الإيمان يزيد وينقص

الإيمان يزيد وينقص | مرابط

الكاتب: ابن عثيمين

490 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

المقدم: عرفنا في لقاءاتنا الماضية -وخاصةً في اللقاء الماضي القريب- عرفنا الإيمان وعرفنا أركان الإيمان الستة، وتحدثتم عنها الحديث الذي نرجو أن يكون فيه البركة للمستمعين، لكن هناك سؤال لا بد من طرحه في هذا اللقاء وهو: هل الإيمان يزيد وينقص؟ ونود أن نعرف بأي شيءٍ تحصل الزيادة؟ وبأي شيءٍ يحصل النقصان؟

 

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

هناك كلمة باقية في الإيمان بالقدر يسيرة، وهي: أن الإيمان بالقدر له ثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه؛ لأنك إذا آمنت بأن كل شيءٍ بقضاء الله وقدره فإنك عند السراء تشكر الله في كل شيء، ولا تعجب بنفسك، ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك، وأن الفضل كله بيد الله عز وجل، فتزداد بذلك شكرًا لنعمة الله سبحانه وتعالى، ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك الله به، وأن لا ترى لنفسك فضلًا على ربك، بل ترى المنة لله سبحانه وتعالى عليك، قال الله تعالى:  يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

 

كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل وتستسلم ولا تندم على ذلك ولا تلحقك الحسرة، ألم تر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوي خيرٌ وأحبُ إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فالإيمان بالقدر فيه راحة للنفس والقلب، وعدم الحزن على ما فات، وعدم الغم والهم لما يستقبل، قال الله تعالى:  مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:22-23].

 

والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم ويفتح له الشيطان كل باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر إذا ما أصابته السراء، لكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله.

 

حقيقة الإيمان

المقدم: بالنسبة للإيمان..
الشيخ: أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة:

 

وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص؛ وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا؛ ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، فالإيمان يزيد من حيث الإقرار: إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه، فعندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة وذكر للجنة والنار يزداد إيمانًا حتى كأنه يشاهد ذلك رأي عين، وعندما تكون غفلة ويقوم من هذا المجلس يخف هذا اليقين في قلبه.

 

كذلك يزداد الإيمان من حيث القول، فإن من ذكر الله عز وجل عشر مرات ليس كمن ذكر الله مائة مرة، الثاني أزيد بكثير، وكذلك أيضًا من أتى بالعبادة على وجهٍ كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجهٍ ناقص. وكذلك العمل، فإن الإنسان إذا عمل عملًا بجوارحه أكثر من الآخر صار الثاني أزيد إيمانًا من الناقص.

 

أدلة زيادة الإيمان ونقصانه

وقد جاء ذلك في القرآن والسنة أعني: إثبات الزيادة والنقصان، قال الله تبارك وتعالى: وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31]، وقال الله تعالى:  وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125]. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)، فالإيمان -إذًا- يزيد وينقص.

 

أسباب زيادة الإيمان

لكن ما سبب الزيادة؟

السبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفةً بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيمانًا بلا شك؛ ولهذا فإن أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيمانًا من الآخرين من هذا الوجه.

 

السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك ازداد إيمانًا، قال الله تعالى:  وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21]، والآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيمانًا كثيرة.

 

السبب الثالث: كثرة الطاعات، فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيمانًا، سواءٌ كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية، فالذكر يزيد الإيمان كميةً وكيفية، والصلاة والصوم والحج يزيد الإيمان أيضًا كميةً وكيفية.

 

أسباب نقص الإيمان

أما سبب النقصان فإنه على العكس من ذلك، فالجهل بأسماء الله وصفاته موجب لنقص الإيمان؛ لأن الإنسان ينقصه إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان.

 

السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده.

 

السبب الثالث: فعل المعصية، فإن للمعصية آثارًا عظيمة على القلب والجوارح؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).

 

السبب الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سببٌ لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر فهو نقصٌ يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة أو واجبة لكن تركها لعذر فإنه نقصٌ لا يلام عليه؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقلٍ ودين، وعلّل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورةٌ بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه.

 

الرد على من ينكر زيادة الإيمان ونقصانه

المقدم: بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصه هناك من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن المعصية تكذيب الإيمان، ويكفر الإنسان، كيف يرد على هؤلاء؟

الشيخ: نرد على هؤلاء بما أشرنا إليه من قبل من نصوص الكتاب والسنة والواقع، فإننا نقول لهم: أنتم الآن لو أتاكم مخبر وقال: إن فلانًا قدم البلد اليوم، وهذا المخبر عندكم ثقة، يكون لديكم الإيمان بأنه قدم، فإذا جاء رجلٌ آخر وأخبركم بذلك أفلا يزداد إيمانكم به؟ سيقولون: بلى، يزداد إيماننا بذلك، فإذا رأيتم هذا الرجل القادم رأي العين ازدتم يقينًا أكثر، وهذا أمرٌ لا ينكره أحد، ثم نقول: ما دمنا أدخلنا الأقوال والأعمال في مسمى الإيمان فإن اختلاف الأقوال والأعمال بالزيادة والنقص أمرٌ معلوم لا ينكر، فيكون في هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص.

 

المقدم: لكن حكم عدم الإقرار بزيادة الإيمان ونقصانه؟

الشيخ: هذا يرجع إلى حال المنكر، إن كان أنكر ذلك تكذيبًا وجحدًا فهو كافر بتكذيبه وجحده لما جاء في القرآن، وإن كان تأويلًا فإن التأويل له درجات قد يصل إلى الكفر وقد لا يصل، فالإنسان الذي يقول: أنا لا أقول: إن الإيمان يزيد وينقص متأولًا، فإنه على حسب التأويل.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإيمان
اقرأ أيضا
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1011
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1205
الكذب يفسد تصور المعلومات | مرابط
اقتباسات وقطوف

الكذب يفسد تصور المعلومات


كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد

بقلم: ابن القيم
617
إظهار المنكرات | مرابط
اقتباسات وقطوف

إظهار المنكرات


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن المظهرين للذنوب فالرجل من المسلمين لو جاهر بالذنب وجب على المسلمين أن يبغضوه بقدر ما أظهر من الذنب وأن يظهروا له الخير إذا تاب إلى الله وتراجع عن ذنبه وفي المقتطف نماذج عملية من السيرة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
520
تسويف التوبة | مرابط
اقتباسات وقطوف

تسويف التوبة


وما مثال المسوف إلا مثاله من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة فقال أؤخرها سنة ثم أعود إليها وهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها وهو كلما طال عمره ازداد ضعفه فلا حماقة في الدنيا أعظم من حماقته إذ عجز مع قوته عن مقاومة ضعيف فأخذ ينتظر الغلبة عليه إذا ضعف هو في نفسه وقوي الضعيف

بقلم: أبو حامد الغزالي
224
هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه


قالوا: اختلف الصحابة في قرآنية أهم سور القرآن وهي سورة الفاتحة فلم يكتبها ابن مسعود من مصحفه كما نقل عنه ذلك التابعي ابن سيرين بقوله: إن أبي بن كعب وعثمان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن وبين يديكم الرد على هذه الشبهة

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
1881