تلاحظ دومًا أن ثمة علاقة تنمو تدريجيًا بين "التفريط الديني" وبين نزعة "التهكم بالمتدينين".. ما السبب يا ترى في هذه العلاقة الحميمية بين التفريط والسخرية؟ الحقيقة أن الإنسان منذ أن يتعثر في أودية التفريط تحاصره لسعات التأنيب الداخلية.. ومن أشد ما يؤذيه لحظات الإخلاد الهادئة حين يستعرض شريط التناقض بين المطلوب والواقع..
والنفس البشرية عادة تدفع باتجاه الانسجام الداخلي والتخلص من التناقضات.. فإما أن يعدل الإنسان سلوكه لينسجم مع قناعته.. وهذا هو سلم الصلاح.. وإما أن يعدل من قناعته لتنسجم مع سلوكه.. وهذه منحدرات الضلال.. أما حالة الكدمات المتواصلة بين القناعة والسلوك فهي حالة مؤذية جدًا.. وهذا ما يجعل النفس البشرية الضعيفة تفرح بالفتوى المتساهلة لأنها تشل عنها تلك الطرقات الداخلية المستمرة.. ولذلك لخص السلف هذه الحالة في عبارة مجازية تدلك على جمع السلف بين دقة التفكير والبلاغة الأدبية حيث قالوا (المعاصي بريد الكفر).
حسنًا .. كيف يتخلص الإنسان كليًا من ضغط التأنيب الداخلي؟ الحقيقة أن السخرية بالمتدينين من أهم الوسائل التي توفر للإنسان الراحلة الكلية من هذه الضغوط.. وضع الصورة المطلوبة في قالب هزلي يبدد نفوذها على النفس البشرية .. ولذلك نبه القرآن إلى هذه العلاقة بين "التفريط" و"السخرية" فقال تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: 56]