التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الثاني

التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: د وضحى بنت مسفر القحطاني

2265 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

القاعدة الثالثة:

 

الإسلام أكرم المرأة بتأكيد براءتها من التهم الموجهة إليها من رجال الديانات المحرّفة، وكشف زيف ادّعاءاتهم، ويدل لذلك جميع النصوص القرآنية التي تبيّن أن الخطيئة لم تقع من حواء فقط -كما يدّعي محرفو الكتاب المقدس- بل جاءت تؤكد أن الشيطان أزل آدم عليه السلام وزوجه حواء جميعًا، كما في قوله تعالى "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" وقوله تعالى "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا"، بل ورد ذكر آدم عليه السلام وحده في سياق آخر لقصة الغواية، في قوله سبحانه "وعصى آدم ربه فغوى" وقوله قبل ذلك "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى".

وهنا لفتة لطيفة، وهي أن الله سبحانه لم يقل فتشقيا، وقد ذكر العلماء رحمهم الله لذلك حِكمًا، منها: أن الرجل قيّم المرأة فشقاؤه يتضمن شقاءها، كما أن سعادته تتضمن سعادتها، ومنها: أن الخروج من الجنة سيؤدي به إلى الشقاء في طلب الرزق وإصلاح المعاش، وهذه -من حيث الأصل- وظيفة الرجل دون المرأة.
 
لذا كان للرجل نصف الميراث لأنه المسؤول عن النفقة المالية على الزوجة، ومع ذلك ليس دائمًا أن الأنثى ترث نصف الذكر ففي حالات عدة ترث الضعف، وأحيانا تتساوى معه، وأحيانا ترث المرأة دون الرجل، وتفصيل هذه المسائل في كتب الفرائض التي عنيت بتقسيم الإرث. ويدخل في ذلك دعوى الطعن في شهادة المرأة، وقد أجاد د. سعد في رد هذه الشبهة في نقاط عدة:

 

النقطة الأولى:

 

يجب أن يُعلم أن الشهادة ليست حقًا، فلو أُعفيت المرأة منها بالمرة، لما كان في ذلك انتهاك لحق من حقوقها، بل إن في ذلك رفقًا بالمرأة، وإبعادا لها عن أسباب الخصومة، لتتفرغ لرسالتها العظمى في الحياة، دون التزامات أو قلق نفسي. بيانه: أن الشهادة تكليف يأثم من كتمه "وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ والله بما تعملون عليم" وتخفيف الشريعة للتكاليف عن المرأة رحمة بها، وإكرام لها.

ﻷن التخفيف من الأعباء فيه راحة للمرأة، ورفع مشقة عنها، ولا سيما أن الشهادة كثيرًا ما تعقبها نتائج سيئة على الشاهد وسمعته، وقد تُعرّضه لآلام معنوية قد تسبّب له عقدًا نفسية، وخاصة إذا كان رقيق القلب، قوي العاطفة، شديد الحساسية من النقد، كغالب جنس النساء، وهذا ملحوظ في من هذه حاله حتى من الرجال. ومن الملاحظ أن الرجال ربما تهرّبوا من الشهادة لتبعاتها، ولكن لا بد من إحقاق الحقوق، ولذلك جاء النهي الواضح "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا" ومسؤولية يتهرب منها الرجال، ما قيمة ملاحقة المرأة لها؟

 

والنقطة الثانية: أن شهادة النساء أنواع:

 

نوع تقبل فيه النساء منفردات، ويمثل له الفقهاء: بما لا يطّلع عليه غيرهن، ويعبّر عنه بعضهم، بـ: ما لا تجوز فيه إلا شهادة النساء، كالولادة والبكارة، وعيوب النساء ونحو ذلك. وأحيانا ربما يكتفي بشهادة امرأة واحدة، كالولادة إذ تقبل فيها شهادة قابلة واحدة، وكذلك الرضاع، كما تقبل شهادة النساء منفردات في صور أخرى، منها: شهادة النساء في الوصية إذا لم يحضرها إلا النساء. ونوع تقبل فيه شهادتهن مع الرجال، ويدخل فيه المسألة محل التلبيس.
 
ونوع تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة في مقابل شهادة الرجل الواحد، سواء بسواء، بنص القرآن الكريم، في قوله سبحانه وتعالى: في شهادات اللعان -التي تطلب في حال قذف الرجل زوجه مع عدم وجود شهود "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ" وهي من القضايا التي يستبعد أن تضل فيها المرأة.

أما قوله تعالى " فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُل وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاء أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" فالمعنى: أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلّت، أي أخطأت لعدم ضبطها؛ فتكون شهادة إحداهما متممة لشهادة الأخرى.
 
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في معنى الآية:

 

"فيه دليل على استشهاد امرأتين مكان رجل، إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله "وأما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل"... فما كان من الشهادات لا يُخاف فيه الضلال في العادة، لم تكن فيه نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات: إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة أو الاستهلال أو الارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة".

 

ومما لحظه العلماء: أن الأمور التي تكون شهادة المرأة فيها في مقابل نصف شهادة الرجل، هي في الغالب من الأمور التي ليس من شأن المرأة الاشتغال بها، كالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة، لقلة اشتغالها بها، بينما تكون قوية الحفظ والضبط في الأمور المنزلية التي هي شغلها الأنسب، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل، وذلك أن من طبع البشر ذكرانا وإناثا أن يقوي تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها.
 

العلم الحديث يؤيد حديث النبي

ما ينبغي الالتفات إليه هنا، أن العلم الحديث كشف عن جانب علمي ربما كان له صلة بالمعنى الذي أشار إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله:  وأما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل.. الذي رواه مسلم؛ فقد نشرت مجلة العلوم الأمريكية عدد 5 مايو 1994 دراسة للباحثة في الأسس العصبية والهرمونية: دورين كيمورا، تحت عنوان "الفوارق في الدماغ بين الزوجين" تؤكد فيها وجود فروق بين الجنسين في الدماغ، منها ما يتعلق بالكيفية التي يحل بها كل منهما المشكلات الفكرية، وتثبت أن هذه الفروق لا ترجع إلى مجرد النقص في الخبرة لدى النساء فقط، لأن الدلائل تشير إلى أن آثار الهرمونات الجنسية في تنظيم الدماغ تحدث في مرحلة مبكرة من الحياة.

وأن الدراسات السلوكية والعصبية والهرمونية أوضحت العمليات المؤدية إلى حدوث الفوارق في الدماغ بين الجنسين، وأن الفوارق الجوهرية تكمن في الطرز المختلفة للمهارات الفكرية الخاصة. وعلى كل حال، فنقص عقل المرأة يظهر في الحالات التي تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان، وتحدث لها هذه الحالة اكثر مما يحدث عند الرجل ولا يُنكر هذا إلا مكابر.
 

أحكام الإسلام قامت على العدل

 

وهكذا ندرك أن أحكام الإسلام قامت على العدل والتكامل في أحكامها فلا ينبغي النظر إلى تعامل الإسلام مع المرأة دونما النظر إلى تعامله مع الرجل، فقد أعطى المرأة نصف الميراث في بعض الحالات، وألزم الرجل بالنفقة في كل الحالات، وجعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في بعض الحالات والتي يغلب فيها أن تكون من شأن الرجل، واكتفى بشهادة المرأة وحدها دون الرجل فيما يخص المرأة وأبطل بشهادتها شهادة الرجل فيما تختص هي به كشهادتها في اللعان، وراعى الإسلام تكوين المرأة العاطفي فأعطاها حق الصحبة الحسنة مضاعفًا من الأبناء لأنه جعل وظيفتها الأولى العناية بهم.
 
وجعل للرجل والذي يزيد بحسب تكوينه العقلي القوامة، ولم تكن تشريفًا لكنها تكليفًا، يستلزم منها النفقة والمسؤولية الكاملة عن المرأة وأبنائها، ولأن الرجل يزداد بسطة في الجسم عن المرأة كان الكدح في الأرض من اختصاصه وهو الأولى به، ولو قبلنا مبدأ المساواة التي تنادي به النسويات فهذا يقتضي أن تتصدر المرأة للقتال وللدفاع عن الحمى وهذا الذي لا تطيقه المرأة عاطفة وجسمًا، بل جعل الله الرجل الذي يقاتل حماية عنها في منزلة الشهيد "من قتل دون عرضه فهو شهيد"
 
فأي إعزاز للمرأة أعزها الله به! وأي كرامة تتحلى بها ولكن هذه الكرامة والتكريم خاص بأهل الإيمان الذين رضوا بالله ربا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، فـ "حظ الإنسان من الكرامة والسلامة من الإهانة بحسب حظه من الإيمان قولا واعتقادا وعملا، فمن طلب العزة بغير الدين ذل، ومن رام الكرامة بغير الإسلام أهين"
 
ولكن مناط إدراك هذا التكريم تحقيق العبودية بمعناها العميق الممتد لله فيما خفى وظهر، والتسليم لله والرضا بحكمة "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
 
أما الانهبار بدعوى النسويات من انتكاسة الفطرة ومصادمة السنن الكونية فلن يثمر إلا الشوك، وللأسف لا يدمي سوى أكف النساء والتي ظهرت الحركة تدعي نصرتهن "يتطرق كتّاب للتدهور الخطير في النظر للمرأة ومحاولة سلبها أنوثتها وخصوصيتها التي فطرها الله عليها مما دفع مئات المنظمات النسائية ليس في العالم الإسلامي فقط، بل في معظم بلدان الغرب للوقوف ضد نشر الجندر"
 

وضع المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية


ويظهر تقرير U.S.A TODAY الذي تحدث عن الوضع في الولايات المتحدة أن:
 
80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن
75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي.
80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد.
87% يرين أنه لو عادت عجلة الحياة للوراء لاعتبرن المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومت اللواتي يرفعن شعاراتها.

 


 

المصدر:

  1. د. وضحى بنت مسفر القحطاني، النسوية في ضوء منهج النقد الإسلامي، ص39
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية
اقرأ أيضا
كشمير القضية المنسية | مرابط
توثيقات

كشمير القضية المنسية


في عام 1947م قررت بريطانيا انسحابها من القارة الهندية بعد تقسيمها إلى دولتين هما الهند وباكستان وتركت بعض الولايات منها كشمير لكي تنضم إلى أي دولة وفقا لرغبة جماهيرها وشعوبها وكانت كشمير ذات أغلبية إسلامية غير أن حاكمها هندوسي فنشأت القضية منذ ذلك الوقت حيث دخلت القوات الهندية واحتلت ثلث الأراضي الكشميرية ثم قامت بممارسة العنف والاضطهاد لمنع الشعب المسلم من المطالبة بتقرير مصيره وقد نشبت بين الهند وباكستان لأجل هذه القضية ثلاثة حروب كانت نتيجتها انفصال بنجلادش عن باكستان وإصدار مجلس الأمن ا...

بقلم: أحمد بن حسين الفقيهي
830
أيديولوجية المساواة | مرابط
النسوية

أيديولوجية المساواة


مبادئ أفلاطون جعلت أحد علماء الغرب يصف ويوضح خطورتها ومفاسدها على المرأة فأي انزلاق وخطر أعظم من تخلي المرأة عن مسؤوليتها تجاه الأسرة والتربية وحفظ النسل والأمومة بل والتخلي عن أنوثتها لتتساوى وتتماثل -رغم الفروق الداخلية والخارجية- مع الرجل

بقلم: سامية بنت مضحي بن فهد العنزي
695
ماذا تركت لأجلي؟ | مرابط
مقالات

ماذا تركت لأجلي؟


ويقول الشاب التائب: لأجلك ربي تركت رفقاء الطيش وطريق الهوى وآثرت طريق العفاف والهدى وصبرت على مقاومة كل وسائل الجذب والإغراء حتى صرت بين الشباب غريبا في مظهري ومخبري. وتقول أمة الله: لأجلك ربي تركت التبرج والزينة التي أحب وخالفت بيئتي المتحررة التي فيها نشأت ونالني فيك السخرية والأذى.

بقلم: د. جمال الباشا
422
التكليف والحرية | مرابط
فكر مقالات

التكليف والحرية


من شروط التكليف طاعة وحرية وهذه بديهية يغفل عنها كثير من المجادلين في قضية القدر وفي قضية الإيمان وفي قضية التكليف والجزاء فيقصرون النظر على شرط الحرية ويهملون شرط الطاعة كأنه مناقض للجزاء وكأنه من اللازم عقلا أن يكون الجزاء مقرونا بالحرية المطلقة وهي في ذاتها استحالة عقلية بكل احتمال يخطر على البال في فهم خلق الإنسان

بقلم: عباس محمود العقاد
1852
صديقات السوء | مرابط
تفريغات المرأة

صديقات السوء


عجبا لك يا ابنة الإسلام كيف تستخدمين صلة العلم التي هي أشرف الصلات وأكرمها في المدارس والكليات لتبادل الأرقام والأفلام كيف تجرأت على القلم الذي هو أفضل أداة للخير وأعظم وسيلة للفضيلة وواسطة للآداب والكمال فخططت به الأرقام ورسائل الحب والغرام ونشر الحرام ألم تسمعي للحبيب صلى الله عليه وسلم يقول ويل لمن كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير

بقلم: إبراهيم الدويش
419
يا شباب العرب | مرابط
مقالات

يا شباب العرب


ويقولون: إن الأمر العظيم عند شباب العرب ألا يحملوا أبدا تبعة أمر عظيم ويزعمون أن هذا الشباب قد تمت الألفة بينه وبين أغلاطه فحياته حياة هذه الأغلاط فيه وأنه أبرع مقلد للغرب في الرذائل خاصة وبهذا جعله الغرب كالحيوان محصورا في طعامه وشرابه ولذاته ويزعمون أن الزجاجة من الخمر تعمل في هذا الشرق المسكين عمل جندي أجنبي فاتح ويتواصون بأن أول السياسة في استعباد أمم الشرق أن يترك لهم الاستقلال التام في حرية الرذيلة

بقلم: مصطفى صادق الرافعي
1194