الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد

الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد | مرابط

الكاتب: د. سلطان بن عبد الرحمن العميري

562 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أصول الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد، يتحصل في الأمور التالية:

الأمر الأول: تقليص دائرته، فإن كثبرا منهم جعل دائرته مقتصرة على إثبات معنى الربوبية والأسماء والصفات، وهذا خلل كبير، فدائرة التوحيد أوسع من ذلك، فإن من أهم ما يدخل فيها توحيد الله تعالى في استحقاقه للعبادة وإفراده بها دون ما سواه.

الأمر الثاني: الانحراف في حقيقة ما أثبتوه من أنواعه، ومعنى ذلك أنه مع تقليص كثير من المتكلمين لدائرة التوحيد إلا أنهم لم يصيبوا تمام الإصابة فيما أثبتوه، وإنما دخل عليهم الخلل من جهات كثيرة، فلم يجعلوا توحيد الربوبية فطريا، ولم يثبتوا تمام صفات الله تعالى، ولم يصيبوا في أدلة ما أثبتوه.

الأمر الثالث: اعتقاد كثير منهم الترادف بين الربوبية والألوهية، وذلك بجعل الإله والرب بمعنى واحد، ونفسيرهم للإله بأنه القادر على الاختراع، وقد سبق مناقشة ما في هذا الأمر من حلل.

وقد جاء في بعض كلام ابن تيمية ما يشير إلى أنه قول لجميعهم، ولكنه بين في مواضع أخرى أنه قول لبعضهم،  فإنه قول لبعض المتكلمين، كبعض متقدمي الأشاعرة وكثير من المتأخرين منهم وليس قولا لجميعهم، فإن بعضهم فق بين معنى الربوبية والألوهية واستدل بالأول على الثاني كما سبق بيانه.

الأمر الرابع: تغليب الاهتمام بالربوبية على الألوهية، ومعنى ذلك أن المتكلمين غلب عليهم الاشتعال بتفاصيل توحيد الربوبية والأسماء والصفات على توحيد الألوهية، فذكرهم لما يتعلق به كثيرًا جدًا.

ومن خلال هذا البيان يتضح لك أن المتكلمين لم يعقلوا توحيد الألوهية ولم ينكروه، وإنما أغفلوا الاشتعال به، والناظر في مصنفات المعتزلة والأشاعرة والماتريدية يجد مادة واسعة في بيان حقيقته وشرح أدلته وبراهينه وذكر لعدد من التفاصيل المتعلقة به، ولكنها لا تساوي ما فيها من مواد متعلقة بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولا تساوي منزلته في دين الله تعالى.

الأمر الخامس: الانحراف في تحديد غايته، فقد جعل كتير منهم أعلى ما في التوحيد إثبات وحدة الله تعالى في ربوبيته، يقول محمد عبده في تعريف التوحيد: “وسمي بذلك بأهم أجزائه، وهو إثبات الوحدة لله تعالى في الذات والفعل في خلق الأكوان”

الأمر السادس: الانحراف في معنى التوحيد في اللغة، وذلك أن كثيرا من المتكلمين يجعلون من معاني التوحيد في اللغة ما لا ينقسم، أو ما ينفى عنه الصفات، وفي بيان هذا الخلل يقول ابن تيمية: "ليس في كلام العرب بل ولا عامة أهل اللغات أن الذات الموصوفة بالصفات لا تسمى واحدًا ولا تسمى أحدًا في النفي والإثبات بل المنقول وبالتواتر عن العرب تسمية الموصوف بالصفات واحدا وأحدا حيث أطلقوا ذلك ووحيدا قال تعالى: "ذرني ومن خلقت وحيدا" وهو الوليد بن المغيرة.

وقال تعالى: "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"، فسماها واحدة وهي امرأة واحدة متصفة بالصفات بل جسم حامل للأعراض، وقال تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله"، وقال تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره"، وقال تعالى "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" .. فإن كان لفظ الأحد لا يقال على ما قامت به الصفات، بل ولا على شيء من الأجسام التي تقوم بها الأعراض ﻷنها منقسمة، لم يكن في الوجود غير الله من الملائكة والإنس والجن والبهائم من يدخل في لفظ أحد، بل لم يكن في الموجودين ما يقال عليه في النفي أنه أحد"


المصدر:
د. سلطان العميري، المسلك الرشيد في شرح كتاب التوحيد

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-المتكلمين #حقيقة-التوحيد
اقرأ أيضا
شبهة: هل رويت السنة باللفظ أم بالمعنى؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: هل رويت السنة باللفظ أم بالمعنى؟


والذين أجازوا الرواية بالمعنى إنما أجازوها بشروط وتحوطات بالغة فقالوا: نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ أما العالم بالألفاظ الخبير بمعانيها العارف بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوزوا له ذلك وإلى هذا ذهب جماهير الفقهاء والمحدثين.

بقلم: محمد أبو شهبة
364
استقبال رمضان | مرابط
مقالات

استقبال رمضان


منا من يرى تقصيره وغفلته وقسوة قلبه ويتساءل ماذا سيحصد في رمضان إن كان قد ضيع البذر والسقاية كما يقولون منا من يخاف من أن تحاصره أصوات المآذن وزحامات المساجد وهمهمات المرتلين ومناجاة الساجدين فتدفعه دفعا للعبادة أو تأنيب الهروب منها مع شعوره بالكسل والملل والفتور وعدم الرغبة

بقلم: كريم حلمي
520
ظهور اليهود المسلمين | مرابط
فكر تفريغات

ظهور اليهود المسلمين


مقطع من محاضرة قديمة للدكتور عبد الوهاب المسيري كان يتحدث فيها عن العدو الصهيوني ووقف على ظاهرة وجود المسلمين اليهود بيننا حتى لو كانوا يصلون ويتمسكون بالظاهر الخاص بالمسلمين ولكن كل هذه ادعاءات فارغة من يحاول النظر إلى بنيتهم الداخلية سيجد أنه أمام صهيوني أو يهودي من الطراز الأول كما يحدثنا عن الدعاية الإسرائيلية وآثارها في بث الرعب في قلوبنا

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1221
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الأول


تأملوا تكريم الشريعة للطفل الذي يولد جاءت بأشياء تدل على أنه قد حدث أمر مهم وليس مجرد أرحام تدفع ولا مجرد ولد خرج وإنما يحتفى به غاية الاحتفاء ويكرم غاية التكريم الشريعة تكرم الطفل من مبدأ أمره فيحنك بأن تلين التمرة حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ويفتح فم المولود وتوضع فيه ويدعى له بالبركة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

بقلم: محمد المنجد
695
دلالة المخلوقات على الخالق | مرابط
تعزيز اليقين

دلالة المخلوقات على الخالق


إن كل شيء يدل على وجود الله تعالى إذ ما من شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه وما ثم إلا خالق ومخلوق والمخلوق يدل على خالقه فطرة وبداهة إذ ما من أثر إلا وله مؤثر كما اشتهر في قول الأعرابي الذي سئل: كيف عرفت ربك؟ فقال -بفطرته السليمة: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وجبال وبحار وأنهار أفلا تدل على السميع البصير؟

بقلم: سعود العريفي
380
ثم ما هي اللغة | مرابط
اقتباسات وقطوف لسانيات

ثم ما هي اللغة


إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالدا عليها فلا تهرم ولا تموت لأنها أعدت من الأزل فلكا دائرا للنيرين الأرضيين العظيمين كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أخذة السحر

بقلم: مصطفى صادق الرافعي
807