واجب الأخوة في الله

واجب الأخوة في الله | مرابط

الكاتب: سفر الحوالي

484 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ومن باب التذكير أيضًا أن نذكر بواجب الأُخوة في الله والمحبة، وهذه المحبة لا نعني بها ما قد يكون عند بعض الشباب من أنه يسر برؤية أخيه، ويفرح بأن يجالسه، وأن يسهر معه، وأن يذهب معه، مجرد هذا لا يكفي وإن كان في هذا خير، وإنما نعني المحبة الإيمانية بلوازمها وموجباتها الشرعية.

 

ومن لوازم ذلك وموجباته: التناصح، فالمحبة مقتضاها التناصح وتسديد العيب، وبيان التقصير، ودوام الانتباه لأمراض القلوب التي قد تعتري أخيك أو تعتريك، فكل منا يكون مرآة لأخيه، والمرآة -كما تعلمون- لا تدخر شيئا من العيوب، ولا تجامل ولا تحابي، لكنها لا تشهر، هذه هي الميزة.

 

فالإنسان يجب أن يكون بالنسبة لأخيه مرآة له، يريه ويبصره بما يرى على سبيل التناصح، فالنصيحة واجبه بيننا، أما إن كانت علاقاتنا عاطفية أو أخوية تتجرد عن التناصح، وعن تسديد الأخطاء، وعن بيان الواجب في الدعوة إلى الله؛ فإننا مع الزمن تتضخم لدينا الأخطاء، ولا نستفيد من هذه العلاقة إلا راحة نفسية يجدها الإنسان عندما يرى إخوانه، ولا شك أن هذه الراحة مطلوبة، وأنها دليل الإيمان -إن شاء الله- ولكنها لا تكفي وحدها، وأنا أعزو هذا الارتياح الذي نجده عندما يقابل بعضنا بعضًا إلى شدة وطأة الغربة والألم الذي نعيشه، فالإنسان عندما يسمع دائمًا عن أهل الشر والفساد والمنكر، والبدعة، والضلالات، فإذا رأى أخًا له فرح وأنس به وتحدث معه، وهذا ما عبر عنه الشاعر:

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ     يواسيك أو يسليك أو يتـندم

 

حتى قال بعض السلف ''ذهبت لذاتُ الدنيا كلها، وبقي من لذات الدنيا محادثة الإخوان'' أو ''مناجاة الإخوان'' فلذة النساء تذهب بعد الشباب، ولذة المال أيضًا للعاقل ليست شيئًا، وإنما بقي منها محادثة الإخوان. وهذه من لذات الدنيا التي تبقى مهما كبر الإنسان في السن، ومهما تقدم في العمر، ومهما افتقد من الدنيا، فإذا وجد أخًا له في الله يحبه وجلس معه، استمتع ووجد راحة لا يجدها في أيٍ من اللذات الأخرى التي تضمحل وتذهب.

 

إن هذا يعود إلى وطأة الغربة -أحيانًا- ولكن ذلك لا يعني أن نسترسل ونسترخي لعواطفنا، وإنما محبتنا -حتى لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هي محبة إيمانية، وليست مجرد علاقة أو محبه عاطفية، وإنما هي محبة إيمانية لها مقتضيات ولوازم، وتتطلب منا أعمالًا وأمورًا لا بد أن نحققها في واقعنا وفي أنفسنا، هذا الشيء لا ينبغي أن يغيب عن أذهان الإخوة الدعاة، وهذه العلاقة ضرورية في مثل هذا الخضم الذي نعيشه.

 

نحن الآن نرى آثار التفكك وضعف الأُخوة والعلاقة بين الشباب، حتى سأل بعض السلف بعضًا من طلابه فقال لهم: ''هل بلغ من محبة أحدكم لأخيه أن يدخل يده في جيبه، فيأخذ ما شاء ويدع ما شاء؟ قالوا: لا. قال: فما المحبة عندكم إذًا؟!'' انظر كيف كان السلف الصالح رضي الله عنهم، وأروع مثال على ذلك مؤاخاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار، وكيف تلاحمت هذه الأمة فأصبحت لحمة واحدة مع اختلاف القبيلة والوطن والحال، ولكن جمعهم الإيمان والعقيدة، ومحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجمعتهم الهجرة إلى الله ورسوله، ونصرة دين الله -عز وجل- فلما كان الهدف والغاية وجه الله -عز وجل- اجتمعوا على ذلك فكانت هذه الأُخوة العميقة، بحيث إنك أحيانًا إن لم تكن تعرف القبائل أو لا تعرف حال هذا الصحابي من قبل، إذا قرأت اسمه من المهاجرين أو من الأنصار، فبمجرد أنك قرأت خبرًا أنه ذهب فلان وجاء فلان، تحتاج إلى أن تعرف هل هو من المهاجرين أو الأنصار، ذهبت كل الفوارق تمامًا، وأصبحوا أمة واحدة، فهذه هي المحبة التي لا بد منها.

 


 

المصدر:

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الوقت
اقرأ أيضا
البركة في العلم | مرابط
مقالات

البركة في العلم


بعض العلماء لم يعرف إلا بمتن أو منظومة كابن آجروم والبيقوني أما الآجرومية فما من طالب يريد النحو إلا كانت بوابته وقل مثل ذلك في البيقونية في مصطلح الحديث. وإذا تأملت في حال بعض العلماء وجدت أن غيرهم أعلم منهم بكثير وأوسع دائرة وإحاطة لكن أثر هؤلاء العلماء أعمق من غيرهم ونفعهم أعظم ولازالت الأمة تتفيأ ظلال علومهم.. والسر في ذلك بركة العلم

بقلم: طلال الحسان
446
العربي اليوم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العربي اليوم


العربي اليوم هو أعظم الناس حملا للتكليف لأنه يحمل وزر ما هو فيه من ضعف ينبغي أن ينفض عن نفسه آصاره ويحمل حق أجيال مقبلة توجب عليه أن يعمل ويمهد لها في هذه الأرض ويحمل أيضا أمانة آباء وأجداد وأسلاف مهدوا له هذه الدنيا التي يسكنها من أطراف الهند إلى أقصى مراكش ومن حدود تركيا إلى أقصى السودان

بقلم: محمود شاكر
621
الاستعداد النفسي للانحراف: لماذا يتأثر بعض الناس بمحمد شحرور | مرابط
فكر مقالات

الاستعداد النفسي للانحراف: لماذا يتأثر بعض الناس بمحمد شحرور


ما سبب تأثر بعض الناس بمثل محمد شحرور مع ما يقدم من مناقضة صريحة لأصول الإسلام وقراءة عبثية لنصوص الشريعة وأحكامها لو طلب مني أن أحدد أهم سبب في ذلك فسأقول: هو الاستعداد النفسي للانحراف هو القابلية للانحراف لدى بعض الناس فعندهم استعداد نفسي ومقتض ذاتي فلو لم يتأثر بشحرور فسيتأثر بشخص آخر وفي هذا المقال يقف الكاتب على أهم عوامل الاستعداد النفسي للانحراف ومآلاتها

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1977
الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج1 | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج1


الفردية هي السمة الأساسية الأولى لعصر النهضة وهي من أهم أسس وأعمدة الليبرالية وقد ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا فأصبحت الفردية تعني استقلال الفرد وحريته ولكن الفردية نفسها لها أكثر من مفهوم مثل المفهوم البراجماتي والمفهوم التقليدي وفي هذا المقال يستعرض لنا المؤلف المفهومين وكلام رواد الليبرالية حولهما

بقلم: د عبد الرحيم بن صمايل السلمي
2627
الأسس الفكرية لليبرالية: العقلانية | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الأسس الفكرية لليبرالية: العقلانية


تعني العقلانية: استقلال العقل البشري بإدراك المصالح والمنافع دون الحاجة إلى قوى خارجية وقد تم استقلاله نتيجة تحريره من الاعتماد على السلطة اللاهوتية الطاغية كما يزعم رواد الليبرالية وفي هذا المقال استعراض للأساس العقلاني الذي تستند عليه الليبرالية

بقلم: د عبد الرحيم بن صمايل السلمي
2904
المجتمع المختلط | مرابط
مقالات المرأة

المجتمع المختلط


كثر كلام الناس في هذه الأيام في الصحف وفي دور العلم وأقسام الفلسفة ومعاهد تخريج المدرسين والإخصائيين الاجتماعيين منها خاصة - عن الكبت الجنسي ومضاره وشاع بين كثير ممن ينتحلون الدراسات النفسية والفرويدية منها خاصة أن السبيل إلى تلافي الأضرار المتولدة عن هذا الكبت هي اختلاط الذكور بالإناث وتخفف النساء من الحجاب ومن الثياب وهو تخفف لا يعرف الداعون إليه مدى ينتهي عنده ولعله ينتهي إلى ما انتهى إليه الأمر في مدن العراة التي نكست فيها المدنية فارتدت إلى الهمجية الأولى!

بقلم: محمد محمد حسين
277