أسلوب الوصاية

أسلوب الوصاية | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2297 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الابتعاد عن الشبهات

الوصاية ضد الشبهات مطلب شرعي، وواجب أن يقوم به الداعية لحفظ دين الناس، ومن تنصل من الوصاية ضد الشبهات فقد خان الأمانة، وعرض الناس للبلاء، والله تعالي يقول (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
 
فهذا أمر صريح بالابتعاد عن مواطن الشبهات، ولم يقل جالسو الذين يخوضون وناقشوهم والعبرة بالأفكار ويجب على صاحب المبدأ أن يكون واثقًا، ولماذا نخاف على ديننا من نسمة هواء، ولم يقل لهم لايعرض إلا الخائف غير الواثق، بل أمرهم صريحًا بالاعراض، وجعلهم إن لم يعرضوا خاضعين للشيطان، وأنه يجب عليهم إذا تذكروا أن يعرضوا.
 
وهؤلاء الذين يقولون استمع إلى كل قول وناقشه مخالفون صراحة لكتاب الله ولذلك قال الامام ابن تيمية في الاستقامة (فقد أمر سبحانه بالإعراض عن كلام الخائضين في آياته، ونهى عن القعود معهم، فكيف يكون استماع كل قول محمودا).
 

الوصاية في أفعال النبي والصحابة

وهكذا –أيضًا- ما في سنن النسائي حين رأى النبي مع عمر ورقة من التوراة أخذها عمر للاطلاع التاريخي فقط، فغضب النبي وقال (أمتهوكون فيها يابن الخطاب) أفليست هذه وصاية محمودة يمارسها النبي على الناس ويشرعها لمن بعده للائتساء والاقتداء؟ وهل الرسول غير واثق بعقيدة عمر؟ وهل عقيدة عمر بهذا الضعف الذي يخشى عليه فيها من ورقة من التوراة؟!

وهكذا –أيضًا- لما كان صبيغ بن عسل يثير اشكالات على عامة الناس في متشابه القرآن، هل قال عمر بن الخطاب "من حق صبيغ أن يطرح ما يشاء من الإشكالات" ولماذا الوصاية والاقصاء، أم علاه بدرته وعاقبه وأقره على ذلك أصحاب رسول الله؟ بل كان ابن عباس إذا رأى أحدًا يتتبع المتشابه يقول له "ما أحوجك لدرة عمر"، بل صار أهل السنة بعده يذكرون هذا الفعل من مناقب عمر؟ أفليست هذه وصاية محمودة مطلوبة شرعًا؟

وهكذا –أيضًا- لما طرح بعض الباحثين في العقائد في عصر الشافعي إشكالات الجمع بين الفلسفة اليونانية والقرآن قال الشافعي "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال" أفليست هذه وصاية محمودة مطلوبة شرعًا؟

أليس أهل السنة مطبقون كافة على النهي عن النظر في أي كتاب أو الاستماع إلى أي رجل يؤدي كلامه إلى رقة التدين؟
ولذلك نقل أبو نعيم عبارة حكيمة للإمام إبراهيم بن أدهم حين قال (كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب)
طبق كلمة ابن أدهم هذه على كثير من الشباب الذين ضللتهم فكرة "اطلع على كل شيء" وتقلص نظرهم في القرآن والسنة وكلام الربانيين؛ كيف آل بهم الأمر إلى رقة التدين وهذا ظاهر لكل أحد.
فكثرة الواردات الفاسدة وأثرها على القلب أمر لايستهان به.
 
وهذه من المسائل التي يكثر فيها الخطأ يظنون أن الوصاية مذمومة، وهي مطلب شرعي ضد الشبهات، ويظنون أن الاقصاء مذموم وهو مطلب شرعي ضد المضلين والمفسدين، فانظر كيف صارت المطالب الشرعية مذام ولاحول ولاقوة إلا بالله من غربة الدين؟!

 

لماذا نخشى ..

وما أكثر ما يخطر لبعض المتعاطين للخطاب الثقافي تساؤل يقفز أثناء الدعوة للحصانة المنهجية فالكثير منهم يكرر هذه التساؤلات:
لماذا نخشى من نشر كتب الزنديق فلان؟! لماذا نخشى من إتاحة البرامج التلفزيونية للمجدِّف فلان؟! هل بلغ إسلام المسلمين هذا المستوى من الهشاشة لدرجة أن صرنا نخشى من كل نسمة؟! دع الزنادقة يتحدثون حتى يفتضحوا أمام الناس ..

الحقيقة أن مثل هذه التساؤلات تهدر اعتبارات جذرية من صميم "التكوين البشري" ..
فطبيعة عامة الناس والشباب خلال التاريخ أنهم لا يملكون "علمًا تفصيليًا" بأدلة مبادئ الاسلام والجواب عن الاعتراضات الواردة عليها ..
وهذا شيء طبيعي .. بل ومطلوب أصلًا .. لأنه لو تفرغ عموم المجتمع للعلم الشرعي التفصيلي وجواب الاعتراضات لتعطلت الفروض الكفائية الأخرى كالعلوم المدنية والصناعات والتخصصات الاجتماعية التي يقوم عليها المعاش ودنيا المسلمين ..
فعامة الناس والشباب معهم "إيمان مجمل" قد تزعزعه رياح الشبهات إذا لم يتيسر له متخصص أو مطلعٌ يزيل أشباحها عنه ..
ولذلك يفترض أن يكون السؤال معكوسًا ..
 

لماذا نخاطر بالإيمان..

فالسؤال .. ليس لماذا نخاف على غير المتخصصين من الشبهات ؟
بل السؤال: لماذا نخاطر بإيمان غير المتخصصين والمطلعين من أجل شعارات إعلامية تتصل بمفهوم الانفتاح؟!
وقد وجدت نصًا في غاية الروعة للامام ابن تيمية حلل فيه هذه القضية:

(فعامة الناس اذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الاسلام والتزموا شرائعه وكانوا من اهل الطاعة لله ورسوله؛ فهم مسلمون, ومعهم ايمان مجمل, ولكن دخول حقيقة الايمان إلى قلوبهم انما يحصل شيئًا فشيئًا, إن أعطاهم الله ذلك, وإلا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد, ولو شُكِّكُوا لشَكُّوا, ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا, وليسوا كفارا ولامنافقين؛ بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب, ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال, وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة, وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق.
 وكذلك إذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من أهل الوعيد, ولهذا لما قدم النبى المدينة أسلم عامة أهلها, فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق, فلو مات هؤلاء قبل الامتحان لماتوا على الإسلام ودخلوا الجنة ولم يكونوا من المؤمنين حقا الذين ابتلوا فظهر صدقهم) الفتاوى 7/271

 

والمراد أن الوصاية ضد الشبهات التي تسبب رقة التدين مطلب شرعي، سواء كان الذي يشيع هذه الشبهات زنديق علماني، أو من متفقهة التغريب الذين يغرسون في الناس النظرة المادية للحياة، ويهونون من تعظيمهم للنص باسم الخلاف، ويشحنون الناس ضد المحتسبين والدعاة دومًا بالسذاجة والتهور وضيق الأفق وقلة الوعي وأنهم يغرقون في كأس ماء ونحوها من العبارات التي يتشربها المستمع فتؤثر في نظرته لأهل العلم والدعاة بعامة، ويجمدون مشاعر الغيرة والحمية باسم الرزانة والحكمة والهدوء، ونحو ذلك.
والله أعلم

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alsakran/20.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران
اقرأ أيضا
معركة النهروان | مرابط
تاريخ مقالات

معركة النهروان


معركة النهروان إحدى أشهر الوقائع وأشد المعارك التي جمعت بين المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب وفرقة الخوارج التي انحازت عن صفوف المسلمين وأعملت معول التكفير في الأمة جميعا وخرجوا بعقائد جديدة ما أنزل الله بها من سلطان وفي هذا المقال سرد لأهم أحداث هذه المعركة الهامة والفارقة في التاريخ الإسلامي

بقلم: د علي محمد الصلابي
2553
سماع كتب السنة واكتساب اللغة | مرابط
لسانيات

سماع كتب السنة واكتساب اللغة


من أعظم ما يعين على اكتساب اللغة سماع الكلام الفصيح المعرب وما ضعفت لغتنا وكثر لحننا إلا عندما قل سماعنا له. وقد كان العربي لا يلحن لأنه لا يسمع اللحن فلما خالط الأعاجم دب إليه اللحن وسقط الاحتجاج بكلامه ولذلك احتج علماء اللغة بشعراء الحاضرة إلى منتصف القرن الثاني لأنهم اختلطوا بالأعاجم أما شعراء البادية فاحتجوا بشعرهم إلى منتصف الرابع.

بقلم: ياسر المطيري
373
واجب المرأة عند الفتن | مرابط
تفريغات المرأة

واجب المرأة عند الفتن


اشتغال المرأة بوظيفتها في الحياة أما أو أختا أو زوجة أو بنتا قال الله تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ومن وجوه هذه القسمة أن الله سبحانه وتعالى جعل منا -ذرية آدم- رجالا وجعل منا نساء وجعل للرجل وظائف وجعل للنساء وظائف.والمرأة في الحياة تكون أما وتكون أختا وتكون زوجة وتكون بنتا فينبغي أن تعي وظيفتها في هذه الحياة وما الذي رتبه الشرع الحكيم في تلك الوظيفة المناسبة لحالها حال كونها أما أو كونها أختا أو كونها زوجة أو كونها بنتا.

بقلم: صالح العصيمي
954
عن نتائج الثانوية العامة والجامعات | مرابط
مقالات

عن نتائج الثانوية العامة والجامعات


مفاهيم النجاح والفشل والتفوق والتعثر من أكثر المفاهيم تشوها في زماننا هذا ومن أكثرها استعمالا في تشييء الإنسان وتسليعه وتحويله من إنسان إلى آلة بنحطلها benchmark للأداء الآلاتي الجامد بتاعها وبعدين نلزق عليها label فيه سعرها مقابل هذه الأرقام أو حتى ماركتها.

بقلم: كريم حلمي
429
احتساب السلف لأعمارهم وجهدهم في طلب العلم | مرابط
تفريغات

احتساب السلف لأعمارهم وجهدهم في طلب العلم


إن أشرف ما يستثمر باتفاق العقلاء هو الوقت لأن الوقت هو العمر وبمقدار ما يستثمر المرء هذا الوقت بمقدار ما تكون له المكانة في الدار الآخرة لأن حياته في الآخرة إنما هي باستثماره لعمره فإذا ضيعه خسر هناك وإذا استثمره حق استثماره ربح ولا أفضل ولا أجود من ضرب المثال في استثمار الوقت بحياة العلماء لأنهم هم الذين عرفوا شرف هذا العمر فلذلك نضرب المثل بهم فهم القدوة وهم الذين نأخذ عنهم الفتوى

بقلم: أبو إسحق الحويني
754
هل منع النبي عليا من التعدد؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل منع النبي عليا من التعدد؟


النبي ﷺ لم يمنع عليا من التعدد إنما منعه من أن يعدد من امرأة معينة وفرق بين الأمرين. لذا قال النبي ﷺ: لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله عند رجل واحد فهو منع من اجتماع ابنته بابنة عدوه لا منع علي من التعدد. وبين أن اجتماعها مع ابنته سيكون فتنة لها في دينها فقد قال ﷺ: وأنا أتخوف أن تفتن في دينها

بقلم: قاسم اكحيلات
334