العربيُّ اليوم هو أعظم الناس حملًا للتكليف؛ لأنَّه يحمل وزرَ ما هو فيه من ضعْف، ينبغي أن ينفض عن نفسه آصاره، ويحمل حقَّ أجيال مقبلة، تُوجب عليه أن يعملَ ويُمهِّد لها في هذه الأرض، ويحمل أيضًا أمانةَ آباء وأجداد وأسلاف، مهَّدوا له هذه الدنيا التي يسكُنُها من أطراف الهِند إلى أقْصى مراكش، ومِن حدود تركيا إلى أقْصى السُّودان، هذا، وهو يعيش في عالَم عدوٍّ له، قد قبض على زِمام الكون، واستوْلى على عناصر القوَّة، ونال أسبابَ السَّماء، وأطاعتْه نواحي الأرض، فأيُّ تكليف أشقُّ من التكليف الذي يحمله هذا النبيل المسكين، الذي يعيش في الدنيا مشرَّدًا، مضطهدًا مجهولًا، مهضومَ الحق يوميًّا بملفقات العيوب؟
وأوَّلُ ما يجب على هذا العربي منذُ اليوم أن يضعَ بيْن يديه صورةَ أرْضه التي توارثها عن آبائه بالحقِّ الذي لا يُنازعه فيه منازعٌ إلا مستطيلًا أو متهجِّمًا، أرض تبلغ مساحتُها مساحةَ قارَّتَيْن من قارات الدنيا، ثم يقول لنفسه: هل يستطيع أحدٌ أن يُبيدني ويُبيد أهلي وعشيرتي، ويستأثر بهذه الأرْض يفلحها أو يعمرها، أو يُقيم فيها للإنسانية حضارةً أو دولةً؟ وهل يستطيع أحدٌ أن يَقْسِرني قسرًا على ما لا أُريد أن أفعلَه ممَّا يحبُّ هو أن يتمَّ له؟
المصدر:
جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر)، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 2003م، (1/410)