عن نتائج الثانوية العامة والجامعات

عن نتائج الثانوية العامة والجامعات | مرابط

الكاتب: كريم حلمي

382 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

- مفاهيم النجاح والفشل والتفوق والتعثر من أكثر المفاهيم تشوهًا في زماننا هذا، ومن أكثرها استعمالًا في تشييء الإنسان وتسليعه، وتحويله من إنسان إلى آلة بنحطلها benchmark للأداء الآلاتي الجامد بتاعها، وبعدين نلزق عليها label فيه سعرها مقابل هذه الأرقام، أو حتى ماركتها.

- اختزال مستقبل شاب وإمكاناته وطاقاته وذكاءاته وأحلامه وتقديره لذاته واحترام الآخرين له - بما فيهم أهله - في رقم مصمت ميت قائم على قياس حاد غالبًا وإضفاء كل هذه القدسية عليه = تقزيم شديد للنفس الإنسانية وإساءة لها، هذا لو سلّمنا أصلًا عدالة التقييم وصحة أساسه، وافترضنا قبل ذلك كله أن الرحلة التعليمية السابقة على هذا التقييم مكنتش هي نفسها عامل من عوامل هذا المشهد الختامي البائس.

- الأمر ينطوي على اختزال أسوأ إلا من حيث كون المستقبل أثمن من الماضي، وهو اختزال الوالدية في هذا الرقم البائس، وهذا الاختزال الذي يفعله الآباء بأنفسهم، عندما يختزلون في هذا الرقم تعبهم في تربية أبنائهم وإنفاقهم عليهم وآمالهم فيهم وثقتهم بهم (يا خسارة تعبي وشقايا! / خيّبت أملي فيك / ...) أو حتى عكس هذه العبارات (تعبي وشقايا جهم بفايدة / أملي فيك في محله / رفعت راسي / ...)، وأنا أتكلم عن هذه العبارات من حيث هي عقيدة، مش مجرد تشجيع ودعم.

- التعليم الدنيوي بدأ في الأمم الناهضة وسيلةً، وانتهى في الأمم الراكدة إلى غاية، (خد يا ابني الشهادة وعلّقها بعد كده مش مشكلة / المهم توصل بس لحرف الدال، حرف الميم، حرف العين، الهمزة على السطر، الحقلك أي حرف وخلاص)، شهادات معلقة أو نياشين وبادجات، وأدوات لتسعير الإنسان أرقى قليلًا من التسعير الحرفي بما يملكه من مال، أو قد تكون أدوات تسعير بديلة (أو مقاومة) في الطبقات المادية المتوسطة وما دونها، أو تعويض قيمي عن غايات قتلها الفساد فلم تعد ذات معنى، وعمومًا كده كده مع السيولة الطبقية الحاصلة ومع التوحّش الرأسمالي المستمر معدش فيه داعي لده وراجعين للتسعير المادي الحرفي.

- مفهوم كليات القمة وما يحتف به من مظاهر اجتماعية = منكوس عقيم متخلف، وله ارتباط كبير كذلك بالنظرة المادية للإنسان والحضارة والنهضة، وإلا فإن المجالات الأدبية وما يندرج تحتها من العلوم الإنسانية (التي تُعامل كمجالات درجة ثانية أو ثالثة) هي من أهم المجالات التي تحتاج إليها الأمة احتياجًا شديدًا، وهذه المجالات نفسها تحتاج إلى أشد عقول الأمة ذكاءً، وأعظمها إبداعًا، وأوسعها ثقافة، وتحتاج إلى دعم لهم وبذل في البحث العلمي في هذا الاتجاه (أو أي اتجاه، أي حاجة) بدل م إحنا عايشين على فُتات المستشرقين وأشباههم .. وأي ملاحظة حول تدهور المستوى العلمي والثقافي والإنتاجي (نسبيًا) في هذا المجال فهذا لا يدل إلا على الخيبة المجتمعية التي نحياها، فنحن من صنعنا منها كليات ميتة، يدخلها الطالب مضطرًا غالبًا ليجد جوًا مريضًا يليق بكلية (ملهاش مستقبل) في المعجم العرفي للمجتمع.

- هذا النظام المعقد المقدس ألقى بظلاله الثقيلة جدًا على حياة شباب الأمة في أعظم مراحل حياتهم الإنتاجية .. رقمك هيحدد مكانك غالبًا ولو كنت جايب 100% (اللي هو أعلى حاجة ممكن تلحقها بغض النظر إيه هي) بغض النظر عن اللي تحتاجه الأمة أو المناسب لإمكاناتك وشخصيتك وقدراتك .. ثم مرحلة من التوهان والتعسفات وبعض العقد النفسية والنظام التعليمي الفاشل غالبًا وأسئلة (أنا إيه اللي جابني هنا؟!) و(ماذا بعد؟!) .. قرار كبير في مرحلة عمرية مبكرة والهالة المقدسة اللي حواليه – بالإضافة للبيروقراطية العقيمة - بتصعب التراجع المرن عن القرار ده وتبديل مجال الدراسة أو حتى وجود مجال نظامي موازٍ .. نفس مبدأ خد الشهادة، علقها ع الحيط، ثم بيع بليلة في المكان اللي تحبه.

- لا حلول كاملة في وسط غير كامل، الأمر أكثر تعقيدًا من أن يُحل بكلمتين ومجموعة توجيهات، وله جذور عميقة في بنيتنا الاجتماعية ممتدة إلى أزمات أخرى أعمق، لكن يكفي شرف (المقاومة)، ومحاولات الإصلاح في أي دوائر متاحة مهما كانت صغيرة، والوعي بالأزمة خطوة مهمة في التعامل معها.

- غالبًا طلاب الثانوية العامة مش هيوصلوا للنقطة دي من المنشور مع الكلام الكبير للي فات، بس اللي وصل منهم أنا بأحييه أولًا ..

وبأقول له ثانيًا:

  • على الرغم من كل التعقيدات = اشتغل قدر الإمكان في مساحة المتاح..
  • الثغور التي تعقد الأمة آمالها عليك في سد بعضها = كثيرة جدًا، ومتوزعة في كل مجال ممكن تتخيله
  • بغض النظر هتضطر تدخل إيه في النهاية، طالما كده كده متدبس فيه = فحاول تستكشف أهمية المجال ده وعمقه والأدوات اللي ممكن تحصلها من خلاله وتقدر توظفها في مشروع إصلاحي (زمان - على أد عقلي - مكنتش شايف أي أهمية حقيقية لمجال زي الجغرافيا مثلًا لغاية م تعرفت على جمال حمدان في ثانوي وإزاي الجغرافيا اتوظفت بالشكل ده في مشروع فكري جيد وكنت مبهور إن ده ممكن يطلع من الجغرافيا وحقول السافانا وخراف المارينو وقصب نجع حمادي، وأذكر كذلك انبهاري بكلام الدكتور المسيري عن إزاي دراسته للأدب الإنجليزي من أيام الجامعة ساهمت في صناعة عقليته ومشروعه الفكري، وأمثلة أخرى كثيرة) .. طبعًا ده بغض النظر عن الوضع المحبط الممل الباهت الضعيف اللي ممكن تلاقيه في الجامعة .. لكن مع بعض التعب الخارجي الموازي منك ممكن المكنة تطلع قماش!
  • لازم مع كل ده يكون فيه حد أدنى جيد من المعرفة الدينية الإجمالية، والثقافة العامة والوعي .. هذه الأشياء هي التي تسمح بإنك توظف صح الأدوات اللي بتكتسبها، وتخدم بيها أمتك وقضاياها .. بدل م يكون الموضوع مجرد وظيفة أو معرفة دراسية مركونة ع الرف .. خد ثواب فينا .. أو حتى بدل م يكون الأمر أسوأ وتوظف سهام معرفتك إلى دينك في يوم من الأيام ولو بدون وعي
  • حاول في هذه المرحلة أيضًا تكتسب - وتدعّم - أكبر قدر ممكن من المهارات الجانبية اللي (على أقل تقدير) ممكن تساعدك في توفير غطاء مادي آدمي في بلد معدتش (بلد شهادات صحيح)، خاصة في مجالات الـ freelancing والـ Online part time jobs .. وكذلك المشاركة – ولو بقدر بسيط - في العمل الاجتماعي (الخيري)، وده له – على أقل تقدير - أثر نفسي كبير ودور في بناء الشخصية، ده غير الفريضة الاجتماعية التي ينبغي أن يؤديها الإنسان.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الثانوية-العامة
اقرأ أيضا
شبهات حول المرأة: المساواة الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

شبهات حول المرأة: المساواة الجزء الثاني


يشتمل المقال على مجموعة من الشبهات المثارة حول المرأة في باب المساواة حيث يحاول العلمانيون والمشككون وأعداء الدين أن يجدوا أي باب ليدخلوا منه ويهدموا الأسرة المسلمة وفي هذه الشبهات ستجدهم يستخدمون بعض الأحاديث النبوية التي يستدلون بها على إمكان المساواة المطلقة بين الجنسين وتجدهم يستندون تارة أخرى إلى العقل والهدف في النهاية واضح والمقال يشتمل على ردود كثيرة على هذه الشبهات

بقلم: موقع المنبر
1460
الأولاد أمانة | مرابط
مقالات

الأولاد أمانة


اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبيان أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا

بقلم: أبو حامد الغزالي
297
تتبع زلات العلماء | مرابط
مقالات

تتبع زلات العلماء


من قصص الانتكاسات التي قد نسمعها في المرحلة القادمة -مع الأسف-: قصص الشباب الذين انشغلوا في بداية طريقهم العلمي بتتبع زلات العلماء والدعاة والطعن فيهم إذ إن نهاية هذا الطريق واضحة وعاقبته على القلب والروح معلومة بينة. وإني والله لأشفق على الشاب الذي يرى الطريق الصحيح المستقيم الموصل إلى الله أمامه ثم يصر على ركوب الطريق الوعر الموحش بل ويهزأ بمن يدعوه إلى هذا الطريق والله المستعان.

بقلم: أحمد يوسف السيد
554
السهر المجهول | مرابط
فكر مقالات

السهر المجهول


في أوائل سورة الذاريات لما ذكر الله أهوال يوم القيامة توقف السياق ثم بدأت الآيات تلوح بذكر فريق حصد السعادة الأبدية واستطاع الوصول إلى جنات وعيون ولكن ما السبب الذي أوصلهم إلى تلك السعادة بين مجاهل تلك الأهوال إنه السهر المجهول تأمل كيف تشرح الآيات سبب وصول ذلك الفريق إلى الجنات والعيون:إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون الذاريات16-17

بقلم: إبراهيم السكران
1576
المثالية الزائدة | مرابط
اقتباسات وقطوف

المثالية الزائدة


لدنيا ليست كما تظن والناس أيضا ليسوا كما تتخيل ففيهم الكاذب على الله والخائن للناس وفيهم الظالم والجبار والمرتشي وشاهد الزور وفيهم القاتل والسارق إلى غير ذلك مما هو كفيل بعقلنة نظرتك للحياة هذا كله لا إشكال فيه بل الإشكال عند الذين يسبب لهم ذلك صدمة في مثاليتهم

بقلم: م أحمد حسن
458
عداء اليهود للمسلمين الجزء الأول | مرابط
تفريغات

عداء اليهود للمسلمين الجزء الأول


تمكن المسلمون من فتح الأندلس ثم خرجوا منها وليس ذلك بسبب قوة أعدائهم وإنما بتفرق كلمتهم وتجزئهم وانقسامهم فأزال الله سبحانه وتعالى دولتهم وخرجوا من تلك الديار بعد أن عمروها مئات السنين واليوم في وسط بلاد المسلمين تقوم دولة لليهود اغتصبت جزءا من ديار المسلمين في أول الأمر ثم زادت عليه فأخذت فلسطين كلها وأخذت أجزاء أخرى من بلاد المسلمين وهي تطمع غدا في احتلال الأردن وسوريا ومصر والعراق وتصل إلى منابع النفط وإلى المدينة المنورة وإلى خيبر حيث كان يقيم آباؤهم وأجدادهم في الماضي

بقلم: عمر الأشقر
1134