الليلُ في رمضان عظيمٌ؛ فاحرص فيه على صلاة الليل، وأطِل القيام والركوع والسجود وأكثِر في السجود من الدعاء.
صلاةُ الليل مثنى مثنى؛ وخيرُ الصلاةِ صلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما ذكرتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا). فمن أطاق ذلك على هذه الصفة فهو التمامُ.
ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُوقت عدد ركعات لصلاة الليل، فليس للقيام عدد ركعات مُحدد، الاعتبارُ بمقدار الوقت الذي تقوم فيه، لا بعدد الركعات، ولا بعدد الآيات ((قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا*نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ..)) وفي الحديث (أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا).
فصلِّ فيه ما استطعت، كيفما تيسّر إن أحببتَ:
فركعات قليلة طويلة
أو ركعات قصيرة كثيرة
صلِّ من أول الليل، من وسطه، من آخره
صلّ قليلا ثم نَم ثم قم وصلّ
تقرأ في الصلاة من حفظك أو من المصحف
تكرر سورة واحدة في كل الركعات
تقرأ بترتيب السور، أو بغير ترتيب
.. كل هذا حسن وصحيح
فإذا تعبت فاجلس اذكر الله.. استغفر.. ادعُ..سل الله من كل خير تطلبه لك ولأهلك وأحبابك.. تفكّر في خلق السماوات والأرض وفي نفسك انظر ماذا قدّمتَ لغدٍ، واجمع أهلك معك، وافصِلْ نفسك عن الدنيا في هذه الأوقات؛ فهي واللهِ زادُك وبركتُك ورُوحُك، هي التي تستمد منه القوة للعيش في هذه الحياة الدنيا بفِتنها وكَبَدِها ومصائبها.. فلا تغفل عن نصيبك من الليل.
عن ركعات قيام الليل،و فقه ذلك: قال ابْنُ تيمية في (مجموع الفتاوى):
"قيام رمضان لم يؤقت النَّبِيُّ فيه عددًا معيَّنًا بل كان هو لا يَزِيدُ في رمضانَ ولا غيرِه على ثَلاثَ عَشْرَةَ ركعةً، لكن كان يُطِيلُ الرَّكَعَاتِ، فلمَّا جمعهم عُمَرُ على أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كان يصلِّي بهمْ عِشْرِينَ ركعةً ثُمَّ يُوتِرُ بِثلاثٍ، وَكانَ يُخَفِّفُ القِراءَةَ بِقَدْرِ ما زادَ على الرَّكَعَاتِ؛ لأنَّ ذلك أخفُّ على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثُمَّ كان طائِفَةٌ من السلف يقومون بأربعينَ ركعةً ويُوتِرُونَ بثلاثٍ، وآخرونَ قاموا بسِتٍّ وثلاثينَ وأَوْتَرُوا بِثلاثٍ، وهذا كلُّه سائِغٌ؛ فَكَيْفَمَا قام في رمضانَ من هذه الوُجُوهِ فَقَدْ أحْسَنَ، والأفضل يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاف أحوال المصلين. وَمَنْ ظَنَّ أنَّ قِيامَ رمَضَانَ فيه عددٌ مُؤَقَّتٌ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لا يُزَادُ فيه ولا يُنْقَصُ منه، فقد أَخْطَأَ".