هل خلق الإنسان من أجل القانون أوأن القانون هوالذي خلق من أجل الإنسان؟ وقد يجاب عن ذلك تارة بالرأي الأول "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وتارة بالرأي الثاني "من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه"، "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون". فلنقرب ما بين هذين القولين، بحقيقتهما النسبية، ولسوف نحصل على الحقيقة المطلقة، فالإنسان وجد من أجل تنفيذ الشرع، ولما كان الشرع قد وجد من أجل الإنسان، إذن فالإنسان وجد من أجل نفسه.
والشرع غاية، ولكنه ليس الغاية الأخيرة، إنه ليس سوى حد وسط بين الإنسان، كما هو، ناشئا يتطلع إلى الحياة الأخلاقية ومصارعا من أجل كماله، وبين الإنسان كما ينبغي أن يكون، في قبضة الفضيلة الكاملة.. والشرع أشبه بقنطرة بين شاطئين، نحن نقطة بدايته، ونقطة نهايته، أوهوأشبه بسلم درجاته مستقرة على الأرض، ولكن يعد من يريدون تسلقه أن يرفعهم إلى السماء.
المصدر:
محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص257