ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية

ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

337 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الشبهات تستحكم في قلب الإنسان بحسب بعده عن إدراكها، ولهذا قلنا: إن عقل الإنسان هو كحال الإناء منه ما يمكن أن يضعه في الإناء ويستوعبه، ومنه ما لا يستوعبه الإنسان، وما لا يستوعبه الإنسان ككثير من الحكم الإلهية في خلق الله سبحانه وتعالى للكون، وكذلك العلل التي لا يدركها الإنسان، فعقل الإنسان إذا أراد الإنسان أن يعرف قدره فلينظر إلى حجمه من الكون، حتى يدرك مقدار العقل الذي يمكن للإنسان أن يستوعب الحكم الإلهية من خلق المخلوقات، وإجراء المجرات، وسير هذه الكواكب والأفلاك، وما جعل الله عز وجل فيها من سنن إلهية قدرية تحير الألباب.

فيعلم الإنسان أن الله عز وجل يغيب كثيرًا من الحكم عن عقل الإنسان؛ لأنها لو طرحت عليه لا يمكن للإنسان أن يصدقها، ولهذا لو نظر الإنسان إلى عقل القرشي الجاهلي في مكة حينما أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه ذهب من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة، وعاد من ذلك، ولم يخبرهم عليه الصلاة والسلام بأمر السماء، أنكروا ذلك، وجعلوه من السحر، لكن لو كان أحدنا في زمانهم لعد مجنونًا أن ينكر مثل هذا؛ لأن الإنسان يراه الآن عيانًا، فالإنسان الآن يذهب ويأتي بسرعة، فهم كفروا بمثل هذا الأمر، لكن الذي ينكر ذلك الآن فإنه بإجماع البشرية أنه من المتخلفين الذين لم يروا ما أدركه الإنسان.

إذًا: عقل الإنسان في ذاته لا يمكن أن يحكم على الطبيعة من جهة الصحة والخطأ، ولا يمكن أن يحكم على الغير من جهة الصحة والخطأ أيضًا، وإنما الإنسان يحكم بحسب ما لديه، ولهذا الله عز وجل في بعض المواضع يأمر الإنسان بالإيمان والانقياد فحسب، ويكل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا يقيس به الإنسان جملة من الحقائق الإلهية التي خلق الله عز وجل الإنسان عليها، ثم بعد ذلك يقيس صدق خبر في موضع على موضع آخر؛ حتى يعرف الإنسان صدق المخبر في غير ذلك الموضع، وذلك يعطيه يقينًا، والله عز وجل لم يأمر البشرية بأن تؤمن بالغيبيات كلها، ولم يكن ثمة دلائل من الأمور المشاهدة تثبت صدق المخبر في ذلك، وهو النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما جعل دائرة للصدق، ودائرة للغيب بعد ذلك يجب عليهم أن ينقادوا إلى موضع الاختبار والامتحان.

الله سبحانه وتعالى جعل الناس في هذه الدنيا يدركون بحسب ما يريدون، وأكثر ضلال الإنسان فيما لا حاجة إليه في أمر دنياه، ولو اتصل الإنسان بعلمه فيما له حاجة فيه من جهة الإدراك والعمل لما ضل من البشرية أحد، ولهذا الله سبحانه وتعالى امتن على البشر في قوله جل وعلا: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" [الإسراء:85].

وذلك أن الإنسان يبحث عن المعلومات ويستكثر منها، وجلبه لهذه المعلومات يزيد معها كثير من الشبهات، وتورث الإنسان شيئًا من الشبهات، كحال كثير من الناس الذين يوغلون بعلم الأبراج والكواكب ونحو ذلك، ومعلوم أنهم لم يغيروا من حركة الشمس ولا الكواكب ولا المجرات ونحو ذلك، بل يبحثون إلى مواضع هي بينهم وبين البشرية إلى آلاف الأميال الضوئية، ويعلمون أنهم لن يدركوا من الوصول إلى هذه الطبيعة شيء، ومثل هذه الأمور تجلب لأناس علمًا ويقينًا، وتجلب لأناس شبهة باعتبار أنها من الغيبيات المنفصلة عن إدراك عقل الإنسان، وهذا بحسب يقين الإنسان وقربه من الله سبحانه وتعالى في علوم أخرى التي تثبت القلب عند ورود الشبهة عليه.

الأمور المتشابهة هي المترددة بين أمرين كما تقدم الكلام عليه، وكلما تردد الإنسان بين أمرين فهو أقرب إلى الحق مما إذا تردد بين ثلاثة وأربعة وهكذا، والله عز وجل أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأظهر البينات والمعجزات على يد نبيه عليه الصلاة والسلام، حتى يجلب القلوب النافرة التي تقيس جملة من الأمور التي لا يدركونها، أو يأتي إلى عقل الإنسان شيء من الأفكار والوساوس بالتنفير من أمثال هذه الأمور فيقيسون شيئًا من الأمور الصادقة بشيء من الأمور الغيبية.

ثم بعد ذلك يؤمنون، خاصة إذا كان المخبر معصوم، أي: أنه لا يرد على لسانه الكذب عليه الصلاة والسلام، فيرون المشاهد مصدق في كل حال، ويرون الغيبي غائب عنه، فيصدقون الغيبي لثبوت صدق المشاهد، وأنه لم يكذب في موضع من المواضع، ولهذا فالذي ينفر في ذلك ينفر عن الحق الذي يخبر به المصدق ولم يكذب في موضع معين، ويكذب الغيب كله باعتبار عدم إدراكه، ولم يأخذ الأمور المشاهدة التي جاء بها على سبيل الصدق، وبحث الإنسان عللها فوجدها مصيبة فهذا معاند كافر، وهذه طريقة أهل الظلال والزيغ من المعاندين.

الإنسان في أمر الشبهات وكذلك اليقين إدراكه وإيمانه بما يرى وما يغيب عن ذهنه النظر في ذلك هو أمر طويل وعريض جدًا من جهة إدراك الإنسان لما يتعلق في أمور المشاهدات، مما يتعلق علم الإنسان ووفرته، مما يستطيع الإنسان أن يؤلف بين تلك المعلومات ويخرج معلومة أخرى، وكما لا يخفى أن المعلومات والعلم والفكر والآراء كلها موجودة ومخلوقة، وإنما الناس يؤلفون بينها، فما نرى من أمور الطبيعة، وما نرى من الرسومات، وما نرى من الأشياء والألوان.

هذه من أمور الطبيعة يشكل الإنسان بينها فيخرج شيئًا جديدًا، كحال اللونين يدمج الإنسان بينهما فيخرج في ذلك لونًا جديدًا، كذلك أيضًا الأفكار يدمج الإنسان بينها ويخرج شيئًا، ولهذا لا يمكن للإنسان أن يبدع شيئًا معدومًا لم يخلقه الله عز وجل من المعلومات، ولو سبر الإنسان ذلك لوجد ذلك يقينًا، وذلك كأمور المادة يدمج الإنسان بينها فيصنع بيتًا، ويصنع مركبة ونحو ذلك، كذلك أمر الأفكار كما أنه انبهر أنه أوجد هذه المراكب من عدم، وهي في ذاتها لم توجد من عدم، وإنما جهل مراتب التأليف بينها حتى تخرج على هذا الشكل، وذلك لضعف الإنسان السابق وقوة الإنسان اللاحق، وهذا أمر لكثرة الأقيسة والموروث من العلم يزداد لدى الإنسان الإدراك في ذلك، فيزداد الإنسان فيه علمًا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل #الحكمة-الإلهية
اقرأ أيضا
الميزان المقلوب الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الميزان المقلوب الجزء الأول


فقد ورد في بعض الأحاديث: أن رجلا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم فسأل صحابيا عنده: ما تقول في هذا -وكان رجلا وجيها في قومه وصاحب مال وله مكانة في نفوس أهل الدنيا- فقال: هذا حري إن خطب أن يزوج وإن شفع أن يشفع ثم مر رجل آخر فقير فسأله عنه فقال: هذا حري إن خطب ألا يزوج وإن شفع ألا يشفع فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل ذاك أو كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه

بقلم: عمر الأشقر
684
الإيمان المشروط | مرابط
مقالات

الإيمان المشروط


ومن المظاهر الخطرة في هذه المدارس الفكرية الأربع العلمانيون والليبراليون والتنويريون واليساريون ما يمكن تسميته حالة الإيمان المشروط فهم مؤمنون بالإسلام ومؤمنون بالوحي بل بعضهم سيندهش لو شككت في إيمانه! لكنهم كلهم تقريبا يؤمنون بالنص القرآني أو النبوي الذي ينسجم فقط مع منظومتهم الفكرية الأيديولوجية ويتسلطون بالمكابرة التأويلية على كل نص يهدد هرم أولوياتهم الفكرية.

بقلم: إبراهيم السكران
495
ثغرات تسدها المرأة المسلمة: الأمومة والأولاد | مرابط
تفريغات المرأة

ثغرات تسدها المرأة المسلمة: الأمومة والأولاد


إن المجيء بالولد والإتيان به لا شك أنه يترتب عليه مسئولية كبيرة وغرس مبادئ العقيدة في الطفل أمر مهم في غاية الأهمية وكلما تدرج الولد ينبغي أن تقوم بحقه في التعليم خصوصا في غمرة انشغال بعض الآباء وإهمالهم فإنه لا يبقى من صمامات الأمان إلا المرأة التي تراقب وتربي الولد وكثير من الانحرافات التي حصلت عند الأولاد بسبب إهمال المرأة لهذه التربية ثم بعد ذلك نحصد ونجني الثمار المرة المترتبة في كثير من الانحرافات.

بقلم: محمد صالح المنجد
452
براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الثاني


شكل المذهب الأشعري منهجا جديدا مختلفا عما كان عليه السلف المتقدمون منذ أول لحظة من ظهوره حيث إن الأشعري اعتمد طريقة ابن كلاب ومنهجه في تأسيس العقائد ومن حين أن ظهر المذهب الأشعري باعتباره مذهبا عقديا له أصول وعقائد خاصة اتخذ منه أئمة أهل السنة والجماعة الذين هم أخبر بمذهب الأئمة المتقدمين وأعلم بمدلولاتها موقفا واضحا وعدوه من الفرق الخارجة عن السنة التي كان عليها الصحابة وتلاميذهم ومن جاء بعدهم من الأئمة المتبوعين نتيجة لما تلبس به من أخطاء منهجية وعقدية وفي هذا المقال يضع الكاتب أمامنا أهم

بقلم: سلطان العميري
2141
الحداثيون والشاطبي | مرابط
فكر مقالات

الحداثيون والشاطبي


الواقع أن الشاطبي وموافقاته ومقاصده لم يكن هو الحافز الحقيقي المحرك لهم لهذه التأويلات الفقهية لأحكام الشريعة التي ينشرونها وإنما هي آراء تلقوها من الفكر الغربي الحديث ولهم فيها هوى عظيم ثم بحثوا في التراث الإسلامي عن تأصيل لها فرأوا الشاطبي يؤكد على المقاصد العامة والضرورات الكبرى فصارت لهم شبهة تركبت مع هواهم فصاروا يذكرون الشاطبي وينوهون به ويشيدون بعبقريته وحذاقهم يعلمون جيدا التناقض بين موافقات الشاطبي والتغريب الفقهي

بقلم: إبراهيم السكران
451
انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم | مرابط
فكر تفريغات

انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم


نقف وقفة ونسأل: لماذا هذا التباين الرهيب بين ما عليه شباب أمة الإسلام الآن وبين ما ينبغي أن يكون عليه من المؤكد أن الخطأ لم ينبع من الشباب وحدهم لكن الخطأ خطأ مركب فهذه منظومة كاملة حدث فيها نوع كبير من الاضطراب والخلل في هذه المحاضرة أحصي لكم أربعة أسباب لانهيار مستوى الشباب

بقلم: راغب السرجاني
881