الحمد لله وحده.
الرَّوح في اليقين، والهمُّ في الشكِّ!
الزهد في الدنيا، هو طريق راحة قلبك من الهم، فإنها هم دائم ما دامت.
والزهد فيها يرجع إلى ثلاثة أصول، كلّها قلبيُّ المنشأ، ليس فيها ما هو جارحيٌّ!
وكلّها ينشأ من عبادة اليقين بالله وحده، وهي قلبيّة.
1- فالأصل الأول:
أن تكونَ ثقتك بما عند الله أشدّ من ثقتك بما في يدك.
وهي التي يعبّر عنها أئمّة السلوك والعبادة أحيانًا بـ(الرضا عن الله)!
- قال الفضيل بن عياض: (أصل الزهد؛ الرضا عن الله عز وجل).
- وقال الحسن البصري: (إنَّ مِن ضعف يقينك: أن تكون بما في يدك؛ أوثقَ منك بما في يد الله).
- وقال يونس بن ميسرة رحمه الله: (الزهادة في الدنيا: أن تكون بما في يد الله؛ أوثق منك بما في يدك).
وظاهرٌ واضحٌ أنَّ هذا الأصل، هو عين (اليقين) بما عند الله، وتمام الثقة به، فلا يفتقر لشرح.
2- والأصل الثاني:
ألا تكونَ في حال المصيبة حزينًا على فوات شيء من الدنيا.
بل تكون راغبًا في ثواب الله، أو في تكفير ذنوبك بتلك المصائب.
وهذا من أعظم معاني الزهد في الدنيا وعدم الحرص عليها!
- وقد قال عليٌّ رضي الله عنه:
(من زهِد الدنيا؛ هانت عليه المصيبات)!!
وأصل ذلك - أيضًا - (اليقين) ، كما في الحديث أن سيّدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من دعائه:
(اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا)!
فعلَّمَنا بذلك أن اليقين التام؛ هو الباعث على تحمّل المصائب الدنيوية، والصبر عليها.
3- والأصل الثالث:
أن يستوي عندك الحامدُ والذّامُّ، والتاركُ والرّاغبُ، والهاجرُ والمواصل.
فيكون كل هؤلاء سواء، ما دمتَ في استقامة على أمر الله!
فإن الراغب في الدنيا ومعظّمها: يحسب حساب النّاس، فيخشى ذمّهم، ويرغب في مدحهم، حتى إنه ربمّا أتى المكروهات أو المحرّمات، أو ترك المستحبّات أو الواجبات؛ رغبًا في مدح الناس أو ترك ذمّهم!
أما من يستوي عنده النّاس مدحًا وذمًّا؛ فإنه يطلّق الدنيا، ويرغب في الحقّ سبحانه وحده وفيما عنده.
وهو إذا أسقط المخلوقين من حِسبانه؛ فإنه يفعل الحقَّ، ويقول الحقَّ، ولا يخاف لومة لائمٍ.
وهذا هو الذي مدحه الله!!
وهذا من أعظم الزهد في الدنيا، وأصله (اليقينُ) أيضًا، كما:
- قال ابن مسعود رضي الله عنه: (اليقين: أن لا تُرضي الناسَ بسخط الله)!
فاليقين: أصل الزهد، والباعث عليه.
وذو اليقين الكامل: أغنى الناس، وإن لم يكن له من الدنيا شيء!
فما اليقين؟!
قال ابن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اليقين:
1- ألّا تُرضي النّاسَ بسخطِ الله.
2- ولا تحمدَ أحدًا على رزق الله.
3- ولا تلومَ أحدًا على ما لم يؤتك الله).
وقال رضي الله عنه:
(الرزق لا يسوقُه حرص حريصٍ، ولا يردُّه كراهة كاره، فإن الله - بقسطه وعلمه وحكمه - جعلَ الرَّوحَ والفرحَ: في اليقينِ والرِّضا، وجعلَ الهَمَّ والحزْنَ: في الشّكِّ والسُّخْط)!
وكان بعض السَّلف لا يقوم من مجلس حتى يدعو:
(اللهم هب لنا يقينًا منك حتى: تهون علينا مصائب الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبتَ علينا، ولا يصيبنا من الرزق إلا ما قسمت لنا)!!
اللهم آمين!
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.