الداروينية: بين الإجماع العلمي والإجماع الشرعي

الداروينية: بين الإجماع العلمي والإجماع الشرعي | مرابط

الكاتب: هشام عزمي

445 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

من يعترضون على انتقاد الداروينية أو نظرية التطور لانه لا يجوز مخالفة الإجماع العلمي، ويقارنون بينه وبين الإجماع الشرعي الذي لا تجوز مخالفته، يقعون في العديد من المغالطات، وباختصار يمكن الجواب عليهم من وجوه:

العبرة بالدليل

الأول: أن العبرة في العلم التجريبي بالدليل وليس بإجماع العلماء، على فرض ثبوته، فالدليل الحقيقي المستمد من المشاهدة والحس والتجربة على التطور الكبير Macroevolution منعدم تمامًا، بخلاف التطور الصغير Microevolution الثابت علميًا وحسيًا ولا يماري فيه عاقل، وكل ما ينسب للبيولوجيا التطورية في مجال تحسين المحاصيل الزراعية وسلالات حيوانات المزرعة وإنتاج الأمصال واللقاحات وتطوير الدواء والصناعات البيوتكنولوجية إنما يعتمد على معطيات التطور الصغير لا الكبير. يقول د. أحمد شوقي أستاذ علم الوراثة: ((إن المستويات الدقيقة الأصغر microevolution يمكن مشاهدتها وإحداثها، أما المستويات الأكبر ففرضياتها أكثر من حقائقها)). ومعلومٌ أن ثبوت الأصل المشترك وثبوت ارتقاء الأنواع يدور حول إثبات حدوث التطور الكبير من نوع إلى نوع، وهو ما يفتقر إلى الدليل.

الإجماع الشرعي أمر ثابت

الثاني: أننا نحتج عليهم –كمسلمين– بالإجماع الشرعي على الخلق المستقل لآدم وحواء دون أب وأم من نوع سابق أو سلف قديم. وهذا الإجماع الشرعي أقوى بمراحل في دلالته عن الإجماع العلمي، لماذا؟ لأن الإجماع الشرعي مبني على أمر ثابت وهو الدين ومصادره المعتبرة، وهذه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وبالتالي فإن الإجماع الشرعي أمرٌ ثابتٌ لا يتغير ولا يتبدل ويمكن الاعتماد عليه والاطمئنان إليه، بخلاف الأمر مع الإجماع العلمي الذي هو مبني على العلم التجريبي المتغير دومًا والذي ليس فيه ثقةٌ مطلقةٌ ولا يقينٌ ثابتٌ.

يقول الشيخ حسين الجسر: ((وإن قيل إن بعض تلك المسائل التي يقلد بها المقلدون فلاسفة هذا الزمان تكون مجمعًا عليها عندهم، قلنا إنا معشر المسلمين لسنا مأمورين في شريعتنا بتقليد إجماع إلا إجماع هذه الأمة المحمدية، أي إجماع علمائها الذين هم أهل الاجتهاد وفهم نصوص الشريعة حيث شهد لهم الرسول عليه السلام بأنهم لا يجتمعون على ضلالة. على أن إجماع هؤلاء الفلاسفة على بعض تلك المسائل قد يكون مبنيًا على دليل ظني فلا يفيد عصمة إجماعهم من الخطأ لاسيما في المسائل التي تكون بعيدة الموضوعات عنهم كما في المسائل الفلكية والجوية؛ فإن معظم أدلتهم فيها الحدس والتخمين وقياس الشاهد على الغائب كما يعلم من الاطلاع على كتبهم التي تقرر فيها هذه المسائل)).

أضف إلى هذا أن الإجماع الشرعي في حالتنا هذه يستند إلى أدلة قوية من نصوص الوحي، وليس إجماعًا بلا بينة أو برهان، بينما الإجماع العلمي المعارض له لا يستند على أدلة معتبرة مشهودة ومحسوسة أو خاضعة للتجربة، فلا تصح مثلاً مقارنة نظرية داروين بنظرية الجاذبية، لأن الجاذبية أمرٌ مشاهدٌ وملموس ويخضع للتجربة ويمكن صياغته في قوانين وقابل للتنبؤ، بينما التطور الكبير –الذي عليه مدار النزاع كله– ليس مشاهدًا ولا ملموسًا ولا يخضع للتجربة ولا يمكن صياغته في قوانين ولا يتنبأ بأي شيء، فالمقارنة بين الداروينية والجاذبية لجعلهما بنفس الاعتبار مغالطة جسيمة للغاية.

مسؤولية الانتخاب الطبيعي

الثالث: أن الإجماع العلمي على صحة الداروينية لا ينفع المسلمين المعتقدين في صحة التطور، لأنه يقرر مسئولية الانتخاب الطبيعي غير الموجه والطفرات العشوائية عن حدوث التطور. وهذا يوقع القوم في لوازم عقلية خطيرة أبرزها التصور المشوه للحكمة الإلهية والوقوع في التناقضات الفادحة.

ولهذا صار القوم محل سخرية وتهكم الداروينيين الملاحدة حتى شبههم العالم التطوري جيري كوين بمن لا يرى تعارضًا بين الزواج والزنا لأن بعض المتزوجين يرتكبون الزنا !! وأعجب من هذا صنيع د. عمرو شريف في استدلاله على صحة الأصل المشترك للكائنات بالإجماع العلمي على الداروينية بينما يرفض مسئولية الانتخاب الطبيعي والطفرات العشوائية عن التطور لأنها مخالفة للدليل، فصار كمن يؤمن ببعض الإجماع العلمي ويكفر ببعض ويريد أن يتخذ بين ذلك سبيلاً! وهذا تناقضٌ معرفيٌ جسيمٌ كان ينبغي أن يتنزه عنه الدكتور عمرو، لكن للأسف كل من يعتقد في صحة التطور يصير ضحيةً لهذه التناقضات والإشكالات العقلية، فضلاً عن الأخطاء العلمية والشرعية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الداروينية
اقرأ أيضا
إنما أهلك من قبلكم الدينار | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

إنما أهلك من قبلكم الدينار


إن الإسلام لا ينهى عن جمع المال وعن كسبه من طريق مشروع حلال لكن المشكلة هذا الجمع كم أولئك الناس الذين يتيسر لهم الجمع من طريق مشروع ثم إن توفر لهم ذلك فكم هم أولئك الذين يصرفون هذا المال المكتسب من طريق مشروع في طريق مشروع قليل جدا

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
479
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج3 | مرابط
تفريغات

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج3


من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله فقاموا بتفنيد هذه الشبه وفضح أهل البدع بكل ما أوتوه من قوة وبيان

بقلم: أبو إسحاق الحويني
819
زهد أبي هريرة رضي الله عنه | مرابط
مقالات

زهد أبي هريرة رضي الله عنه


حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا كثير حدثنا جعفر حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: المكثرون في النار إلا من قال هكذا وهكذا وأشار بكفيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ثم قال: وقليل ما هم قال يزيد: إن لم أكن سمعته من أبي هريرة وأشار بإصبعيه إلى أذنيه وإلا فصمتا

بقلم: أحمد بن حنبل
929
خسائر الأوهام | مرابط
فكر مقالات

خسائر الأوهام


الحقيقة أن كل القصة أن بعض الصائمين يعيش تحت سيطرة وهم نفسي أنه غير قادر على التعامل الطبيعي بسبب إجهاد وعنت يستولي عليه بل ربما تنفس بزفير الكلال واللغب ومشى متهالكا متطرحا كأنما يجر قيودا خلفه وإذا أراد أن يجلس ألقى نفسه كالذي خذلته مفاصله محلول العرى نعم قد يعتري الصائم شيء من الإرهاق ولكنك قد تجد هذا الشخص نفسه يصيبه في غير رمضان إرهاق أكثر ومع ذلك لا يمشي بهذا المظهر الجنائزي الذي تراه به في نهار رمضان وهذا يؤكد أن جزءا كبيرا من هذا المشهد ليس ناتجا عن إعياء حقيقي بقدر ما هو ناتج عن حا...

بقلم: إبراهيم السكران
779
من منكرات الأفراح | مرابط
تفريغات

من منكرات الأفراح


إن الزواج نعمة من الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة الروم:21 فهذه من آيات الله ومن نعم الله وإذا كانت كذلك فهل يليق بنا أن نستفتح هذه النعمة بشيء محرم؟ الجواب: لا.

بقلم: ابن عثيمين
339
مشكلة كشمير بالتفصيل | مرابط
توثيقات

مشكلة كشمير بالتفصيل


لم تحتل الهند كشمير لتمتعها بثروات ضخمة حيث إن كشمير لا تملك ما تملكه بعض الدول من الثروات الضخمة غير أن الهدف الأساسي من احتلالها هو استخدامها كقاعدة لمخططات الهند الهدامة وتحقيق مطامعها العدوانية ضد العالم الإسلامي ومقدساته بما فيها الكعبة المشرفة إذ تقول الأساطير الهندية إن الإمبراطورية الهندية كانت تمتد -في يوم من الأيام- من سنغافورة شرقا إلى نهر النيل غربا مرورا بالجزيرة العربية وتستهدف المطامع الهندوسية إقامة الإمبراطورية الهندوسية العظمى لتستعيد مكانتها المزعومة

بقلم: موقع قصة الإسلام
669