    عدالة الرواة.
    ضبط الرواة.
    انتفاء الشذوذ.
    انتفاء العلة.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:

{أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا ، وَلا مُعَلّلًا}.(2)

 

علل الرواية:

العلة الأولى: هشام بن محمد بن السائب الكلبي.

قال الإمام شمس الدين الذهبي: {هشام بن محمد بن السائب الكلبي أبو المنذر الأخباري النسابة العلامة، قال أحمد بن حنبل: إنمـا كان صاحب سَمَرٍ وَنَسَبٍ، ما ظَنَنْتُ أنَّ أحدًا يُحَدِّثُ عنه، وقال الدارقطني وغيره: متروك، وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، قال الذهبي: وهشام لا يُوثَقُ به}.(3)

 

الْعِلَّة الثانية: أبو مخنف لوط بن يحيى.

قال الإمام شمس الدين الذهبي: لوط بن يحيى، أبو مخنف، أخباري تَالِفٌ، لا يُوثَقُ بِهِ، تركه أبو حاتم وغيرهن وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مَرَّةً: ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعي محترق، صاحب أخبارهم، تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.(4)

 

الْعِلَّة الثالثة: أبو مخنف لم يعاصر فترة وفاة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

وقال الذهبي أنَّ أبا مخنف تُوفي سنة سبع وخمسين ومائة، ولو افترضنا أنه عاش ثمانين سنةً فيكون أبو مخنف قد وُلِدَ سنة سبع وسبعين من الهجرة.

ومعلوم لدينا أنَّ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه تُوُفِّيَ سنة سِتِّيْنَ من الهجرة، وهذا يعني أن بين وفاة معاوية وواقعة ووقت القول المزعوم في الرواية على لسان الحسين ما يقرب من سبعة عشر سنةً!

سبعة عشر عامًا من الانقطاع! هذا غير خمسة عشر عامًا على الأقل حتى يَعْقِلَ أبو مخنف ما يسمع، فكيف عَلِمَ أبو مخنف بهذه الواقعة ، وَمَنِ الذي حَدَّثَهُ بها؟

لا أشك لحظة واحدة أن القصة كلها من تأليف أبي مخنف هذا لِيُوهِمَ الْأُمَّةَ مِنْ بعده أنَّ الخلاف بين معاوية والحسين رضي الله عنهما كان كبيرًا، ولذلك استحق أنْ يصفه الذهبي بأنه أخباري تالف، لا يُوثَقُ بِهِ.

 

ثانيًا: الرواية تُسِيءُ للحسين رضي الله عنه:

الرواية المكذوبة تُظْهِرُ الحسينَ رضي الله عنه بصورة المنافق! تَدَّعِي الرواية أنَّ الحسين رضي الله عنه فرح بموت معاوية وقال: {أرى طاغيتهم قد هلك} وفي نفس الوقت دخل على بني أمية يدعو لمعاوية بالرحمة! وكأنَّ الحسين رضي الله عنه رجل متذبذب بلا مبدأ ولا عقيدة راسخة وإيمان ثابت!

وهل يُظَنُّ في مثل الحسين رضي الله عنه أن يفعل أفعال المنافقين؟

 

ثالثًا: عدنان إبراهيم يخالف وصية الرسول:

أقول أنَّ عدنان إبراهيم خَالَفَ وصيةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم!

روى الإمام البخاري في صحيحه: {عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ}.(5)

فهو دائم السَّبِّ والتطاول على الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه!

ألم ينظر عدنان إبراهيم فيما يقول قبل أن يقوله؟ ألم يكن يعلم أن عليه أن يتحقق من صحة السند قبل أن يقول ما قال؟ ألا ينبغي أن يتفكر ولو قليلًا فيما ينقله من روايات مسيئة للصحب الكرام قبل نقلها؟ ألا يعلم أنه بكلامه لهذا قد أساء للحسين قبل معاوية رضي الله عنها؟

كيف يَدَّعِي عدنان إبراهيم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يُسَمُّونَ معاويةَ بالطاغية معتمدًا على رواية ساقطة الإسناد والمتن مثل هذه؟

فهل ترى أيها القارئ الكريم أن عدنان إبراهيم رَاعَى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم وجود الصحابة في الامة دليل على خيريتها.

روى الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه:
{عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي}.(6)

فاللهَ اللهَ في الصحابة يا عدنان، واتق الله في نفسك، وانهها عن غيها، واعلم أنك بين يدي ربك موقوف ، وهو سائلك عما تقول، فَأَعِدَّ للسؤال جوابًا. وعند الله تجتمع الخصوم.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. تاريخ الرسل والملوك للإمام محمد بن جرير الطبري ج5 ص338، ط دار المعارف - مصر، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم.
  2. علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ،  دار الفكر – سوريا  ، ت: نور الدين عنتر.
  3. ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام شمس الدين الذهبي ج7 ص88 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
  4. ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام شمس الدين الذهبي ج5 ص508 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
  5. صحيح البخاري للإمام محمد ابن إسماعيل البخاري ص903 ح3673 ، ط دار بن كثير –  بيروت.
  6. المصنف للإمام أبي بكر بن أبي شيبة ج17 ص309 ط دار القبلة- جدة، مؤسسة علوم القرآن – دمشق، ت: محمد عوامة.

 

المصدر:

https://www.antishubohat.com/articles/adnan-ibrahem/5-taghyah

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-حول-الصحابة
اقرأ أيضا
القابلية للاستعمار | مرابط
اقتباسات وقطوف

القابلية للاستعمار


مقتطف للكاتب والمفكر مالك بن نبي من كتاب شروط النهضة يشير فيه إلى موضوع هام وهو القابلية للاستعمار فكثيرا ما يكون استعمار شعب ما ناتج عن قابليتهم للاستعمار أو أن نفوسهم قابلة لوجود مستعمر يمارس عليهم كل صنوف الظلم أما إذا ارتفعت هذه القابلية عن نفوسهم سيأبى الواحد منهم أن يكون تحت حكم مستعمر جائر

بقلم: مالك بن نبي
2446
قصور العقول عن إدراك مسألة القدر | مرابط
مقالات

قصور العقول عن إدراك مسألة القدر


وقصور عقول البشر سبب لإنكار كثير مما لا تدركه من أحكام الله وأداره فالله خلق عقل الإنسان وجعله كالوعاء يحوي به وجعل الأوعية مختلفة لم يجعل للأوعية طاقة باستيعاب كل شيء فإن منها ما لا يصلح لها ومنها ما يمكن أن يحتوي منه بقدر وما زاد فاض. وأصل الضلال: اغترار الإنسان بعقله وطلبه أن يحوي كل شيء به وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني لو سكبت عليه طوته وضاع فيها وتحير.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
225
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج1 | مرابط
مناظرات

مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج1


أما بعد.. فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر البطائحية يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة خمس أي بعد السبعمائة لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الاطلاع عليه. فإن من كان غائبا عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
449
لماذا لا نستمتع بالنعم | مرابط
فكر مقالات

لماذا لا نستمتع بالنعم


حديث رائع للدكتور إياد قنيبي يدور حول استشعار النعم التي وهبنا الله إياها وأحاطنا بها وكيف أن كثيرا من المسلمين لا يدرك هذه النعم أو يشعر بها فقد بهتت أدوات استشعار النعم في داخله وبات لا يولي نظره إلا لأهدافه التي لم يحققها أو فشل في تحقيقها فيغيب عن ناظريه قدر النعم العظيمة التي ما زال يملكها

بقلم: د إياد قنيبي
2367
هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر


تقول الشبهة بأن الله لا يغفر أن يشرك به كما جاء في القرآن الكريم ولكن في نفس الوقت غفر الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام عبادته للنجوم فهل فعلا عبد سيدنا إبراهيم النجوم والشمس والقمر كما يزعم صاحب الشبهة وهل وقع هنا أي حالة من حالات الشرك هذا ما يناقشه المقال ويوضح مكامن الخلل في هذه الشبهة السخيفة

بقلم: محمد عمارة
1935
تفريق الرسول بين اختلاط المكث والاختلاط العارض | مرابط
مقالات

تفريق الرسول بين اختلاط المكث والاختلاط العارض


لنسأل الآن سؤالا كان يجب أن يطرح قبل ذلك وهو: وهل فرق النبي فعلا في صور الاختلاط بين الاختلاط العابر في زمن يسير واختلاط المكث الذي يأخذ زمنا كثيرا؟ الحقيقة أننا حين نتدبر صور الاختلاط في عهد النبوة التي من جنس واحد يتبين لنا فعلا كيف ميز النبي في أحكامها طبقا لعامل الزمن أو بشكل أدق طبقا لقوة الإفضاء إلى الفتنة وبين يديكم نماذج توضح ذلك.

بقلم: إبراهيم السكران
415