ذُكر عن أحد العلماء أنه كان يسأل الله أن يهبه حياة عريضة، وإن لم تكن طويلة
ولعله أراد بالحياة العريضة؛ تلك الحياة المباركة الغنية بالإنتاج والنفع والأثر الطيب، وإن لم يُعمّر صاحبها طويلًا!
نعم، هناك أشخاص أعمارهم قليلة في هذه الدنيا لكنهم ملؤوها علما وبركة ونفعا، فكانت إمداداتهم عظيمة على من بعدهم، وهناك أشخاص عمروا طويلًا، ولكن ليس لهم أثر يُذكر.
ومن جميل حكم ابن عطاء الله قوله "رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده، ورب عمر قليلة آماده كثيرة أمداده"
ولذا كان من أنواع البركة العظيمة البركة في العمر، فقد يعيش الإنسان سنوات معدودة، ولكن يمتد أثرها إلى قيام الساعة، ويا سعادة من كان كذلك!
ومن أمارات نضج العقل أن يقدّر الأمور بالكيف لا بالكم:
- فمعاذ بن جبل مات في الثلاثين من عمره، ولكنه بالشهادة النبوية أعلم الأمة بالحلال والحرام
- وسعد بن معاذ ما كان بين إسلامه وموته ست سنوات، فأي عمر مبارك هذا الذي اهتز لموت صاحبه عرش الرحمن؟
- والإمام الشافعي لم يعش أكثر من أربع وخمسين عامًا، إلا أنه مع قصر هذا العمر ملأ الدنيا علما وشغل الناس بمعارفه وفقهه.
- والإمام النووي ومؤلفاته التي أقر ببركتها وذيوعها وعظيم أثرها القاصي والداني، لك أن تعلم أن هذا الإمام مات وعمره قرابة أربع وأربعين سنة.
فكم من عالم سعد الناس بعلمه أجيالا
وكم من كتاب نافع أضاء الله به عتمات الجهالة.
إن كثيرًا من الناس إذا ذُكرت عنده البركة انصرف ذهنه إلى بركة المال والولد، ويغفل عن البركة في العمر "فمن بورك له في عمره؛ أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة"
فالمقياس الصحيح للحياة يكون بمدى الأثر في الذي خلّفه صاحبه
ولا يكون الطول شيئًا يُذكر إذا كانت حياة الشخص يوما واحدًا متكررًا على مدار الأعوام لا جديد فيه، قال الرافعي "إذا لم تزد على الحياة شيئًا؛ كنت زائدًا عليها"
وكن رجلًا إن أتوا بعده
يقولون مر وهذا الأثر