وَالله يحب الملحين فِي الدُّعَاء، وَلِهَذَا تَجِد كثيرا من أدعية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا من بسط الْأَلْفَاظ، وَذكر كل معنى بِصَرِيح لَفظه، دون الِاكْتِفَاء بِدلَالَة اللَّفْظ الآخر عَلَيْهِ، مَا يشْهد لذَلِك، كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه "اللَّهُمَّ أَغفر لي مَا قدمت وَمَا أخرت، وَمَا أسررت وَمَا أعلنت، وَمَا أسرفت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت"
وَمَعْلُوم أَنه لَو قيل: اغْفِر لي كل مَا صنعت كَانَ أوجز، وَلَكِن أَلْفَاظ الحَدِيث فِي مقَام الدُّعَاء والتضرع، وَإِظْهَار الْعُبُودِيَّة والافتقار، واستحضار الْأَنْوَاع الَّتِي يَتُوب العَبْد مِنْهَا تَفْصِيلًا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار.
وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الآخر "اللَّهُمَّ أَغفر لي ذَنبي كُله، دقه وجله سره وعلانيته، أوله وَآخره"
وَفِي الحَدِيث "اللَّهُمَّ أَغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي، وكل ذَلِك عِنْدِي"
وَهَذَا كثير فِي الْأَدْعِيَة المأثورة, فَإِن الدُّعَاء عبودية لله،وافتقار إِلَيْهِ، وتذلل بَين يَدَيْهِ، فَكلما كثره العَبْد وَطوله وَأَعَادَهُ وأبداه وَنَوع جمله، كَانَ ذَلِك أبلغ فِي عبوديته، وَإِظْهَار فقره وتذلله وَحَاجته، وَكَانَ ذَلِك أقرب لَهُ من ربه، وَأعظم لثوابه
المصدر:
ابن القيم، جلاء الأفهام