تأثير استخدام الأدوات والتقنيات على المخ

تأثير استخدام الأدوات والتقنيات على المخ | مرابط

الكاتب: علي محمد علي

396 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مخنا فيه قدرة مهمة جدًا اسمها المرونة العصبية neuroplasticity، المرونة العصبية هي قدرة المخ على التغير والتشكل على مدار حياتك. نتيجة الخبرات التي تتعرض لها البيئة التي تعيش فيها، أو التقنيات والأدوات التي تستخدمها، المرونة العصبية ممكن ينتج عنها تقويض دوائر عصبية خاصة بوظيفة معينة لو كنت تقول بهذه الوظيفة لو كنت تقوم بها في شكل دوري، وينتج عنها أيضًا ضعف في الدوائر العصبية الخاصة بأي وظيفة أنت توقفت عن القيام بها.

 

عضلات المخ

الأمر يأتي من العضلات، العضلات  التي تستخدمها في شكل دوري تكون قوية، والعضلات التي لا تستخدمها تضمر وتضعف. أي تقنية أو أداة تستخدمها، عادة تجعلك تستخدم قدرات ذهنية معينة بشكل أكبر، وتقلل اعتمادك على قدرات ذهنية أخرى.

 

وبالتالي استخدامك لهذه الأداة أو التقنية، يعيد تشكيل مخك، يقوي بعض القدرات الذهنية، ويضعف قدرات أخرى. الكتاب يضرب أمثلة لعدة أدوات وتقنيات قديمة، يعني انتشار استخدام الساعات مثلًا، كما ساعدنا في معرفه الوقت بدقة وسهولة، هو أضعف  قدراتنا على تخمين الوقت بالنظر لضوء النهار وشكل الظلال، لأن بمجرد وجود الساعة لم تعد هناك حاجة أن نركز مع الظواهر، التي تساعدنا على تخمين الوقت خلال اليوم.

 

في الواقع الساعات غيرت طريقة تفكيرنا عن الوقت، من كونه خط مستمر، إلى فترات زمنية متقطعة تقدر بالساعات والدقائق. وحتى شيء قديم مثل الكتابة، اعتمد الإنسان على كتابة الأشياء المهمة، حتى لا يفقدها، جعلته يقلل اعتماده على الذاكرة، وبالتالي نتج عنها ضعف في قوة الذاكرة.

 

ومثال آخر أيضًا يطرحه الكتاب عن كاتب مشهور في نهاية القرن التاسع عشر، هذا الكاتب استبدل الورقة والقلم بالآلة الكاتبة، بعد فترة من استخدامه لهذه الأداة الجديدة، لاحظ أن أسلوبه في الكتابة، تغير، لاحظ أنه أصبح يستخدم عبارات أكثر وكلمات أبسط في الكتابة، يمكن لأن الكتابة في الآلة الكاتبة بالنسبة له كانت أصعب من استخدام الورقة والقلم، فهذا بشكل غير واع جعله يستخدم أسلوب يسهل عليه الكتابة.

 

أي أن اختلاف الأداة جعله يغير أسلوبه في التعبير عن أفكاره، والملاحظة المهمة هنا أن هذا تم بدون قصد منه. هذا ليس معناه أن أداة معينة لها بعض السلبيات أنها سيئة في المجمل، أو المفروض أن تتوقف عن استخدامها. التصرف المنطقي أن نوازن بين قدر المنفعة الذي نحصل عليه من هذه الأداة وبين قدر الضرر الناتج عن استخدامها

 

ونختار من ثلاثة خيارات:

أن نستمر في استخدام التقنية رغم الضرر: ربما لأن الضرر بسيط مقارنة بمقدار المنفعة، يعني مثلًا أنا أستخدم أدوات رقمية لحفظ وتنظيم أفكاري ومشاريعي، هذا سينتج عنه أني سأقلل اعتمادي على ذاكرتي. وهذا ينتج عنه بعض الضعف في قوة الذاكرة مثلًا، ولكن أنا أرى أن هذا ضرر بسيط مقارنة بالفائدة الكبيرة التي أحصل عليها من حفظ وتنظيم أفكاري ومشاريعي، وسهولة تطويرها وتقليل الضغط النفسي وضمان عدم نسيان أي تفاصيل مهمة.

 

نستمر في استخدام التقنية لكن نحاول أن نصلح الضرر الناتج عنها: أي لو استخدمت نفس المثال السابق، أنا من الممكن أن أستمر في استخدام الأدوات الرقمية لحفظ وتنظيم أفكاري. وفي نفس الوقت ممكن أن أعمل تمارين لتقوية الذاكرة من وقت إلى آخر، وهذا الخيار يفترض أن المنفعة التي أحصل عليها، من التقنية هذه تستحق الجهد الإضافي الذي سأفعله لإصلاح الضرر الناتج عنها

 

نتوقف عن استخدام هذه التقنية: وهذا في حالة أن الضرر أكبر من المنفعة، ومقدار المنفعة لا يستحق الوقت والجهد الإضافي الذي من الممكن أن نضيعه في محاولة إصلاح الضرر. طبعًا اختيار أي واحد من هذه الخيارات، يتوقف على مدى معرفتك وتقديرك للمنفعة والضرر، أنت ممكن تستخدم أداة أو تقنية معينة، بدون أن تدرك بمقدار الضرر الحقيقي، الذي يسببه لك.

 

فلو سنتحدث عن الإنترنت كأداة تقنية، نستخدمها كلنا بشكل يومي حاليًا، بالنسبة للمنفعة، لن نتحدث عنها كثيرًا، فكلنا نعرف كم الفرص التي يتيحها الإنترنت، في مجالات العمل والتعلم والتواصل. استخدام الإنترنت أصبح ضرورة لمعظمنا، بشكل يجعل التوقف عن استخدامه لا يبدو خيارا مطروح من الأساس. أما بالنسبة للضرر، فهل نحن مدركين لكل أضرارها بشكل يسمح لنا حتى أننا نحاول إصلاح هذه الأضرار، ونقلل منها قدر الإمكان؟

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المخ
اقرأ أيضا
نقض أصول الإلحاد الإيجابي | مرابط
الإلحاد

نقض أصول الإلحاد الإيجابي


لا يمكن لإنسان أيا كان في قضية وجود الخالق أن يحكم على الخالق بحكم إلا وقد سبق ذلك الحكم تصور معين عن الخالق الذي يريد الحكم عليه. حتى الملحد الجلد لا يمكنه إنكار الصانع إلا وحكمه فرع عن تصور معين لخالق يأباه ولا يوافق عليه إذ يستحيل أن يخوض الملحد في قضية ممتنعة لذاتها أو قضت ضرورة العقل بانتفائها فهذا عبث وسفه.

بقلم: عبد الله بن سعيد الشهري
399
الحركة العلمية في عهد عمر بن عبدالعزيز والدولة الأموية | مرابط
تاريخ

الحركة العلمية في عهد عمر بن عبدالعزيز والدولة الأموية


نشطت المدارس العلمية في مكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام ومصر وغيرها وأشرف الصحابة الكرام على تعليم وتربية الناس فيها واستطاعت تلك المدارس أن تخرج كوادر علمية وفقهية ودعوية متميزة كما أثرت المدارس العلمية والفقهية في المناطق المفتوحة وشكلت جيلا من التابعين نقلوا إلى الأمة علم الصحابة وأصبحوا من ضمن سلسلة السند التي نقلت للأمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويرجع الفضل في نقل ما تلقاه الصحابة من علم من الرسول بالدرجة الأولى -بعد الله- إلى مؤسسي المدارس العلمية بمكة والمدينة والبص...

بقلم: د علي الصلابي
1291
الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط
الإلحاد

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية


لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه وهو أمر يظهر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظرية المعرفة والقيم ومعنى الحياة والفكاك عن ذلك -إلحاديا- محال لأن رفض الداروينية أو أي صورة أخرى من صور التطور العشوائي للكائنات الحية

بقلم: د سامي عامري
593
كيف كسرت باريس القذرة قلبي وحطمت توقعاتي! | مرابط
مقالات

كيف كسرت باريس القذرة قلبي وحطمت توقعاتي!


ربما كنت أشاهد الكثير من الأفلام الحالمة الغير واقعية أو ربما كنت أعيش في عالم طوباوي مواز للعالم.. ولكن باريس -بالتأكيد- ليست كما كنت أتصورها إنها قذرة حرفيا ومجازا كل ما أعرفه هو أن ما رأيته نجح فقط في كسر قلبي!

بقلم: براتيك دام
353
توجيه النشء بين الأمس واليوم | مرابط
تفريغات

توجيه النشء بين الأمس واليوم


من المؤسف أن تجد كثيرا من الآباء والأمهات اليوم لا يعتنون بتوجيه الناشئة بآداب الإسلام لا في الطعام ولا في الشراب ولا في الدخول ولا في الخروج ولا في دخول الخلاء ولا عند المبيت ولا عند الاستيقاظ لقد تعلمنا كما قلت من عجائز جدات وأمهات ما عرفوا الدراسة ولا يعرفون الألف من الباء.

بقلم: سعد البريك
324
مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني


بعدما وصلت الموجة العلمية كل العالم تقريبا والتحديثات قد طالت كل شيء في الحياة ظهرت بعض الأدعياء يقولون أن هذا العالم الجديد لا مكان للدين فيه بل ظهرت نظرية جديدة في الطرف المقابل مضمونها أن الأديان وإن كانت عريقة في القدم لكن تقدمها الزماني لا يكسبها صفة الثبات والخلود بل هو بالعكس يطبعها بطابع الشيخوخة والهرم وينذر بأن مصيرها إلى الاضمحلال والفناء وفي هذا المقال بجزئيه رد على هذه النظرية وتلك الأباطيل

بقلم: محمد عبد الله دراز
1851