الميزان المقلوب الجزء الثاني

الميزان المقلوب الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

948 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وجوب تفضيل ما فضله الله


إذًا: هناك أحكام ينبغي أن يتنبه الإنسان لها عندما يصدرها، وألا يسوي بين الأمور المتناقضة أو يفرق بين الأمور المجتمعة، وأن يصدر في موازينه وفي أحكامه عن قواعد الشريعة الإسلامية، وعن القيم التي تقرها الشريعة الإسلامية، وقد أنكر الله كما رأينا في كثير من آياته على الذين يسوون بين الأمور المختلفة، ويسوون بين الخالق والمخلوق، أو يفضلون أعمالًا على أعمال.
وكذلك في الحكم على البشر قال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ [القلم:35-38].

فيقرر الله تبارك وتعالى أن الإنسان المؤمن الصالح والمجرم الكافر الذي يعادي الله لا يستويان في ميزان الله تبارك وتعالى، لكي يتبين المسلم هذه القضية في الأحكام وفي سلم الأولويات حتى لا يضل، فالضلال قد يكون كبيرًا إذا سوى الإنسان بين الخالق والمخلوق مثلًا، وأحيانًا يكون أقل إذا ما فضّل عملًا على عمل فإن له نتائج سلبية في واقع الأمور والحياة.

فالبعد عن هذه المفاهيم ألقى الضلال على نفوس المسلمين في كثير من القضايا، وليس في قضية واحدة.

والإنسان الفاضل عند المسلمين: هو من يفقه دينه، لكن صحاب العقيدة المشوشة، والمفاهيم المغلوطة، يعتقد أن الكافر أعظم من المسلم، فالبريطاني والأمريكي والفرنسي في نفسه عظام، مع أن ميزان الله تبارك وتعالى يقول عنهم: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179].

فالإنسان المسلم الخير الفاضل يساوي ملء الأرض من الكافرين، بل هؤلاء كما يخبر الله: حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98].

 

مقياس التفاضل في ديننا

ومن الأخطاء التي وقع فيها المسلمون: المفاضلة بين المسلمين على غير الموازين الشرعية، فيفضله عندما يكون الإنسان مواطنًا في بلد كالكويت، أو كالأردن أو كمصر، لأن المواطنة تجعله أفضل من غيره ولو كان لا يفقه ولا يعلم شيئًا، بل ينبغي أن يكون التفاضل في ميزان الإسلام بالتقوى والصلاح والخير، وأن تزال القيم الدنيوية: هذا غني وهذا ثري، وهذا وجيه، وهذا ابن فلان، فتجعله في أعين الناس أفضل من غيره، ثم أضيف إلى ذلك المواطنين، فهذا أفضل؛ لأنه كويتي، أو لأنه عند الفلسطينيين فلسطيني، ولأنه عند المصريين مصري.
فهذه كلها من العصبية الجاهلية التي ما أنزل الله تبارك وتعالى بها من سلطان قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

والأخوّة يتفاضل الناس فيها بالإيمان والعمل الصالح، ومن أجل ذلك حثنا الإسلام عندما يكون الخاطب صالحًا أن نزوجه مهما كان جنسه أو لونه، فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه)، فقال: ( دينه وأمانته) وما قال: إذا كان فلسطينيًا وإذا كان كويتيًا وإذا كان مصريًا، فهذه تقسيمات جغرافية، أما البشر فهم البشر، عقولهم وأفكارهم ومكوناتهم وأصولهم كلها واحدة، وإنما التفاضل عند الله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

وقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وما قال: أن يكون جنسها كذا، أو لونها كذا، أو من البلد الفلاني.

فـأبو جهل من مكة، وأبو لهب من مكة، وهل هناك مكان أفضل من مكة؟ ومع ذلك فهما حطب جهنم كما قال تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد:1-2].

وعبد الله بن أبي من المدينة رأس المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وهو من المدينة.

و سلمان من فارس وهو من خيرة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.

و بلال من الحبشة ولونه أسود وهو من خيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

فينبغي أن نتنبه لذلك، وخاصة المسلمون الذين يأتون إلى المساجد ويقيمون الصلاة ويذكرون الله ويعظمونه، فينبغي أن يتنبهوا لهذه القضايا، وهذه عصبيات جاهلية تذبح الإسلام في نفوس المسلمين، وتضعف الإسلام في نفوسهم، فينبغي أن تكون موازيننا وقيمنا وأحكامنا نابعة من إسلامنا وعقيدتنا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الالتزام بالأمر الشرعي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالًا لهذا القرآن الكريم، فقد كان قرآنًا يتحرك ويمشي؛ لأنه جسَّم هذا القرآن في نفسه، ولذلك فإن أحكامه صلوات الله وسلامه عليه وتصرفاته كانت مجسمة لهذه المعاني التي ذكرتها، وعندما كان يغفل في بعض الأحيان كان يأتي القرآن لينبهه وليذكره.

ومن جملة ذلك: عندما لم يلتفت إلى الأعمى وهو عبد الله بن أم مكتوم عندما جاءه يسعى ويقول: يا رسول الله! علمني، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولًا بسادة قريش يرجو إسلامهم لعل الله يعز بهم الإسلام، فلم يلتفت إلى الأعمى وهو يقول له: يا رسول الله! علمني، فنزل القرآن معاتبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ [عبس:1-11].

ولذلك فقد جاءت جماعة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهم خليط من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن سادة قريش الذين آمنوا من الطلقاء وغيرهم، فأذن لهؤلاء الفقراء المساكين بلال وعمار وصهيب وغيرهم ولم يأذن للسادة إلا متأخرًا فغضبوا، فقال أحدهم: والله! ما فاتكم من الأجر أعظم.

وهذا تفضيل في الدنيا، أما التفضيل عند الله فشيء آخر، فعليكم بالجهاد.

فقد انطلق عمر أيضًا من فهمه لهذا الميزان، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لهم مكانة ومنزلة خاصة عند المسلمين، وينبغي للمسلم كذلك أن يتبين أمره في مثل هذه الأمور وألا تأخذه عصبية جاهلية، أو قيمة دنيوية فيضل أو يضل.

اللهم! اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.

اللهم! أرنا الحق حقًا وارزقنًا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الميزان-الإسلامي #التفاضل
اقرأ أيضا
من جرائم العبيديين في الشمال الأفريقي | مرابط
تاريخ

من جرائم العبيديين في الشمال الأفريقي


عمل حكام الدولة الفاطمية في المغرب الإسلامي على إزالة آثار بعض من تقدمهم من الخلفاء السنيين فقد أصدر عبيد الله أمرا بإزالة أسماء الحكام الذين بنو الحصون والمساجد وجعل اسمه بديلا منهم واستول هذا الشيعي الرافضي الباطني على أموال الأحباس وسلاح الحصون وطرد العباد والمرابطين بقصر زياد الأغلبي وجعله مخزنا للسلاح

بقلم: علي الصلابي
608
بيج بن الإسلامية | مرابط
اقتباسات وقطوف

بيج بن الإسلامية


يبدو أن التحديثات التي تشهدها مكة على يد السلطة السعودية لا تثمر تطورا وتقدما عمرانيا وحضاريا إلا على الطراز الغربي وهو ما يعني مزاحمة الجانب الروحاني الذي اختصت به مكة منذ قديم الزمان ومزاحمة الروحانيات التي تجتاح الحجاج في تلك البقعة الطاهرة وهذا مقتطف هام من كتاب من مكة إلا لاس فيجاس يعبر فيه المؤلف عن هذا التقدم وما أحدثه

بقلم: د علي عبد الرءوف
2069
التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة


ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته والتنعم بذكره ودعائه ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدرا عنده من تلك الحاجة التي همته. وهذا من رحمة الله بعباده يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
469
أخبار الأنبياء والرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

أخبار الأنبياء والرسل


تعليق لشيخ الإسلام ابن تيمية على تواتر أخبار الرسل التي وصلتنا من طرق مختلفة فجميع أهل الأرض الآن يعلمون أنه كان هناك رسل وهؤلاء الرسل كان لهم أتباع ومخالفون وأن الله في النهاية نصر الفريق الأولى من اتبعوا الرسل وأخزى الفريق الآخر ونقل هذه الأخبار يؤسس معرفية يقينية حتمية

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2325
العمارة في الحضارة الإسلامية ج2 | مرابط
تاريخ

العمارة في الحضارة الإسلامية ج2


أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها وحث عليه لحماية الإنسان من حر الشمس وبرد الشتاء وأمطاره وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته ولذلك وضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى الكثير من الآداب وشهدت بلادنا الإسلامية ازدهار العمران والبناء الذي تميز بطابع إسلامي خالص وفي هذه المقالات سيقف بنا الكاتب على ملامح العمران في كل العصور الإسلامية

بقلم: موقع قصة الإسلام
2142
قصة العلمانية المؤسلمة | مرابط
مقالات العالمانية

قصة العلمانية المؤسلمة


يستعرض المقال عددا من الرؤى التجديدية في الفكر السياسي كما يعرضها بعض المعاصرين ويفحصها جميعا من خلال مقارنتها ب المضمون العلماني ليكشف عن وجه الاختلاف الذي تفترق فيه هذه الرؤى عن المضمون العلماني حين نفحص هذا الوعاء نجد أن المبادئ العامة أمور كلية فطرية متفق عليها بين جميع الناس فلا وجود لمنظومة فكرية ذات بال تقول إنها ترفض الحرية أو العدالة أو المساواة وإنما الخصومة والنزاع دائما في التفصيلات والتشريعات الجزئية

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2408