الوجه القبيح للحضارة الغربية

الوجه القبيح للحضارة الغربية | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

2288 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

ينبهر الكثيرون من رؤية مشاهد العدل الكثيرة داخل الأقطار الغربية، وخاصةً بعد رؤية الإحصائيات التي تتحدث عن المعاملات المالية والسياسية في داخل كل قُطر، ومثال ذلك ما ذكرناه في المقال الماضي عند حديثنا عن تقرير الشفافية وأحوال البلاد الغربية.
 
ومع أن هذه الدرجات التي نعرفها عن الغرب درجات صحيحة، وشبهة التزوير فيها بعيدة؛ لأننا نذهب إلى بلادهم ونرى هذا الجانب بأعيننا، لكن مع ذلك فإننا لا بد أن ننظر إلى الصورة بكاملها حتى يصبح تقييمنا للأمر صادقًا.
 

الاحتلال والحصار المتكرر

 

إن هذا العدل الذي يمارسه الغرب في داخل بلاده يتخلى عنه -في كثير من الأحايين- خارج حدود قطره، ولعلَّ أول ما يخطر على الذهن عند تحليل ذلك الأمر هو الاحتلال المتكرر لأكثر من دولة من دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، سواءٌ كان هذا الاحتلال عسكريًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا، وكذلك مظاهر الحصار والتجويع المختلفة، والقيود والفروض والشروط التي تجعل حياة الناس في أقطارها مستحيلة.
 
كل هذا قد يتبادر إلى الذهن مباشرة، ولكنني سأعرض صورة أخرى مظلمة من صور الوجه القبيح للغرب، وهي صورة عجيبة يندهش الإنسان لوجودها في هذه البلاد، والدهشة في الحقيقة من وجوهٍ عدَّة.

 

الاستغلال الجنسي للأطفال

 
أما هذه الصورة التي أقصدها فهي صورة التحرُّش الجنسي المتكرر بالأطفال، وخاصة الأطفال من الدول الفقيرة المعدمة المحتاجة إلى كل رعاية وحماية!
 
لقد طالع كثير منا التقرير الذي صدر عن منظمة بريطانية اسمها "أنقذوا الأطفال"، والذي صدر الأسبوع الماضي، والذي يصف الممارسات القبيحة التي يمارسها جنود الأمم المتحدة في هايتي وجنوب السودان وساحل العاج والكونغو، وذلك بعد 38 جلسة نقاش مع 250 طفلًا و90 بالغًا، والتي تبين منها أن جنود الأمم المتحدة يستغلون هؤلاء الأطفال جنسيًّا في مقابل الطعام والمال! ومن هؤلاء الأطفال من هو أقل من السادسة من عمره!
 
وليست هذه حالة عابرة مفاجئة رأيناها في المجتمع الغربي، ولكنها متكررة بشكل يجعلها عادة! حتى إننا قرأنا في الشهر الماضي التقرير الذي نشرته صحيفة صنداي ديلي تلغراف في بريطانيا، وفيه كشفت أن مئات من الأطفال يُهرَّبون من إفريقيا ويباعون في بريطانيا، ويُستَغلون كعبيد في هذا البلد المتحضر! وقد كشفت الصحيفة أيضًا عن أن سعر الطفل يبلغ في المتوسط ألفين وخمسمائة جنيه إسترليني، وأن بعض المراهقات الحوامل يقمن ببيع أطفالهن المرتقبين بمبالغ أقل من ألف جنيه إسترليني، وأن هؤلاء الأطفال يُستغلون جنسيًّا، وفي تصوير الأفلام الإباحية. كما أنهم يُستعملون كخدم وعبيد، ويخدمون مُددًا تصل إلى 18 ساعة يوميًّا. وأُذكِّر القرَّاء أن الكلام كله لجريدة الصنداي ديلي تلغراف البريطانية!!
 
وهذه التقارير تذكِّرنا أيضًا بكوارث بيع الأطفال التي سمعنا عنها في الشهور الماضية في موريتانيا والسودان وتشاد، وغيرها من الأقطار الفقيرة.
 
وذكرت منظمة (إنهاء دعارة الأطفال) أن كثيرًا من دول العالم لا تمارس جهودًا جدية لمنع دعارة الأطفال، وذكر التقرير الذي أعدته المنظمة لهذا الشأن أن أمريكا من الدول التي لا تزال متأخرة في هذا المجال، وذكر أيضًا أن دراسة خاصة أجريت في نيويورك أشارت إلى استغلال الكثير من الأطفال تحت سن 12 سنة في الدعارة هناك!
 
وهذه القضية ليست قضية مستحدثة في الغرب، فإنني إلى الآن ما زلت أحتفظُ بالتقرير الذي نشرته السي إن إن CNN، وذكرت فيه نتائج الدراسة التي أجرتها جامعة جون هوبكنز (The Johns Hopkins University) الأمريكية المشهورة في سنة 2000م، وفيها أن حوالي 2 مليون امرأة وطفلة يتم بيعهن سنويًّا كعبيد، وأنه تم تهجير مائة وعشرين ألف فتاة من روسيا وبلاد أوربا الشرقية لممارسة الدعارة في أوربا الغربية، وأن أمريكا تستقبل سنويًّا 15 ألف فتاة جديدة لنفس الغرض!!
 
إن هذه التقارير غربية، وتكشف بوضوح عن وجه قبيح شديد القبح لحضارة تكيل بمكيالين، وتتعامل بمئات الموازين.
 
فنحن نندهش لأن الغربيين حريصون على هذه الممارسات الجنسية البشعة مع الأطفال الصغار، وذلك على الرغم من شيوع الفاحشة مع الكبار وانتشارها وسهولتها، فلا يدل ذلك إلا على نفس خبيثة متدنية، وصلت إلى الحضيض في تصرفاتها.
 
ونندهش كذلك لأن الغرب كثيرًا ما يتحدث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، وحقوق الحيوان، وحقوق البيئة، ثم نجد هذه الممارسات البشعة، وبهذه الأرقام المفزعة، وكأن أطفال العالم جمادات لا رُوح فيها.

 

الكيل بمكيالين

 

ونندهش لأننا نرى هجومًا شرسًا من الغرب على الإسلام والمسلمين بدعوى أن المسلمين شهوانيون؛ لأنهم قد يتزوجون أكثر من واحدة، أو أنهم مجرمون لأنهم قد يزوِّجون بناتهم في سنِّ السادسة عشرة أو السابعة عشرة!!
 
ونندهش لمناداة الغرب كثيرًا أن تُعقَد مؤتمرات دورية في بلاد العالم الفقيرة للتحذير من التعرُّض للمرأة والطفل. ونحن نتساءل: ألا تحتاج أمريكا وإنجلترا وفرنسا، وغيرها من الأقطار إلى مثل هذه المؤتمرات لحماية أطفال العالم من تُجَّار الرقيق في هذه البلاد المتحضرة؟!
 
ثم إننا نندهش أخيرًا للمسلمين الذين يرون الغرب نورًا بلا ظلام، وخيرًا بلا شر، وينظرون إلى الإيجابيات ويغفلون السلبيات، والصواب أن ننظر إلى نورهم وظلامهم معًا، وإلى عدلهم وظلمهم جميعًا، وأن نعلم أنَّ فيهم المحسن وفيهم المسيء، وأننا يجب أن ننظر النظرة المتوازنة لكي لا نغفل الفوائد والإيجابيات، وفي الوقت نفسه لا ننبهر انبهارًا يُعمينا عن رؤية الجوانب المظلمة في حياتهم.
 
إن الكيل بمكيالين سمة من سمات هذا المجتمع الغربي، فالحياة داخل حدوده شيء، والتعامل مع دول العالم الفقير شيء آخر، والتعامل مع أطفاله شيء، والتعامل مع أطفال العالم شيء آخر، والحفاظ على حقوقه شيء، والحفاظ على حقوق الآخرين شيء آخر!
 
إن هذا الذي نراه هو شيء طبيعي لمن ملك قوة، ونُزعت منه الرحمة، ولمن لم يُجمِّل حياته بدين وخُلُق، ولمن اهتمَّ بالجسد وفَقَد كل اهتمامه بالروح.
 
إن هذه الإحصائيات وإن كانت مفزعة إلا أنها تشعرنا بالفخار أننا - في وسط هذا الركام - ننتمي إلى دينٍ جعل العدل أمرًا مطلقًا مع القريب والبعيد، والرجل والمرأة، والمسلم وغير المسلم، والمواطن وغير المواطن، بل وجعله مع من تحب، وكذلك مع من تكره! قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
 
والحمد لله الذي جعلنا مسلمين.

 


 

المصدر:

  1. راغب السرجاني، بين التاريخ والواقع، ج2، ص99
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
خسائر الأوهام | مرابط
فكر مقالات

خسائر الأوهام


الحقيقة أن كل القصة أن بعض الصائمين يعيش تحت سيطرة وهم نفسي أنه غير قادر على التعامل الطبيعي بسبب إجهاد وعنت يستولي عليه بل ربما تنفس بزفير الكلال واللغب ومشى متهالكا متطرحا كأنما يجر قيودا خلفه وإذا أراد أن يجلس ألقى نفسه كالذي خذلته مفاصله محلول العرى نعم قد يعتري الصائم شيء من الإرهاق ولكنك قد تجد هذا الشخص نفسه يصيبه في غير رمضان إرهاق أكثر ومع ذلك لا يمشي بهذا المظهر الجنائزي الذي تراه به في نهار رمضان وهذا يؤكد أن جزءا كبيرا من هذا المشهد ليس ناتجا عن إعياء حقيقي بقدر ما هو ناتج عن حا...

بقلم: إبراهيم السكران
908
مختصر قصة التتار الجزء السادس | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء السادس


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1397
هل يمكن للانتحار أن يكون حلا؟ | مرابط
فكر

هل يمكن للانتحار أن يكون حلا؟


والذي ينهي حياته لأجل ابتلاء مثل هذا هو في الحقيقة مستجير من الرمضاء بالنار فالحسابات العقلية تقول: أن الإنسان لو عاش في الدنيا ألف سنة في عذاب دائم لا راحة معه هو أهون من لحظة واحدة يغمسها في نار جهنم.

بقلم: أحمد الغريب
378
هل الإسلام دين هش لنخشى عليه من الشبهات؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل الإسلام دين هش لنخشى عليه من الشبهات؟


فعامة الناس والشباب معهم إيمان مجمل قد تزعزعه رياح الشبهات إذا لم يتيسر له متخصص أو مطلع يزيل أشباحها عنه ولذلك يفترض أن يكون السؤال معكوسا فالسؤال ليس: لماذا نخاف على غير المتخصصين من الشبهات؟ بل السؤال: لماذا نخاطر بإيمان غير المتخصصين والمطلعين من أجل شعارات الثقافة الغالبة؟

بقلم: إبراهيم السكران
488
أثر نظرية التطور على الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

أثر نظرية التطور على الدين


مقتطف من كتاب ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث للدكتور سلطان العميري يتحدث فيها عن أثر نظرية دارون على الدين حيث كان لهذه النظرية أثر بليغ وخطير على العقل الغربي بأجمعه ونتيجة لذلك التأثير جعل روبرت داونز كتاب أصل الأنواع لدارون مندرجا ضمن قائمة الكتب التي غيرت وجه العالم

بقلم: سلطان العميري
585
هل تؤمنين بالله حقا؟ | مرابط
المرأة

هل تؤمنين بالله حقا؟


إن المرأة التي تحرص على إبراز مفاتنها عبر منعطفات جسمها وحركة لحمها وتعصر غلائل ثوبها على بدنها إمعانا في استعراض مسالك عورتها وحجم وركها! وتفاصيل أنوثتها مقبلة ومدبرة تشتهي سماع كلمة ساقطة من شاب ساقط! أو كما قالت العرب: لا ترد يد لامس! لهي امرأة غبية حقا! إنها تختزل إنسانيتها في صورة حيوان!

بقلم: فريد الأنصاري
325