من المُجَرَّبات المعلومات: أن من فرّط -من غير بأسٍ- فيما كان يتشبث به من الطاعات = فإنه يفرّط بعد ذلك في غيرها وغيرها، ولو كانت تلك الطاعات من المستحبات المسنونات، كجماعة المسجد، والأذكار والأوراد والقرآن، وقيام الليل، والجلوس في المسجد، وستر الوجه (على قول من يقول باستحبابه، وإلا فهو عندنا واجب)، ومسنونات الهدي الظاهر، وغيرها ..
وذلك لأن الإيمان في قلب العبد كالبناء، فيه أعمدة ولبنات، يعتضد بعضها ببعض ويستند عليه، وإذا سقط بعضها ضعف البناء واختل بحسب موقع هذا الساقط من الشريعة ..
ولأن الإنسان إذا هان عليه ما تشبث به زمنًا طويلًا وجاهد نفسه فيه وداوم عليه وذاق حلاوته وآنس ثمرته = هان عليه ما سواه ..
ولأن هذه الطاعات هي الدرع السابغة التي يحتمي بها العبد من سهام الدنيا وأنياب الفتن، فإن خلع درعه تناوشته الدنيا واستولت الفتن على قلبه بعدما كانت تغسله هذه الطاعات، كما يقول الله جل وعلا: " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" ..
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الصدق يهدي إلى البر .. فإن الكذب يهدي إلى الفجور" الحديث، فالطاعة تجذب الطاعة، والمعصية تأتي بالمعصية ..
وكان جماعة من السلف يقولون: "من ثوابِ الحسنةُ: الحسنةُ بعدها، ومن عقوبةِ السيئةِ: السيئةُ بعدها" ..
وحذّر النبيُّ صلى الله عليه سلم عبدَ الله بن عمرو رضي الله عنهما من هذا الوهن قائلًا: "يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل"، وهذا الكلام عجيب، التنبيه بالنداء ثم ضرب المثال للاعتبار والنهي عن مماثلة الحال، ثم بيان ما كان عليه الرجل من القيام، كل ذلك قبل ذكر المحذور، وهو ترك القيام، وهذا يدل على عِظَم الأمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور!
اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور!
اللهم ردّنا إليك ولا تحرمنا منك ولا تقطعنا عنك!