ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية

ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

260 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الشبهات تستحكم في قلب الإنسان بحسب بعده عن إدراكها، ولهذا قلنا: إن عقل الإنسان هو كحال الإناء منه ما يمكن أن يضعه في الإناء ويستوعبه، ومنه ما لا يستوعبه الإنسان، وما لا يستوعبه الإنسان ككثير من الحكم الإلهية في خلق الله سبحانه وتعالى للكون، وكذلك العلل التي لا يدركها الإنسان، فعقل الإنسان إذا أراد الإنسان أن يعرف قدره فلينظر إلى حجمه من الكون، حتى يدرك مقدار العقل الذي يمكن للإنسان أن يستوعب الحكم الإلهية من خلق المخلوقات، وإجراء المجرات، وسير هذه الكواكب والأفلاك، وما جعل الله عز وجل فيها من سنن إلهية قدرية تحير الألباب.

فيعلم الإنسان أن الله عز وجل يغيب كثيرًا من الحكم عن عقل الإنسان؛ لأنها لو طرحت عليه لا يمكن للإنسان أن يصدقها، ولهذا لو نظر الإنسان إلى عقل القرشي الجاهلي في مكة حينما أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه ذهب من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة، وعاد من ذلك، ولم يخبرهم عليه الصلاة والسلام بأمر السماء، أنكروا ذلك، وجعلوه من السحر، لكن لو كان أحدنا في زمانهم لعد مجنونًا أن ينكر مثل هذا؛ لأن الإنسان يراه الآن عيانًا، فالإنسان الآن يذهب ويأتي بسرعة، فهم كفروا بمثل هذا الأمر، لكن الذي ينكر ذلك الآن فإنه بإجماع البشرية أنه من المتخلفين الذين لم يروا ما أدركه الإنسان.

إذًا: عقل الإنسان في ذاته لا يمكن أن يحكم على الطبيعة من جهة الصحة والخطأ، ولا يمكن أن يحكم على الغير من جهة الصحة والخطأ أيضًا، وإنما الإنسان يحكم بحسب ما لديه، ولهذا الله عز وجل في بعض المواضع يأمر الإنسان بالإيمان والانقياد فحسب، ويكل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا يقيس به الإنسان جملة من الحقائق الإلهية التي خلق الله عز وجل الإنسان عليها، ثم بعد ذلك يقيس صدق خبر في موضع على موضع آخر؛ حتى يعرف الإنسان صدق المخبر في غير ذلك الموضع، وذلك يعطيه يقينًا، والله عز وجل لم يأمر البشرية بأن تؤمن بالغيبيات كلها، ولم يكن ثمة دلائل من الأمور المشاهدة تثبت صدق المخبر في ذلك، وهو النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما جعل دائرة للصدق، ودائرة للغيب بعد ذلك يجب عليهم أن ينقادوا إلى موضع الاختبار والامتحان.

الله سبحانه وتعالى جعل الناس في هذه الدنيا يدركون بحسب ما يريدون، وأكثر ضلال الإنسان فيما لا حاجة إليه في أمر دنياه، ولو اتصل الإنسان بعلمه فيما له حاجة فيه من جهة الإدراك والعمل لما ضل من البشرية أحد، ولهذا الله سبحانه وتعالى امتن على البشر في قوله جل وعلا: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" [الإسراء:85].

وذلك أن الإنسان يبحث عن المعلومات ويستكثر منها، وجلبه لهذه المعلومات يزيد معها كثير من الشبهات، وتورث الإنسان شيئًا من الشبهات، كحال كثير من الناس الذين يوغلون بعلم الأبراج والكواكب ونحو ذلك، ومعلوم أنهم لم يغيروا من حركة الشمس ولا الكواكب ولا المجرات ونحو ذلك، بل يبحثون إلى مواضع هي بينهم وبين البشرية إلى آلاف الأميال الضوئية، ويعلمون أنهم لن يدركوا من الوصول إلى هذه الطبيعة شيء، ومثل هذه الأمور تجلب لأناس علمًا ويقينًا، وتجلب لأناس شبهة باعتبار أنها من الغيبيات المنفصلة عن إدراك عقل الإنسان، وهذا بحسب يقين الإنسان وقربه من الله سبحانه وتعالى في علوم أخرى التي تثبت القلب عند ورود الشبهة عليه.

الأمور المتشابهة هي المترددة بين أمرين كما تقدم الكلام عليه، وكلما تردد الإنسان بين أمرين فهو أقرب إلى الحق مما إذا تردد بين ثلاثة وأربعة وهكذا، والله عز وجل أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأظهر البينات والمعجزات على يد نبيه عليه الصلاة والسلام، حتى يجلب القلوب النافرة التي تقيس جملة من الأمور التي لا يدركونها، أو يأتي إلى عقل الإنسان شيء من الأفكار والوساوس بالتنفير من أمثال هذه الأمور فيقيسون شيئًا من الأمور الصادقة بشيء من الأمور الغيبية.

ثم بعد ذلك يؤمنون، خاصة إذا كان المخبر معصوم، أي: أنه لا يرد على لسانه الكذب عليه الصلاة والسلام، فيرون المشاهد مصدق في كل حال، ويرون الغيبي غائب عنه، فيصدقون الغيبي لثبوت صدق المشاهد، وأنه لم يكذب في موضع من المواضع، ولهذا فالذي ينفر في ذلك ينفر عن الحق الذي يخبر به المصدق ولم يكذب في موضع معين، ويكذب الغيب كله باعتبار عدم إدراكه، ولم يأخذ الأمور المشاهدة التي جاء بها على سبيل الصدق، وبحث الإنسان عللها فوجدها مصيبة فهذا معاند كافر، وهذه طريقة أهل الظلال والزيغ من المعاندين.

الإنسان في أمر الشبهات وكذلك اليقين إدراكه وإيمانه بما يرى وما يغيب عن ذهنه النظر في ذلك هو أمر طويل وعريض جدًا من جهة إدراك الإنسان لما يتعلق في أمور المشاهدات، مما يتعلق علم الإنسان ووفرته، مما يستطيع الإنسان أن يؤلف بين تلك المعلومات ويخرج معلومة أخرى، وكما لا يخفى أن المعلومات والعلم والفكر والآراء كلها موجودة ومخلوقة، وإنما الناس يؤلفون بينها، فما نرى من أمور الطبيعة، وما نرى من الرسومات، وما نرى من الأشياء والألوان.

هذه من أمور الطبيعة يشكل الإنسان بينها فيخرج شيئًا جديدًا، كحال اللونين يدمج الإنسان بينهما فيخرج في ذلك لونًا جديدًا، كذلك أيضًا الأفكار يدمج الإنسان بينها ويخرج شيئًا، ولهذا لا يمكن للإنسان أن يبدع شيئًا معدومًا لم يخلقه الله عز وجل من المعلومات، ولو سبر الإنسان ذلك لوجد ذلك يقينًا، وذلك كأمور المادة يدمج الإنسان بينها فيصنع بيتًا، ويصنع مركبة ونحو ذلك، كذلك أمر الأفكار كما أنه انبهر أنه أوجد هذه المراكب من عدم، وهي في ذاتها لم توجد من عدم، وإنما جهل مراتب التأليف بينها حتى تخرج على هذا الشكل، وذلك لضعف الإنسان السابق وقوة الإنسان اللاحق، وهذا أمر لكثرة الأقيسة والموروث من العلم يزداد لدى الإنسان الإدراك في ذلك، فيزداد الإنسان فيه علمًا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل #الحكمة-الإلهية
اقرأ أيضا
رؤية السلف لصفات الله عز وجل | مرابط
اقتباسات وقطوف

رؤية السلف لصفات الله عز وجل


ومن أهم المعاني التي كان يستحضرها السلف عند تصور صفات الله استحضار التعظيم الإلهي بمعنى أنهم يتذكرون دائما وجوب تعظيم الله وإجلاله سبحانه وهذا المعنى أثر في طريقة بحثهم وفي طريقة تعبيرهم عن مقام الله وأسمائه وصفاته

بقلم: سلطان العميري
792
موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج1 | مرابط
فكر مقالات

موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج1


في هذا المقال تأصيل هام لموقف الصحابة رضوان الله عليهم من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نظرا لكثرة الشبهات والأباطيل التي أثيرت حول هذا الموضوع وكثرة الأخبار الباطلة والمزعومة التي يوردها البعض عن الصحابة وأهل العلم ولا تخلو من لبس وإشكال ولذلك يقف بنا الكاتب الدكتور سلطان العميري على حقيقة الأمر

بقلم: د سلطان العميري
2058
هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر


تقول الشبهة بأن الله لا يغفر أن يشرك به كما جاء في القرآن الكريم ولكن في نفس الوقت غفر الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام عبادته للنجوم فهل فعلا عبد سيدنا إبراهيم النجوم والشمس والقمر كما يزعم صاحب الشبهة وهل وقع هنا أي حالة من حالات الشرك هذا ما يناقشه المقال ويوضح مكامن الخلل في هذه الشبهة السخيفة

بقلم: محمد عمارة
1937
الرقية الشرعية.. بين الطب والوحي | مرابط
أباطيل وشبهات

الرقية الشرعية.. بين الطب والوحي


نسمع بين الفينة والأخرى سؤالا يتردد حول الرقية الشرعية ما رأيك في الرقية الشرعية؟ وإذا كان الطب يؤيدها فلم التداوي بالعلاج إذن؟ لم لا يلجأ الناس للرقية الشرعية فقط دون الأدوية؟ وهل تؤتي أكلها أم أن العلاج المادي أنجع؟ وغير ذلك من الإشكالات والشبهات التي يرد عليها د. مهاب سعيد في هذا المقال الموجز.

بقلم: د. مهاب
380
شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس


يعطى القرآن أسماء لبعض الشخصيات التاريخية مخالفة لأسمائهم حسب الكتاب المقدس الذى سبق القرآن بعدة قرونفمثلا والد إبراهم عليه السلام كان اسمه teral أو تارح ومع ذلك يسميه القرآن آزر واسم الذى كان يوسف عليه السلام فى بيته كان potiphar أما الاسم المعطى له فى القرآن فهو عزيز وهذه شبهة يروجها البعض كمدخل للطعن في القرآن وفي هذا المقال الرد القاطع عليها

بقلم: محمد عمارة
1265
أهمية العلم ولزوم الدليل | مرابط
مقالات

أهمية العلم ولزوم الدليل


ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي. أو رأي نفسي. فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين. وآراء المنحرفين وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين. ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل. ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة. وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم.

بقلم: ابن القيم
370