النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود

النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

915 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن هذا الدين العظيم لا تفهم محاسنه، ولا يتوصل إلى جمالياته؛ إلا بإدراك نظرته الكلية للكون وللوجود، وللدنيا والآخرة، وللإنسان وما وراء وجوده على هذه الأرض، وإذا تأملت كثيرا مما يثار من الاستشكالات والاعتراضات ضد أحكام الشريعة؛ فستجد أنها منبعثة من تجزئة النظر إلى الإنسان أو إلى الحياة والوجود، وناشئة من عدم فهم التكامل المراعى في تشريعات الإسلام، والذي يتجاوز إطار المادة الضيق.

إن الله حين شرع للناس خمس صلوات في اليوم والليلة، وأمرهم بأداء الصدقة للفقراء، وفرض عليهم الإمساك عن الطعام في رمضان، وكتب عليهم الحج إلى مكة، لم يشرع هذه الأعمال لتكون حزمة من الواجبات يؤديها الإنسان دون إدراك لما تحققه من مقاصد وغايات، وحكم عظيمة مرتبطة بعلاقة الإنسان بربه سبحانه، ألم يقل الله سبحانه: {وأقم الصلاة لذكري} (1) أي: لتذكرني فيها؟ (2)، فالمسلمون يقيمون الصلاة ليتذكروا الله جل وعلا (3)، وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: (إنما جعل الطواف بالكعبة، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله) (4).

وتأملوا معي هذا الكلام الكاشف عن عمق هذه القضية المنهجية (5):

إن الإسلام وهو يتولى تنظيم الحياة الإنسانية جميعا، لم يعالج نواحيها المختلفة جزافا، ولم يتناولها أجزاء وتفاريق؛ ذلك أن له تصورا كليا متكاملا عن الألوهية والكون والحياة والإنسان، يرد إليه كافة الفروع والتفصيلات، ويربط إليه نظرياته جميعا، وتشريعاته وحدوده وعباداته ومعاملاته، فيصدر فيها كلها عن هذا التصور الشامل المتكامل، ولا يرتجل الرأي لكل حالة، ولا يعالج كل مشكلة وحدها في عزلة عن سائر المشكلات.

ومعرفة هذا التصور الكلي عن الإسلام تيسر للباحث فيه فهم أصوله وقواعده، وتسهل عليه أن يرد الجزئيات إلى الكليات، وأن يتتبع في لذة وعمق خطوطه واتجاهاته، ويلحظ أنها متشابكة متكاملة، وأنها كل لا يتجزأ، وأنها لا تعمل عملا مثمرا للحياة إلا وهي متكاملة الأجزاء والاتجاهات … وطريق الباحث في الإسلام أن يتبين أولا تصوره الشامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان قبل أن يبحث عن رأيه في الحكم، أو رأيه في المال، أو رأيه في علاقات الأمم والأفراد؛ فإنما هذه فروع تصدر عن ذلك التصور الكلي ولا تفهم بدونه فهما صحيحا عميقا.

ثم نبه إلى المصدر الصحيح لاستقاء هذه النظرة الشمولية فقال:

والتصور الإسلامي الصحيح لا يلتمس عند ابن رشد، أو عند ابن سينا أو الفارابي وأمثالهم ممن يطلق عليهم وصف (فلاسفة الإسلام)، ففلسفة هؤلاء إنما هي ظلال للفلسفة الإغريقية، غريبة في روحها عن روح الإسلام، وللإسلام تصوره الأصيل الكامل، يلتمس في أصوله الصحيحة القرآن والحديث، وفي سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم وسننه العملية، وهذه الأصول هي حسب أي باحث متعمق ليدرك تصور الإسلام الكلي الذي يصدر عنه في كل تعاليمه وتشريعاته ومعاملاته. انتهى.

وهذه هي القضية المنهجية الأساسية لإدراك محاسن الإسلام، وبدونها فلا يمكن أن تفهم محاسن تشريعات الإسلام.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. سورة طه: ١٤.
  2. تفسير الطبري (١٦/٣٣).
  3. الطريق إلى القرآن، لإبراهيم السكران. (٩١).
  4. أخرجه أبو داود (١٨٨٨)، والترمذي (٩٠٢) وقال: حسنٌ صحيح.
  5. من كتاب: العدالة الاجتماعيّة في الإسلام، لسيّد قطب (20).

 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص17

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
الروح في اليقين والهم في الشك | مرابط
مقالات

الروح في اليقين والهم في الشك


الزهد في الدنيا هو طريق راحة قلبك من الهم فإنها هم دائم ما دامت. والزهد فيها يرجع إلى ثلاثة أصول كلها قلبي المنشأ ليس فيها ما هو جارحي! وكلها ينشأ من عبادة اليقين بالله وحده وهي قلبية.

بقلم: خالد بهاء الدين
358
معركة النسيان والتذكر | مرابط
مقالات

معركة النسيان والتذكر


وداء النسيان هذا هو الذي قد يجعل الإنسان إذا نزل به البلاء انهمك في أسباب الدنيا وغفل عن الفرار إلى الله سبحانه وشكاية البث والحزن إليه! ومن ذلك أننا نؤمن بالجنة والنار لكن من آمن بذلك حق الإيمان كأنه رأي عين لم يعص الله سبحانه لكننا نعصي وذلك لأننا ننسى كما اشتكى حنظلة للنبي صلى الله عليه وسلم: عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا

بقلم: كريم حلمي
305
المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج1 | مرابط
مناقشات

المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج1


حين أخبرني الشيخ أحمد سالم عن كتاب ما بعد السلفية وكان يتوقع رفضا واسعا للكتاب أبديت مخالفتي لهذا التوقع وأن مثل هذا النقد سيكون متقبلا عند التيار الأوسع من السلفيين كنت أرى أن مثل هذا النقد من كاتبين فاضلين سيكون له أثر إيجابي لحظة ما وصلني الكتاب بدأت متلهفا بقراءته قرأته بشكل دقيق فاحص شعرت بعد الانتهاء منه أنني كنت ساذجا جدا حين ظننت أن مثل هذا النقد سيحدث أثرا إيجابيا أو من الممكن أن تتقبله أكثر النفوس أو أن يكون الفضاء الذي سيحدثه فضاء صحيا السبب هو في الروح التي كتب بها هذا النقد وحك...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1055
مفهوم العبادة | مرابط
اقتباسات وقطوف

مفهوم العبادة


وأما العبادة الخاصة وهي العبادة الشرعية وهي التذلل لله سبحانه وتعالى شرعا فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص وخاص فوق ذلك فالخاص الأخص كعبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام

بقلم: ابن عثيمين
310
توالد المعاصي | مرابط
اقتباسات وقطوف

توالد المعاصي


المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وبين يديكم مقتطف من كتاب الجواب الكافي لابن القيم يتحدث عن هذه المسألة بوضوح

بقلم: ابن القيم
820
التسليم موقف عقلاني | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

التسليم موقف عقلاني


المسلم مطالب بالتسليم للأوامر الشرعية كلها طالما ثبت صحتها عنده وليس هناك مجال للاختيار أو عدم الاستجابة ولكن يبقى السؤال: هل هذا التسليم مبني على لاشيء هل هو موقف قائم على العمى المطلق أو هي استجابة تخلو من إعمال العقل الإجابة هي: لا ليس الأمر كذلك كما يدعي أعداء الدين وإنما التسليم الشرعي للنص مبني على أصول عقلية وعلمية يبينها المؤلف في هذا المقال الماتع

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري
2059