أثر الإيمان في بناء الأمم ج3

أثر الإيمان في بناء الأمم ج3 | مرابط

الكاتب: د سفر الحوالي

589 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مسؤولية نشر الإيمان

كيف تكون حياتنا مطمئنة وسعيدة؟ وكيف نقضي -أيضًا- على الكفر والشرك والشر والضلال في العالم؟ نحن الذين أخرجنا للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فنحن مسئولون عن المظالم التي تقع، وحتى عن الفجور والشرور الذي يقع من الكفار في بلادهم.

فهذه تعتبر مسئولية على المسلمين؛ لأنهم هم الذين يملكون كلمة الله التي لم تحرف وتبدل، وماذا نصنع في ظل العالم الذي أصبح كالقرية، فتظهر الفكرة الخبيثة في الغرب في المساء وتصبح عندنا، وفي هذا العصر من غير المستطاع أن تعيش أمةٌ بمعزل عن العالم، ولهذا لابد أن نواجه هذا الواقع بهذا الإيمان القوي الصحيح، ولعل في ذلك حكمة وهي: أننا عندما نواجه هذا الواقع وقد ذقنا الأمرين منه، فإن ذلك يكون بداية لأن يصل هذا الدين وينتشر في الدنيا كلها، وأن ( يبلغ ما بلغ الليل والنهار) كما ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

إذًا فمن أين يبدأ العلاج؟ إنه يبدأ من ذواتنا ومن أنفسنا، وهذه ميزة عظمى في هذا الدين المنـزل من عند رب العالمين وهي أن الإصلاح يبدأ من الفرد، فليس هناك قبل ذلك شيء، فكل إنسان يجب أن يصلح نفسه ويتزود من الإيمان بالله إيمانًا حقيقيًا بالتمسك بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالدعوة إلى الله على منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعلم أنه سوف يموت ويقبر ويبعث يوم القيامة فردًا، وسوف يحاسب على كل شيء، فليس هناك حساب جماعي أو أن العقوبة تكون جماعية؛ لأن المسئولية في الأصل هي على كل إنسان، قال تعالى: "وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ" [الإسراء:13] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد حدد في آيات كثيرة أن المسئولية فردية.

 

أسباب النصر

من حكمته عز وجل ورحمته: أن الأفراد مهما قل عددهم إذا قاموا بدين الله وعلى منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأظهروه ودعوا إليه؛ فإن الله عز وجل قد ضمن لهم وتكفل لهم بالنصر، ذلك نصرٌ لا يمكن لأحد أن يحول بينهم وبينه، بشرط أن تكون الغاية هي ما عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال تعالى: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [القصص:83].

وإن من الأخطاء الكبيرة التي يحملها أصحاب الدعوات الإسلامية: أن يكون هدفها وغايتها قيام دولة الإسلام والخلافة الإسلامية التي تتمكن على العالم؛ حقًا أن المسلمين يجب أن يكون لهم خلافة، ويجب أن يكونوا هم المتمكنين في الأرض وليس في ذلك شك؛ لكن يجب ألا تكون هدفًا وغاية، وإلا فسدت النية، وهذه من ضمن المسائل التي يتحقق بها وعد الله عز وجل، فإذا فسدت النية؛ لم يتحقق النصر، لكن إذا كان الهدف هو الله والدار الآخرة، وأن ينجي الإنسان نفسه من عذاب الله سواء مات الآن أم مات بعد حين، وسواء تحقق النصر على يديه أو لم يتحقق؛ فهو في كل الحالات منتصر إذا استقام على التوحيد والإيمان، فأنبياء الله ورسله -مثلًا- الذين لم يتبعهم أحد كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ومعه الرهط -أو الرهيط- والنبي وليس معه أحد} هم لم يخسروا شيئًا، انتصروا؛ بل لأنهم حققوا ما أمر الله به، ودعوا إليه، هذا هو واجبهم، فإذا لم يستجب لهم أحد فليس ذلك عليهم، بل هو لله وحده.

لذلك فإن الذي يريد الدار الآخرة، والذي يريد أن ينصره الله في هذه الدنيا، فعليه:

أولًا: أن يحقق حقيقة الإيمان، ويبدأ بإنقاذ نفسه من المعصية والقيام بطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثانيًا: أن يحرر رغباته من حب الدنيا والتعلق بشهواتها ومناصبها إلى الدار الآخرة، وليكن رجاؤه عند الله ورغبته فيما عن الله تبارك وتعالى.

فالأنصار -مثلًا- بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ماذا؟ وماذا كفل لهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ كفل لهم الجنة كما في الحديث: {قالوا: وما لنا يا رسول الله؟ قال: الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل} لكن نحن عندما عظمت عندنا الدنيا؛ هانت عندنا الجنة، فمن الآن يحدثنا عن الجنة؟ ومن منا يتذكر نعيم الجنة؟ لقد شغلنا بزخرف الحياة الدنيا، التي {لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء} وكما جاء في الحديث {مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه جمع من أصحابه بجدي أسك ميت، فأخذه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأذنه وقال: من يشتري هذا بدرهم؟ قالوا: يا رسول الله! لو كان حيًا ما اشتراه أحد؛ لأنه أسك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم} وما قيمة الدنيا إذا تجردت عن الإيمان بالله إلا كجيفة فلتكن حضارات، أو صناعات، أو قصورًا، أو ملكًا عظيمًا، لكنها إذا تجردت عن الإيمان بالله فإنها جيفة، لكن إذا ارتبط ذلك بالإيمان بالله فإنها تتحول إلى الحياة الطيبة، فإنه لم يقل: بكثرة المال، لأنها للكفار وهم أشد الناس وأكثرهم عقابًا وعذابًا قال تعالى: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ" [الأنعام:44] وأما للمؤمنين فقال تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ" [الأعراف:96] فلم يقل كل شيء؛ وإنما قال: (بركات من السماء والأرض) فهي بركة وإن كانت قليلة وإن قل الراتب، مثلًا أو قلت الوظيفة ففيهما بركة، فهذه الحقيقة التي يجب أن تكون في حسنا وفي إيماننا وشعورنا.

إن إنقاذ قيادة أمتنا لا تكون إلا بذلك، وإنقاذ هذا العالم الذي يتردى في الظلام والكفر والإلحاد والظلم والفساد، وتفتك به الأمراض القلبية، والأمراض الاجتماعية والنفسية، لا علاج لذلك كله؛ إلا بالإيمان الصادق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأن يصبح الإنسان وهمه الدار الآخرة، وأن يمسي وهمه الآخرة، ولو أن الأمة وصلت لهذه الحقيقة لتغيرت نظرتها إلى كل شيء، ولكن كيف ننظر نظرة سليمة ونحن نعظم الدنيا، وننسى الآخرة، ونحسب حساب كل شيء بالمعيار وبالميزان الاقتصادي والمادي، حتى العلاقات بين الأسر أصبحت تقاس بالمادة، فالعرض والشرف هو أغلى شيء كان يملكه الإنسان في جاهليته، وهو أغلى شيء في دينه أيضًا بعد إسلامه، أما الآن أصبح كل شيء يقاس بالمادة، أصبح الإنسان يرضى أن يدنس عرضه ويعرضه للشرور من أجل دراهم معدودة.

إذًا، سخرنا كل شيء من أجل المادة، وشغلنا بعيوب الناس وننتظر إصلاح نفوسهم، فكأن صلاحنا مرهون بصلاحهم، فأصبح كلامنا عن الناس هو حالنا؛ لكن كم منا من يتكلم عن نفسه؟! ومن منا من يحاسب نفسه؟! ومن منا من ينظر إلى ذنوبه وإلى عيوبه؟! وأقل من ذلك، من منا الذي إذا أهدي إليه عيب من عيوبه فرح وحمد الله تعالى وشكر له وشكر صاحب الهدية؟! ومن منا الذي إذا أرشده إنسان إلى سنة من سنن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتركها يفرح، ويستبشر أنه عرف السنة وترك البدعة؟! فكيف مع هذا نرجو أن يغير الله ما بنا من حال! والله تعالى يقول: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد:11] لا يمكن أبدًا، فلن يجاملنا الله عز وجل لأننا ندعي أننا مسلمون أو أننا أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا إنما هو حق وإيمان ودين فما دان الله عز وجل وما حابى أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما عصوا أو وقع من البعض الانحراف في مراحل معينة في أُحد -مثلًا- وفي يوم حنين وفي غيرها أبدًا! فالله غني عن العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإذا أن ننقذ أنفسنا وأردنا أن نفوز برضا الله عز وجل وبسعادة الدارين فهذا هو المنطلق.

فالواجب علينا دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة، والإيمان الصحيح، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنها ليست مجرد آراء، ولا تعصب لأشخاص، ولا انتماء لطائفة من المسلمين قديمًا أو حديثًا؛ لكنها المفتاح والطريق والمخْلَص والمنقذ الوحيد.

نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا جميعًا وأمتنا كلها للعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتمسك بهداه إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإيمان
اقرأ أيضا
فطرية السببية | مرابط
تعزيز اليقين

فطرية السببية


في عقولنا وفطرنا مبدأ يسمى بمبدأ السببية ويعني أن كل شيء وجد بعد أن لم يكن موجودا -وهو ما يسمى بالحادث- فإنه لا بد من سبب قد أدى إلى وجوده لقد غرس هذا المبدأ في فطرتنا كبشر لا مناص منه لأحد ولا يستطيع الإنسان الاقتناع بخلافه ولا يحتاج إلى إقامة الحجج والبينات على صحته..

بقلم: هادي صبري
429
من آثر الدنيا واستحبها | مرابط
اقتباسات وقطوف

من آثر الدنيا واستحبها


كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق

بقلم: ابن القيم
919
هل المرأة العاملة هي صاحبة القيمة الأعلى؟ | مرابط
النسوية المرأة

هل المرأة العاملة هي صاحبة القيمة الأعلى؟


هناك نوعية من النساء يدعمهن بعض المنسونين من الرجال ترى أن المرأة العاملة هي صاحبة القيمة الأعلى من غير العاملة فربة البيت عندهم ليس لها قيمة لأنها لم تجد ذاتها ولم تبحث عن نفسها ولم تحارب من أجل كينونتها ولم تصنع لنفسها مسارا بعيدا عن قهر الرجل المنزلي ولم تجعل لها مصدرا للمال غير المصدر الأبوي أو الزوجي الذكوري عندها!!

بقلم: محمد سعد الأزهري
553
زهد سعيد بن جبير | مرابط
مقالات

زهد سعيد بن جبير


حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عمر بن أيوب حدثنا جعفر بن برقان عن ابن منبه قال: طوبى لمن نظر في عيبه عن عيب غيره طوبى لمن تواضع لله من غير مسكنة ورحم أهل الذل والمسكنة وتصدق بمال جمع من غير معصية وجالس أهل العلم والحلم والحكمة ووسعته السنة ولم يتعدها إلى البدعة

بقلم: أحمد بن حنبل
786
هل العمل عبادة؟ | مرابط
مقالات

هل العمل عبادة؟


والعمل ليس عبادة إلا إذا نوى الإنسان به نية حسنة ككف نفسه عن سؤال الناس والحاجة إليهم أو النفقة على أهله والتصدق على المحتاجين وصلة الرحم ونفع المسلمين بهذا العمل.. ونحو ذلك من النيات الصالحة التي يثاب عليها. ولا بد من استحضار النية.

بقلم: قاسم اكحيلات
583
العمارة في الحضارة الإسلامية ج1 | مرابط
تاريخ

العمارة في الحضارة الإسلامية ج1


أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها وحث عليه لحماية الإنسان من حر الشمس وبرد الشتاء وأمطاره وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته ولذلك وضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى الكثير من الآداب وشهدت بلادنا الإسلامية ازدهار العمران والبناء الذي تميز بطابع إسلامي خالص وفي هذه المقالات سيقف بنا الكاتب على ملامح العمران في كل العصور الإسلامية

بقلم: موقع قصة الإسلام
1715