وأما الاحتجاج بحديث: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جميعًا..
فلا أدري كيف يفهم منه الاختلاط، فكيف يقول النبي عن الصلاة: اخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها.. وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعا، ثم يفرقهم وقت الصلاة، ولا ريب أن من فهم هذا الفهم أساء بالنبي فهما وتشريعا، والمقصود به غير هذا المعنى.
يفسر هذا الأثر ما رواه عبدالرزاق في مصنفه وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار: عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن الوضوء الذي بباب المسجد، فقال له إنسان: إن أناسا يتوضئون منه، قال: لا بأس به، قلت له: أكنت متوضئا منه؟ قال: نعم، فراددته في ذلك، فقال: لا بأس، قد كان على عهد ابن عباس، وهو جعله، وقد علم أنه يتوضأ منه النساء والرجال، والأسود، والأحمر، فكان لا يرى به بأسا.
يعني يتناوبون على أواني واحدة يتوضأ منها الجميع لا تتنجس المياه بكثرتهم، ولا باختلاف أجناسهم، كما يتناوب المتأخرون على الحمامات والصنابير، وليس في ذلك دلالة على اجتماعهم في ساعة واحدة، وإنما يتناوبون، والعلماء عند الاستدلال ينظرون إلى القصد من سياق الخبر وروايته، لأن الراوي إذا قصد بيان حكم في حديث لم يحترز إلا له، ولهذا لم أجد أحدًا من الأئمة ممن أورد هذا الحديث إلا ويورده في أبواب عدم تنجس الماء من بقايا المرأة وفضلها، لا يخرجونه عن ذلك، لأن ذلك هو الذي تسبق إليه أفهامهم عند سماع الخبر.
وما جاء في لفظ: كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا..
يعني لا نغترف اغترافًا بأواني بل الماء تنغمس الأيدي فيه يشير إلى أنه لا يتنجس بورود المرأة فيه قبلنا وهكذا يقررها الفقاء في جميع المذاهب الأربعة.
قال إمام المدينة الزهري مبينًا ذلك: تتوضأ بفضلها كما تتوضأ بفضلك.
وعلى هذا فسره أئمة الإسلام في القرون المفضلة.
المصدر:
عبد العزيز الطريفي، الاختلاط ص57