فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها.
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلي الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها.
وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي اهتدى به المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل.
فهي قرة العيون وحياة القلوب ولذة الأرواح... فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة. وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها. وكل شر ونقص في الوجود فسببه إضاعتها. ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم. وهي عصمة للناس وقوام للعالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا. فإذا أراد الله خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقى من رسومها. فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي قطب العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة
المصدر:
- ابن القيم، أعلام الموقعين عن رب العالمين