آثار الابتعاد عن تحكيم شرع الله على مسلمي الأندلس

آثار الابتعاد عن تحكيم شرع الله على مسلمي الأندلس | مرابط

الكاتب: علي محمد الصلابي

2086 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

1- إن الابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى يجلب للأفراد والأمة تعاسة وضنكا في الدنيا، وهلاكا وعذابا في الآخرة، وإن آثار الابتعاد عن شرع الله لتبدو على الحياة في وجهتها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وإن الفتن تظل تتوالى تترى على الناس حتى تمس جميع شؤون حياتهم، قال تعالى "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
 
2- لقد كان في ممارسة ملوك الطوائف للحكم البعيد عن شرع الله آثار على الأمة، فتجد الإنسان المنغمس في حياة المادة والجاهلية مصاب بالقلق والحيرة والخوف والجبن، يحسب كل صيحة عليه، يخشى النصارى ولا يستطيع أن يقف أمامهم وقفة عز وشموخ واستعلاء، وإذا تشجع في معركة من المعارك ضعف قلبه أمام الأعداء من أثر المعاصي على قلبه، وأصبح في ضنك العيش "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا"
 
أما الآثار على الأمة الأندلسية فقد أصيبت بالتبلد، وفقد الإحساس بالذات، ومات ضميرها الروحي، فلا أمر بمعروف تأمر به ولا نهي عن منكر تنهى عنه وأصابهم ما أصاب بني إسرائيل عندما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"، فإن أي أمة لا تعظم شرع الله أمرًا ونهيًا فإنها تسقط كما سقط بنو إسرائيل.
 
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم "كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو لتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله على قلوب بعضكم ببعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم"
 
3- أن ملوك الأندلس تحققت فيهم سنة الله الماضية بسبب تغير النفوس من الطاعة والانقياد إلى المخالفة والتمرد على أحكام الله "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..".
 
كما أن المجتمعات التي ترضخ تحت الحكام الذين تباعدوا عن شرع الله = تُذل وتُهان حتى تقوم أمام من خالف أمر الله، وتطلب العون من إخوانهم في العقيدة لإرجاع حكم الله في مجتمعاتهم.
 
إن ملوك الأندلس انعكس انحرافهم على شعب الأندلس كله، وفرط أهل الأندلس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانعكس ذلك في حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت، ولذلك حرمت شعوب كثيرة من سعادتها في الدنيا والآخرة بسبب تضييع الأمانة والرسالة والدعوة إلى هذا الدين، لقد قست قلوب ملوك الطوائف وكثير من أتباعهم إلا ما رحم الله، وتركوا الحق وانقادوا للضلال، وابتلوا بالنفاق، وفضحهم الله بذلك، وحرموا التوفيق والرجوع للصواب، وخف دينهم وضعف إيمانهم، بسبب بطرهم للحق وغمطهم لحقوق الناس وابتعادهم عن شرع الله.
 
4- لقد كانت ممالك الأندلس مليئة بالاعتداءات على الأنفس والأموال والأعراض، وتعطلت أحكام الله فيما بينهم، ونشبت حروب وفتن وبلايا تولدت على أثرها عداوة وبغضاء لم تزل عنهم حتى بعد زوالهم.
 
5- وبسبب الابتعاد عن كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، سهلت مهمة النصارى في الأندلس، فأصبحت شوكتهم تقوى وتحصّلوا على مكاسب كبيرة، وغاب نصر الله عن ملوك الطوائف وأهل الأندلس، وحرموا من التمكين وأصبحوا في خوف وفزع من أعدائهم، وبعض المدن تبتلى بالجوع بسبب حصار النصارى لهم وكم قتل النصارى من المسلمين وكم سبوا من نسائهم.
 
6- إن الابتعاد عن شرع الله في الأندلس ترتب عليه انتقاض الأرض وضياع الملك، وتسلط الكفار وتوالي المصائب.
 
7- أن من سنن الله تعالى المستخرجة من حقائق الدين والتاريخ أنه إذا عُصي الله تعالى ممن يعرفونه سلط عليهم من لا يعرفونه، ولذلك سلط الله النصارى على المسلمين في الأندلس، وعندما تحرك الفقهاء والعلماء وبعض الملوك واستنصروا إخوانهم في الدين في زمن المرابطين، والتفوا حول دولة الشريعة، نصرهم الله على أعدائهم ثم خلص الله أهل الأندلس من ملوك الطوائف الظالمين وأبدلهم بأمراء عادلين منقادين لشريعة رب العالمين.
 
8- إن الذنوب التي يهلك الله بها القرون ويعذب بها الأمم قسمان:
 
-معاندة الرسل والكفر بما جاؤوا به
-كفر النعم بالبطر والأشر، وغمط الحق، واحتقار الناس، وظلم الضعفاء، ومحاباة الأقوياء، والإسراف في الفسق والفجور، والغرور بالغنى والثروة، فهذا كله من الكفر بنعمة الله واستعمالها في غير ما يرضيه من نفع الناس والعدل التام.
 
والنوع الثاني من الذنوب هو الذي مارسه ملوك الأندلس وأمراؤهم وأتقنوه إتقانا عجيبًا. يقول الشاعر البسطي الأندلسي
 
هذا جزاء مخالق مثلي أبى  ... تقوى الإله ودان بالعصيان
 
وقال المرابط كاتب ابن الأحمر:
سودت وجهك بالمعاصي فالتمس  ... وجها للقيا الله غير مسودّ
من ذا يتوب لربه من ذنب  .... أو يقتدي بنبيه أو يهتدي
 
وكان من إجابة المتوكل بن الأفطس لأوفونس ملك النصارى: أما تعييرك للمسلمين فيما وهن من أحوالهم فبالذنوبة المركوبة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك علمت أي مصاب أذقناك.

 


 

المصدر:

  1. علي محمد الصلابي، دولة الموحدين، ص310
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تحكيم-الشريعة #الأندلس
اقرأ أيضا
القواعد العشر في الدعوة إلى الله | مرابط
مقالات

القواعد العشر في الدعوة إلى الله


اجعل الله غايتك على كل حال. واتخذه هدفا لدعوتك: تتعرف عليه وتعرف به تكن أحسن القائلين في الدين. اجعل تنظيمك أو جماعتك خادمة لله ولا تجعل الله خادما لتنظيمك أو جماعتك واحذر! فهذا منزلق قلما يسلم منه أحد من المتحزبين. فتدبر .. ! تلك لطيفة من لطائف قوله تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله فصلت:٣٣ وقد فصلنا الكلام في هذا المعنى بكتابنا البيان الدعوي معززا بأدلته الوافية هناك فارجع إليه إن شئت والله الهادي إلى الحق ولا حق سواه.

بقلم: فريد الأنصاري
225
مكة: مدينة متعولمة المظهر أم مدينة مقدسة الشكل والمضمون | مرابط
فكر مقالات

مكة: مدينة متعولمة المظهر أم مدينة مقدسة الشكل والمضمون


خلال العقد الأخير تعرضت أكثر بقاع الأرض قداسة مكة المكرمة إلى موجات من التغيير والتحديث أثارت جدلا واسعا بين المسلمين في كل أنحاء العالم في العقد الماضي فقط كانت مكة المكرمة مهد الإسلام هدفا لبعض مخططات التنمية التجارية الأكبر والأسرع في العالم أكثر من مائة مبنى قيد البناء حول المسجد الحرام مما سيحول جذريا المناظر الطبيعية والتاريخية والمعمارية والاجتماعية والاقتصادية لهذه المدينة النامية بتسارع غير مسبوق

بقلم: د علي عبد الرءوف
2111
فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف

فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير


العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه وهو التنكر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته فيجحد الموجود حسرة على المفقود فيجمع بين الشرين

بقلم: كريم حلمي
557
المبتدعة يعتقدون البدع دينا | مرابط
تفريغات

المبتدعة يعتقدون البدع دينا


المبتدع يعتقد أن البدعة دين لذلك فنحن نحجر على الطرق الصوفية بكل قوة فهي ضاربة في ظهور المسلمين منذ ظهرت الدولة الفاطمية إنهم يتكئون على هؤلاء المخرفين في تحقيق مآربهم بالشبه التي لا يعتمد عليها إطلاقا دعوه يتكلم إن المجلة هذه تستمر وهي تحرف عقائد المسلمين وتستهدف الأخيار الأبرار من المسلمين

بقلم: أبو إسحق الحويني
699
المهرجانات والراب | مرابط
فكر

المهرجانات والراب


من النتائج المخيفة التي يسببها التساهل في سماع هذه الأغاني وتعود الشباب عليها.. أنها تزكي صراعاتهم النفسية وتؤجج احتقانهم الداخلي واضطراباتهم الاجتماعية وتوغر صدورهم وتشعل غضبهم تجاه الآخرين كل الآخرين مهما كانت قرابتهم وتقوي الإحساس بشجاعة متوهمة وقدرة لا محدودة على التمتع..! فيصبحون تربة خصبة لبذور التفكك الاجتماعي والتمرد على الأسرة والثورة على القيم والتمرد على أحكام الدين وربما المروق منه جملة..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
246
الاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص | مرابط
تفريغات

الاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص


تفريغ لمحاضرة للشيخ إبراهيم السكران يتحدث فيها عن موضوع الخلاف وكيف تحول في زماننا إلى حجة يقفون بها أمام النص فكلما ذكرت لأحد نصا أو أمرا شرعيا يقول لك فيه خلاف وهذا الخلاف عنده يساوي الإباحة أي أن هناك الكثير من الأحكام الشرعية قد تعطلت بحجة الخلاف وهذا ما يناقشه الشيخ في المحاضرة

بقلم: إبراهيم السكران
2902