العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة ج2

العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة ج2 | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

810 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

تكذيب الرسل

إن الضلال في تاريخ البشرية كثير ومتشابك تشابك الطرق في صحراء ليس لها حدود، وهو ضلال متداخل ملتوٍ معوج، وقد استمر الوحي السماوي يواكب البشرية والحياة الإنسانية وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24]، والرسل الذين أرسلهم الله أوصلوا صوت الحق إلى جميع الأمم، ولكن البشر في كل العصور يرفضون الاستجابة للرسل، فنجدهم يقفون منهم موقف المعاند المكابر، ويكذبونهم ويتمردون على وحي السماء، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا [المؤمنون:44] أي: متتابعة كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ [المؤمنون:44].

فلقد كان موسى من أعظم الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وأنزل عليه شريعة التوراة، ولم يستطع كثير من بني إسرائيل أن يرتفعوا إلى مصاف المؤمنين، ولم يطيقوا إظهار الحقيقة بعيدًا عن الخرافات والضلال والأوهام، فأنجاهم الله من فرعون، فما كادت تخرج أقدامهم من البحر الذي شقه الله لهم حتى جاءوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، فقالوا لنبيهم: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138] أي: اجعل لنا صنمًا نعبده.

ونسبوا إلى الأنبياء الكبائر والفواحش، وأضاعوا العقيدة الصافية التي هي سمة العقيدة الإلهية التي تصل الناس بربهم، وكتب علماؤهم التلمود، وقد سبقوا بتلمودهم أهل الشرك والوثنية، فلقد صوروا الله تبارك وتعالى في تلمودهم إنسانًا يلطم ويبكي ويستغفر ويذنب ويكفر عن ذنبه.

وقد حدثنا الله عن تلاعب بني إسرائيل بالتوراة، فقال: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79]، وقال: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78].

ثم جاء عيسى بن مريم بالإنجيل فيه هدى ونور يدعو إلى عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، ولكن النصارى اختلفوا من بعده، ولم يمض وقت طويل حتى اختلفوا في كتابهم، فعدت الأناجيل فإذا هي تزيد على السبعين في ذلك الوقت!

واختلفوا في طبيعة المسيح، فمنهم من قال: هو عبد الله ورسوله، ومنهم من قال: هو الله أو ابن الله، ثم اختلفوا فمن قائل يقول: له طبيعتان: طبيعة إلهية وطبيعة بشرية، وبينهما وحدة، ومن قائل يقول: إن له طبيعة واحدة وهي الإلوهية، وتجسده في الصورة البشرية لا ينافي ألوهيته.

وقد عقد قسطنطين الذي تنصر مجمعًا في عام 325 للميلاد قرر فيه ألوهية عيسى، وعلى الرغم أن الذين قالوا بألوهية المسيح كانوا قلة إلا أنهم هم الذين غلبوا؛ لأن الحاكم يريد هذا، وكفروا من لا يقول بذلك. وفي عام 381م اجتمع المجمع القسطنطيني الأول وقرر ألوهية روح القدس، ولعن الذين لا يقولون بألوهيته، وصارت الألوهية عند النصارى في ثلاثة أقانيم متداخلة: الأب والابن وروح القدس، وما مقالتهم هذه إلا مباهاة لقول الذين كفروا من قبل، فألهوا البشر والمخلوقات وعبدوها من دون الله.


الطريق أمام البشرية

قبيل البعثة النبوية المحمدية لم يبق في فجاج الأرض من نور الوحي إلا شموع قاتمة وباهتة لا يكاد الناس يعرفون في ضوئها معالم الطريق، ولا تصلح لهدايتهم إلى الحق الخالص من الشوائب، وكان العالم كله كذلك، ولا سيما الجزيرة العربية التي انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان، وكانت العرب تعبدها لتقربهم إلى الله زلفى، فجاء رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنور المبين، والصراط المستقيم، والحق الأبلج، وفتح الله به العيون العمياء، والآذان الصماء، وأنار به القلوب، وأظهر الله به الحق، وعرف الناس بربهم، وأقام العباد على الحنيفية ملة إبراهيم، وبين للناس ما اختلفوا فيه، وبين الضلال الذي وقع فيه اليهود، وقال كلمة الحق في عيسى.

ثم توفي الرسول صلى الله عليه وسلم فحفظ الله كتابه الذي أنزله، وهيأ صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فجمعوا الكتاب في المصاحف، ونشروه في الآفاق وجمعوا عليه الأمة، وحفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورثوها لمن جاء بعدهم، وبلغوا دعوة الله للعالمين، ونشروا هذا الدين، ولم يجد عدوهم إليهم سبيلًا.


بداية ظهور العقائد الضالة

حدثت الفتنة في عهد الصحابة، وانقسمت الأمة إلى قسمين، وعلى الرغم من الشمل، واجتمع أمر الأمة على رجل منها، إلا أن الخلاف لم ينته، وعلى الرغم أن الخلاف ابتدأ سياسيًا إلا أن الأطراف المتنازعة أوصلت الخلاف إلى هذا الدين، فوجدت العقائد الكفرية والفلسفات الضالة -التي كانت سائدة قبل الإسلام- بابًا تدخل منه إلى المسلمين حال تفرقهم واختلافهم.

فلقد غلا بعض الناس الذين يريدون إضلال العباد في علي بن أبي طالب، وجعلوه أحق بالنبوة من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من زعم فيه الألوهية، واتخذوا هذا بابًا لهدم الإسلام وسب الصحابة ومعاداتهم، وانقسم هؤلاء إلى فرق كثيرة، بعضها قريبة من الحق وبعضها بعيدة، وبعضها بين ذلك، وأصبح لكل فرقة أصولها وعقائدها ومناهجها.

وسخط آخرون على علي بن أبي طالب، ومعاوية ومن معهما فكفروهم، ونسبوا فعلهم هذا إلى الدين، فقالوا: كل من ارتكب كبيرة فهو كافر، واستباحوا دماء مخالفيهم وأموالهم ونساءهم، فقاتلهم الصحابة، وهؤلاء هم الذين عرفوا في التاريخ باسم الخوارج، ولهم عقائد ومناهج، ولا تزال أفكارهم تثور بين الفينة والفينة، وفي نهاية عهد الصحابة خرج قوم يزعمون ألا قدر، وأن الأمر أنف، فقام لهم من بقي من الصحابة، ودحضوا مقالتهم، وأبطلوا شبهتهم.

ثم بدأت المقالات الضالة المتلقاة من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئة تنتشر في أوساط المسلمين، ومن أوائل من عرف عنه ذلك الجهم بن صفوان، فقد أخذ مقالته عن الجعد بن درهم، وهذا أخذ مقالته -كما يقول ابن تيمية - عن أبان بن سمعان، وأخذها هذا عن طالوت ابن أخت لبيد الأعصم اليهودي، وهذا أخذها عن لبيد بن الأعصم.

وكان الجعد بن درهم من أرض حران، وحران موطن الصابئة، وفيها بعض فلاسفتهم، وقد ذكر الإمام أحمد أن الجهم أخذ مقالته أيضًا من بعض فلاسفة الهند.

والجهم كان صاحب ضلالة تنسب إليه، وأتباعه يسمون بالجهمية، وهم ينفون صفات الرب وأسمائه، وشيخه الجعد بن درهم الذي زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، وأعمل في النصوص التي لا توافق رأيه مقاييس التأويل الذي يصل إلى درجة التحريف.

ثم لما دخلت الفلسفات الرومية واليونانية في أوائل المائة الثانية زاد البلاء، وكثرت التيارات العقائدية والفكرية، وغزت عقول طوائف من المسلمين، مثل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، ونشأت فرق مختلفة، ومن أشهرها المعتزلة الذي ابتدأ أمرها واصل بن عطاء، ويزعم المعتزلة أنهم يريدون أن يدافعوا عن الدين ضد الملحدين والنصارى والفلاسفة، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، بل تبنوا نظريات وآراء أحدثت فرقة بين المسلمين، وتبنى بعض الخلفاء العباسيين وجهة نظرهم، فابتلي المسلمون في عصور هؤلاء الخلفاء الذين تبنوا الاعتزال، وقام علماء المعتزلة -الذين يسميهم المستشرقون اليوم برجال الفكر والأحرار- بالحجر على فكر المخالفين، وتكفير من لم يتبنَ أصولهم، وقد زعموا أن التوحيد يقتضي نفي الصفات، خشية الوقوع في التشبيه، وقالوا: لا يكون التوحيد إلا إذا نفينا صفات الخالق، وزعموا بناء على ذلك أن القرآن ليس بكلام الله.

وهذه الفتنة حدثت في عهد المأمون والخلفاء الذين من بعده، وقد وقف في وجههم الإمام أحمد كما هو معروف.

كما زعموا أن العدل يقتضي أن العبد هو خالق فعله، وأن الله ليس الخالق لأفعال العباد، وقالوا: إن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر في الدنيا، بل هو في منزلة بين المنزلتين، وفي الآخرة هو كافر مخلد في النار، وقد وقف في وجههم العلماء الأجلاء، ولكن المعتزلة تركوا لنا تراثًا ضخمًا ليشرحوا أصولهم ونظرياتهم، ومن أوسعها كتاب: (المغني) للقاضي عبد الجبار المعتزلي، وكتاب: (شرح الأصول الخمسة) للقاضي عبد الجبار أيضًا، وهما مطبوعان.

ولقد انخفضت المعتزلة في عهد الخليفة العباسي المتوكل، ولكنهم صبغوا الفكر الإسلامي بكثير من نظرياتهم ومعتقداتهم، ومن الذين هدموا مذهب المعتزلة بعض الذين نشئوا على الفكر المعتزلي، أمثال: أبي الحسن الأشعري المتوفى في سنة 324هـ، وقد بقي معتزليًا أربعين عامًا، ثم رجع إلى مذهب السلف، وعلى الرغم من أن أبا الحسن الأشعري اقترب إلى مذهب السلف إلى حد كبير إلا أنه لم يتخلص من أساليب المعتزلة وقواعدهم العقلية ومصطلحاتهم، وهذه الطريقة تؤدي بصاحبها إلى نتائج مخالفة لعقائد الأوائل مهما ادعى أصحابها أنهم يسيرون على نهج السلف.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقبل المعتزلة والأشاعرة وبعدهم نشأت فرق كثيرة كالمرجئة والماتريدية والكلابية وغيرها.

وكل فرقة من هذه الفرق لها بعض المعتقدات التي تخالف بها غيرها، ووراء كل معتقد من هذه المعتقدات فلسفات وتأويلات، وكل الفرق المخالفة لمنهج السلف غالت في تقدير العقل، وقدمت حكمه على حكم الشرع، واستعملت الموازين والمقاييس العقلية في محاكمة القضايا الغيبية، وابتعدت هذه الفرق عن الكتاب والسنة بنسب متفاوتة، ولجأت كثير من هذه الفرق إلى تأويل النصوص التي لا توافق آراءها ومعتقداتها، وقد غاب عن كثير من هذه الفرق كثير من حقائق الإسلام.

وقد اختلف علماء الكلام في الصفات الإلهية، وفي الصلة بينها وبين ذات الله، وفي إمكان رؤية الله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة، وفي مسألة العدل والجور، والقضاء والقدر، ولم يغادروا مسألة كبيرة أو صغيرة إلا واختلفوا فيها اختلافًا كثيرًا أو قليلًا، وقد جعل المتكلمون صفات الله كما لو كانت صفات الإنسان!

 

دور العلماء

ونحن اليوم ورثنا عن المدارس الفكرية والعقائدية شيئًا كثيرًا من الأفكار والمعتقدات، ووجدتْ في أيامنا هذه معتقدات جديدة في الشرق والغرب، وقد غزت ديارنا وعقولنا ومناهجنا فماذا نفعل؟ وكيف نتصرف؟

لقد كان من فضل الله علينا أن حفظ لنا قرآننا وسنة نبينا، فلم يحدث لنا كما حدث للأمم من قبلنا الذين ضلوا بعد أن ضاعت أو حرفت كتبهم، وكان من فضل الله علينا أيضًا أن أبقى معالم الحق واضحة في هذا الدين في معتقداته وشرائعه، وهدى في كل زمن طائفة التزمت بالحق وأظهرته، وقد قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، وقد تمثلت هذه الطائفة في سلف هذه الأمة، من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم من العلماء الذين ساروا على دربهم واهتدوا بهديهم، أمثال الأئمة الأربعة وغيرهم، كـأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، والليث بن سعد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم كثير.

وحال سلفنا الصالح وأقوالهم وعقيدتهم كل ذلك مدون، وطريقهم ليس فيه خفاء، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، وعندما سئل عن الفرقة الناجية المنصورة قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

ومنهج هذه الفرقة الناجية المنصورة هو المنهج الإيماني القرآني النبوي، ويقابل هذا المنهج السلفي المنهج الكلامي، والمنهج الفلسفي الصوفي، فالمنهج الإيماني القرآني يقابله منهجان: منهج الفلاسفة المتكلمين، ومنهج الصوفية. ويختلف المنهج القرآني النبوي عن المنهج الفلسفي في مصادره ومنابعه، وفي طريقه وسبيله، وفي قوة تأثيره وسيطرته، وفي الأسلوب وطريقة الاستدلال، وفي الغاية التي يرمي إليها.

وقد حارب أئمة السلف الاتجاه الفلسفي الكلامي والصوفي الذي يريد أن يأخذ الأمة بعيدًا عن المنهج الإيماني القرآني النبوي، فحارب هذا الاتجاه الإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام ابن خزيمة، والإمام البخاري وغيرهم من أئمة الهدى.

وفي كل عصر يظهر الله من العلماء والأئمة من يظهر هذا النهج القويم الذي يحيي النفوس ويهدي للتي هي أقوم، ومن أعظم الذين قيضهم الله لنصرة هذا المنهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد كان ذا عقل ثاقب وفكر راجح، وقد أحاط بأحوال العلماء، ووفق للصواب، ونفع الله به البلاد والعباد، وتتلمذ على يديه علماء أعلام، كـابن القيم وابن كثير.

ومن العلماء الذين هدوا للمنهج الإيماني القرآني النبوي في العصور الأخيرة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي ظهر في القرن الثاني عشر الهجري في وسط نجد، فحارب الشرك والباطل ونصر الحق، وقام بنشر كتب العلم الأصيلة، ومنهم محمد بن إسماعيل الصنعاني المعروف بالأمير الكحلاني صاحب سبل السلام، ومنهم العلامة الشوكاني صاحب نيل الأوطار، وهما من علماء اليمن الأخيار.

وقد ورثنا عن أصحاب المنهج الإيماني القرآني النبوي كثيرًا من الكتب التي توضح معتقد أهل السنة والجماعة، وتحارب المنهج الفلسفي الكلامي، وتبين معايبه، ومن خير هذه الكتب: العقيدة الطحاوية، ومؤلفها هو: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي، المتوفى في سنة 321هـ، وقد شرحها شرحًا قيمًا رائعًا صدر الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي.

واليوم والأمة الإسلامية تحاول أن تنهض من كبوتها، وتقوم من عثارها، تتلفت إلى الماضي لتبني نهضتها على أساس من عقيدتها وتراثها.

 

التراث

يجب أن يعلم أولو الرأي والمفكرون أن تراثنا فيه الغث والسمين، وفيه الخير والشر، وفيه الهدى والضلال، وأن تراثنا يمثل تراث المدارس المختلفة، وكثير من هذه المدارس لم تكن على المنهج الواضح، ولذلك فإن السبيل لنهضة صادقة هو: أن نعود إلى المنهج القرآني النبوي الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهو واضح المعالم، وكتبه ظاهرة بينة ليس بها خفاء، وإنني ألفت نظر رجال الفكر إلى خطورة ما يقوم به المستشرقون، وبعض الذين غرر بهم من أبناء المسلمين من إحياء الفكر المعتزلي الكلامي هنا وهناك، وتهديد الناشئة من أبناء المسلمين به، وهناك فريق آخر يحاول أن يحيي الفكر الفلسفي الذي ينادي بوحدة الوجود، والمتمثل في كتب ابن عربي، والحلاج، وابن الفارض، وابن سبعين وغيرهم.

إن المنهج الفلسفي الكلامي والمنهج الفلسفي الصوفي لم يستطع كلاهما أن يقيم الأمة من عثارها، بل كان من نتيجة منهجهم البلاء الذي أصاب الفكر الإسلامي، وحدوث شرخ هائل في هذا الفكر، وقد أحدث علماء الكلام في الماضي من الخلاف والفرقة والانقسام ما يكفي بعضه لهجر هذا المنهج، وقد أقعد المنهج الصوفي المسلمين عن الجهاد ومحاربة الشرك، وكان من أسباب الضياع الذي أصاب المسلمين، ولم يفلح المنهجان في إصلاح حال الأمة، ولم يستطيع أحدهما أن يصد هجمات الخصوم الفكرية والعقائدية، فحري بهما ألا يستطيعا إصلاح حال الأمة في الحاضر، وألا يستطيعا مواجهة العقائد التي يموج بها القرن العشرين في شرق العالم وغربه.

إن الذي يحارب المنهج الإيماني القرآني النبوي الذي يتمثل في المنهج السلفي هو أحد رجلين: إما جاهل بهذا المنهج لا يعلم حقيقته، وإما عدو حاقد لا يريد بالأمة خيرًا، وبعض هذين الصنفين لجأ إلى تحريف المنهج الخير إذ بدأ يكتب في المنهج ليحرفه ويفسده، وظهرت كتب ظاهرها أنها كتب سلفية، والحقيقة أن فيها انحرافًا وعودة إلى المنهج الاعتزالي، ولكن باطل هؤلاء لا يروج على من عرف المنهج والسبيل.

وفي الختام أقول كما قال إمام دار الهجرة أنس بن مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وأقول كما قال الله تبارك وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 


 

المصدر:

محاضرة العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة، للشيخ عمر الأشقر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقيدة-الإسلامية
اقرأ أيضا
اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات المرأة

اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني


ومعنى غض البصر صرفه عن النظر الذي هو وسيلة الفتنة والوقوع في فساد ومن ذا الذي يجمع الفتيان والفتيات في غرفة وينتظر من هؤلاء وهؤلاء أن يصرفوا أبصارهم عن النظر ولا يتبعوا النظرة بأخواتها وهل يستطيع أحد صادق اللهجة أن يقول: إن أولئك المؤمنين والمؤمنات يحتفظون بأدب غض أبصارهم من حين الالتقاء بين جدران الجامعة إلى أن ينفضوا من حولها والشريعة التي تأمر بغض النظر عن النظر إلى السافرات تنهى أولي الأمر عن تصرف شأنه أن يدفع الفتيان والفتيات إلى عواقب وخيمة

بقلم: محمد الخضر حسين
1688
إشكالية المصطلح النسوي 2 | مرابط
اقتباسات وقطوف النسوية

إشكالية المصطلح النسوي 2


إن مشكلة كثير من المصطلحات النسوية المتداولة أنه يتم التفكير بها داخل نظام الثقافة الغربية وأدواتها فهي منتوج غربي في النهاية وتزداد الصعوبة في المصطلحات ذات البعد الديني كمصطلح الحجاب أو مصطلح القوامة وغيرها حيث ينطلق الغرب من توصيف مفاهيمها من منطلقه الفلسفي في تفسير الدين تفسيرا اجتماعيا وهو النظرة السائدة في الغرب إلى حد ما فيتم النظر تباعا لهذه المصطلحات الدينية المتعلقة بالمرأة بمنظار علم الاجتماع فقط

بقلم: د خالد بن عبد العزيز السيف
649
من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج1


مقال تأصيلي محكم حول مسألة القبور والأضرحة وما وقع فيه عوام المسلمين من المفاسد العظيمة في تعظيم هذه القبور والتمسح بها والدعاء عندها والصلاة إليها بل وحتى الحج إليها واعتقاد أن أصحابها يملكون نفعا وضرا وسعادة وشقاء وعزة وذلا وغير ذلك من الأمور التي لا يملكها إلا الله وحده.. وهذا التأصيل مقتطف من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم وفيه رد على كل الشبهات المحيطة بهذا الموضوع وتبيين للعقيدة الصحيحة في هذا الباب.

بقلم: ابن القيم
432
كيف تصبح قارئا عظيما للكتب | مرابط
فكر مقالات

كيف تصبح قارئا عظيما للكتب


هذه عشر خطوات لتطوير مهاراتك في القراءة حتى تكون من المتمكنين فيها ولتصبح من القراء الكبار اخترتها لك - عزيزي القارئ - من بين عشرات المقالات باللغة الإنجليزية المنشورة في هذا الموضوع وقمت بترجمتها بتصرف وهي للمدرب المتخصص في التنمية وتطوير المهارات السيد جيم إلين

بقلم: الشيخ الدكتور سلطان الدويفن
546
المروجون لسؤال غير الله ودعائه | مرابط
أباطيل وشبهات فكر

المروجون لسؤال غير الله ودعائه


إن المروجين لسؤال غير الله ودعائه والنذر له.. بأقوالهم وأفعالهم هم كذلك يحاربون الفطرة والدين والعقل. أولئك مضلون صادون عن سبيل الله وهؤلاء كذلك.. ويجب بيان باطلهم وكشفهم وفضحهم بكل وضوح صراحة. هم والله قطاع طرق يصدون عن سبيل الله. ولا أعلم شيئا أولى بالرد والبيان والتفصيل من مقام إخلاص الدين لله الذي هو الأصل الذي خلق الله له السموات والأرض وما بينهما.. أن يكون الدين كله لله وليس بعضه له وبعضه لشركائهم!

بقلم: حسين عبد الرازق
306
جيل الصحابة ومن بعدهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

جيل الصحابة ومن بعدهم


مقتطف ماتع لشيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى المجلد الرابع يتحدث فيه عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم وكيف أنهم يفوقون من جاء بعدهم في كل شيء وفي كل فضيلة وعلم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هم يفوقون الناس جميعا في كل خصلة من خصال الخير

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1934