الإنسان يملك كمية معينة من وقود التفكير، وينبغي للمرء أن يكون حاذقًا في صرف طاقته الذهنية في المواد المجدية، يقول ابن القيم في فصل عقده في كتابه الفوائد في بيان هذا المفهوم "أصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن الفكر مبدأه الإرادة". ثم واصل وسبر وقسّم مسارات التفكير البشري الثمانية فقال: وأنفع الفكر: الفكر في مصالح المعاد، وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار من أجل الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدنيا، وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدنيا، وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام دارت أفكار العقلاء"
ثم بدأ ابن القيم يستعرض نماذج من الأفكار الشريفة، وأتبعها بذكر نماذج أخرى من الأفكار الرديئة، فقال: وبإزاء هذه الأفكار: الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب أكثر هذا الخلق..ـ ومنها الفكر في جزئيات أحوال الناس، وما جرياتهم، ومداخلهم ومخارجهم، وتوابع ذلك في فكر النفوس المبطلة الفارغة من الله ورسوله والدار الآخرة.
فهذا تحليل بديع لكون المنطلق هو التفكير، وأن من الخسارة أن يتم إحراق طاقة التفكير في الماجريات، وأحوال الناس، بدل أن يتم تركيز مجهر التفكير في الموضوعات النافعة، فليس الإشكال أن تقضى الاجتماعات بذكر الماجريات، بل يرى ابن القيم أنه حتى في خلوة المرء بنفسه يجب ألا يستهلك طاقته الذهنية في التفكير في هذه الحكايات والأحداث الجزئية العابرة، بل يستعملها استعمالا منظمًا في الأهداف الفاضلة الكبرى
المصدر:
إبراهيم السكران، الماجريات، ص40