حول مشروع الجندر

حول مشروع الجندر | مرابط

الكاتب: الحارث عبد الله بابكر

389 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

«إن الفرد لا يولد امرأة، وإنما يصبح امرأة». مثّل هذا التقرير للفيلسوفة الفرنسية الشهيرة سيمون دي بوفوار شعارًا مهما في مسيرة الموجة الثانية من الحركة النسوية؛ فهو كان التدشين الأول للفكرة التي ستصبح خطة العمل الرئيسة للبحث الأكاديمي النسوي، وكما تؤكد ويندي سيالي هاريسون، فإن: «التفريق بين الجنس/الجندر كان أساسيًا للازدهار الكامل للموجة الثانية من النسوية... وقد تبع ذلك ما يزيد على الثلاثين سنة من البحث النسويّ المثمر بشكل هائل، والذي أثبت أن ما كشفه مصطلح «الجندر» كان مجالا واسقا وخصبًا فكريًا».

تدور الفكرة الرئيسية لمفهوم الجندر حول أن «صفاتنا النفسية والاجتماعية وأدوارنا لا تولد معنا بل نكتسبها من خلال التربية والثقافة المحيطة» وأن «الاختلاف الطبيعي الوحيد بين الذكر والأنثى هو في تلك الوظيفة [الإنجاب]. أما الاختلافات الأخرى من حيث الطباع أو الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل من الذكر والأنثى، فهي ليست مرتبطة بالاختلافات البيولوجية أو الفيزيولوجية الموجودة في جسد كل منهما، بل بسبب عوامل اجتماعية صنعها البشر أنفسهم».

فصل الأدوار الاجتماعية

فمفهوم الجندر في أساسه النظري عملية فصل بين الأدوار الاجتماعية والطبيعة البيولوجية، أي «أن دي بوفوار تفصل ما بين الجنس كبيولوجيا وبين الجنوسة [الجندر] باعتبارها تشكلا اجتماعيا ثقافيا». ثم هو ينظر لهذه الأدوار الاجتماعية باعتبارها وسائل يستعملها النظام الذكوري لترسيخ هيمنة الرجال على النساء عبر ربط معنى الأنوثة بالأمومة والحياء والرقة مثلًا وجعلها نتيجة لذلك خاضعة لسلطة المجتمع والأسرة. بينما في الحقيقة -بالنسبة للمتبنين لمفهوم الجندر- لا توجد علاقة بين هذه الصفات النفسية والاجتماعية وجنس الأنوثة.

ومفهوم الجندر بهذا التوصيف هو نظرية اجتماعية. فهو «يشكل عند مستخدميه معيار التفسير لفك شفرة الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية، من خلال فكرة رئيسة: الاختلافات بين النساء والرجال ليست مرتبطة بتغاير طبيعي. ولكنها نتاج بنية ثقافية. والتي نظقت برمتها لترسيخ الهيمنة على جنس من طرف الآخر.. فمفهوم النوع [الاجتماعي أو الجندر] يغطي كذلك رؤية معينة إلى العالم ونظرية. المفهوم نفسه لا ينفصل عن الفرضية التي يرتكز عليها، التي تذعي السمة الثقافية والتي تنبني على الاختلاف بين الرجل والمرأة».

وبما أنه يمثل مفهوما ضمن نظرية اجتماعية فهو بصورة حتمية متحيز وذو اتصال مع أرضية ثقافية وفلسفية ينطلق منها ويفترضها. وفي ذلك يقول الدكتور خالد بن عبد العزيز السيف: «إن أي مصطلح لا يمكن أن يُولد في فراغ. ولذلك فهو ينتمي إلى المنظومة الفكرية والفلسفية التي ولد فيها ومرجعيته هو الحقل والسياق الثقافي والمعرفي الذي عبر عنه إبان تشكله، ويمكن أن يعبر عن السياق الذي تشكل فيه بأنه هو هوية المصطلح. ولذلك فكل بحث في دلالة المصطلح دون اعتبار لهوية المصطلح يعتبر بحثا غير مكتمل الجوانب، فكثير من المصطلحات ليست مفاهيم عالمية كونية متعالية عن الزمان والمكان، وليست متجردة عن الخصوصية التاريخية والحضارية، بل تتحيز هذه المصطلحات إلى هويات راسخة سواء كانت فلسفية أو دينية..»

لكن وكما تذكر الأستاذة ملاك الجهني: «استخدام المفاهيم التحليلية الغربية بطريقة انتقائية بحيث ننتقي منها ما يناسبنا من الدلالات وننفي أخرى لا يفصم المفهوم عن جذوره ولا يفرغه من حمولته الثقافية بحال». لذلك التعامل مع المضامين التي يقدمها مشروع الجندر كحقائق نهائية يتجاهل حقيقة كونها مجرد نظرية اجتماعية. وكما يذكر فرانسوا-كزافييه بيلامي: «المدافعون عن هذا المفهوم الذين يستخدمونه بشكل واسع اليوم ... يرفضون بشدة أن تكون «نظرية» ما مخفية وراء هذا المفهوم. ولكن هذا الرفض ليس له ببساطة أي معنى.. تفسير التاريخ والأدب والحياة الاجتماعية كأماكن للهيمنة الذكورية من خلال إقامة القوالب النمطية حول الجنسين. يمكن أن يكون فرضية للاشتغال؛ ولكن الأمر يتعلق كثيرا بنظرية خاصة. وبهذا الصدد فهي لا تملك دليلا مؤكدًا لا جدال فيه.»

الجندر والموقف الأخلاقي

ومن الجوانب المهم الوعي بها أيضًا -إضافة إلى أن مفهوم الجندر ينطلق من أرضية فلسفية ونظرية اجتماعية محددة- فإن مفهوم الجندر أيضًا لا ينفصل عند أكثر المتبنين له عن الموقف الأخلاقي المصاحب له، فقد تم الربط بين عملية وضع الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء بفكرة هيمنة الرجال على النساء. باعتبار أن الحديث عن وجود تغاير «طبيعي» بين الرجل والمرأة هو ادعاء تم استعماله لمدة طويلة لقمعها والهيمنة عليها وجعل ذلك أمرا طبيعيا وبذلك سيستعمل الجندر لتفكيك هذه «الطبيعية» ولبيان أنها اجتماعية؛ أو على حد وصف كاملا بهاسين: «طرح الاختلاف بين «الجنس» والنوع الاجتماعي «الجندر» لمعالجة التوجهات العامة التي ترجع خضوع المرأة إلى تركيبتها الجسدية. إذ ساد طويلًا الاعتقاد بأن التباين بين خصائص دور المرأة والرجل ومكانة كل منهما في المجتمع تحدد وفقًا للتصنيف البيولوجي للجنس المعين، لذلك اعثتبرت هذه الخصائص طبيعية وغير قابلة للتغيير. بهذا المفهوم: ظل التكوين الجسدي للمرأة، ولا يزال، سببا مباشرا لخضوعها في المجتمع. وفي حالة قبول هذا كوضع طبيعي من البديهي ألا تثار قضية عدم المساواة وعدم العدل في المجتمع». ولذلك يتم النظر إلى الاختلافات في بعض التشريعات الاجتماعية بين الرجال والنساء وردّها إلى اعتبارات تتعلق باختلاف طبائع الرجال والنساء على أنها وسيلة للحفاظ على الهيمنة الذكورية من الرجال على النساء.


المصدر:
مجلة أوج

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الجندرية
اقرأ أيضا
من أشراط الساعة: التباهي بالمساجد | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أشراط الساعة: التباهي بالمساجد


ومن أشراط الساعة ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من التباهي بالمساجد والمراد بالتباهي بالمساجد بتشييدها وعمرانها على مبان مختلفة حتى يتباهى الأغنياء كما يتباهون في بيوتهم: ذاك مسجد فلان وذاك مسجد فلان وشيد فلان مسجدا على هيئة كذا وشيد فلان مسجدا على هيئة كذا أو ما يقال أن مسجد فلان أكبر من مسجد فلان أو مسجد فلان أجمل وأفضل أو أكثر تحسينا من مسجد فلان

بقلم: عبد العزيز الطريفي
648
الانكسار أمام الثقافة الغربية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الانكسار أمام الثقافة الغربية


شهدت بلادنا ظهور العديد من التيارات الإصلاحية التي زعمت أنها تحاول الوصول إلى سبل التقدم والنهضة وطريق النجاة لبلادنا ولكن سعيها في النهاية أوصلها إلى الشواطئ الغربية فبدأت محاولات التوفيق بين الإسلام وبين الثقافة الغربية بكل شكل ممكن وبدأت محاولات الإصلاح تحت ضغط هذه الثقافة فأدت في النهاية إلى صورة مشوهة مزعومة للإسلام

بقلم: فتحي عبد الكريم ومالك بن نبي
2048
فصول في خروج النساء وملابسهن | مرابط
المرأة

فصول في خروج النساء وملابسهن


وانظر رحمنا الله وإياك إلى هذه السنن كيف اندرست في زماننا هذا حتى بقيت كأنها لم تعرف لما ارتكبن من ضد هذه الأحوال الشرعية فتقعد المرأة في بيتها على ما هو معلوم من عادتهن بحفش ثيابها وترك زينتها وبحملها وبعض شعرها نازل على جبهتها إلى غير ذلك من أوساخها وعرقها حتى لو رآها رجل أجنبي لنفر بطبعه منها غالبا فكيف بالزوج الملاصق لها فإذا أرادت إحداهن الخروج تنظفت وتزينت ونظرت إلى أحسن ما عندها من الثياب والحلي فلبسته وتخرج إلى الطريق كأنها عروس تجلى.

بقلم: ابن الحاج
552
الإطراق الأخير | مرابط
فكر مقالات

الإطراق الأخير


إنسان هذا العصر منهمك في دوامة الحياة اليوميةأصبح الواحد منا كأنه ترس في دالوب المهام والتفاصيل الصغيرة التي تستلمك منذ أن تستيقظ صباحا حتى تلقيك منهكا فوق سريرك في أواخر المساء دوام مضني ورسالة جوال ورسالة إيميل وتعليق فيسبوكي وخبر تويتري ومقطع يوتيوبي وتنقل بين الفضائيات وصراخ منبهات في طرق مكتظة وأعمال مؤجلة كلما تذكرتها قرصك الهم الخ الخ

بقلم: إبراهيم السكران
799
من أشراط الساعة: نزع الأمانة من قلوب الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أشراط الساعة: نزع الأمانة من قلوب الناس


ومن أشراط الساعة المتعلقة والتي قد يكون لها صلة في هذا الباب: نزع الأمانة من قلوب الناس ونزع الأمانة من قلوب الناس فيه إشارة إلى الشح المطاع والهوى المتبع والطمع والجشع ومن ثمار ذلك ما سلف من قطيعة الأرحام وتسليم الخاصة وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى تقلب الإنسان في يومه وليلته من أمين إلى خائن ومن مؤمن إلى كافر في يوم وليلة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
635
أخوك أم الذئب؟ | مرابط
مقالات

أخوك أم الذئب؟


إن الشرق إذا خلص من شر النفايات الطافية على سطحه وإذا وثق بسلطان الروح السامية التي لا تذل وإذا نهج النهج لا يتهيب فما بد من أن يحوز من القوة ما يضارع قوة المدنية الأوربية المتهالكة وأن يجعل في هذه القوة من النظام الروحي النبيل ما يرد كل غائلة ويمنعها كل عدوان ويرفع الإنسانية درجات في طريقها إلى السماء. وهذه أيام فيها عبر كثيرة لمن يعتبر فإن حقائق المدنية الأوربية تستعلن كلها في هذه الرجة العظيمة التي ترجف بالعالم ساعة بعد ساعة.

بقلم: محمود شاكر
305